عودة الدراسة.. من العطلة إلى الانضباط

photo by rawpixel

تستعد غالبية الأسر لاستقبال العام الدراسي الجديد، وتتجلى مظاهر هذا الاستعداد في اجتهادات الأسر في البحث عن المدارس الأفضل لأبنائها من حيث جودة المستوى الأكاديمي، وكفاءة المدرسين والمناهج الدراسية والبنية التحتية الممتازة.

كما تحرص على توفير كل المستلزمات المدرسية للعام الجديد من كتب ودفاتر وحقائب وأدوات مكتبية وملابس ومتطلبات أخرى.

مع إلحاق أبنائها بمدارس أجنبية، خاصة ليجيدوا التعلم بلغة أخرى تمكنهم من بناء مستقبل علمي وعملي أفضل. حتى بات الأمر مضمارًا للتنافس المزعج سواء بين المدارس الخاصة أو بين العائلات.

التحضيرات المدرسية

ونشهد من أجل ذلك نشاطًا تجاريًا كبيرًا لجذب القوة الشرائية. في تنافس محموم لما يعرف في الإعلانات التجارية بمسمى العودة للمدارس. تنجذب له الأسر دائمة الشراء للعلامات التجارية والماركات العالمية بدعوى الجودة حينًا والموضة حينًا آخر والقبول الاجتماعي في أحيان أكثر.

الأمر الذي يرهق الميزانية خاصة مع تزامن مواسم الأفراح والسفر وقضاء العطلة خارج البلاد. كل ذلك يجعل من الاستعداد للعام الدراسي الجديد عبئًا تتعامل معه الأسرة على مضض وينتقل هذا الإحساس للأبناء الذين اعتادوا على التحرر من ضوابط مواعيد النوم والاستيقاظ المبكر للمدرسة خلال العطلة.

كما اعتادوا على حرية عدم الالتزام بأي برنامج دراسي خلال العطلة في الغالب الأعم. لذلك يثقل على نفوسهم العودة مرة أخرى للتقيد بالضوابط التي تتطلبها العودة لمقاعد الدراسة.

الأمر الذي يجعل استقبال العام الدراسي الجديد لدى غالبية الأسر بطيئًا متثاقلًا. ويجعل عودة العديد من الطلاب للمدارس عودة فاترة تخلو من الحماس والنشاط والمبادرة في التحصيل والإنجاز.

ما ينعكس مباشرة على مستوى الأداء على كل الأصعدة. ويتطلب الأمر مرور وقت طويل لتسارع إيقاع الأداء والعودة مرة أخرى للانسجام مع محيط الدراسة ومتطلباتها.

وهذا ما يدفعنا نتساءل عن أهمية الاستعداد الأسرة نفسيًا وتهيئة أبنائها معنويًا للعودة للمدارس بنفس مقدار الاهتمام الذي تبذله في الاستعداد المادي، وتوفير المطلوبات العينية للمدارس.

فلو أن الأسرة بدأت منذ بداية العطلة الصيفية في توضيح الهدف منها للأبناء. باعتبارها فرصة للاسترخاء والترويح عن النفس من أجل تجديد النشاط والتزود بالطاقات لمواصلة الإنجاز والتحصيل للعام الدراسي الجديد. وبالتالي نربط فترة العطلة عندهم منذ البدء بهدف واضح متصل بالإنجاز فيسعون لتحقيقه دون تذمر أو تثاقل.

مفهوم العطلة عند الأطفال

كما أنه على الأسرة أن ترسخ مفهوم التعامل مع العطلة لدى الأبناء باعتبارها فترة مؤقتة مهما طالت. ما تتيح لأفرادها الاسترخاء قليلًا والتزود للبدء من جديد. وليست كما تتعامل معها غالبية الأسر بأنها الغاية المرجوة بعد عام دراسي كامل.

فيتكون لدى أبنائنا هدف خاطئ من الدراسة؛ حيث يتعاملون معها باعتبارها الوسيلة للحصول على العطلة وليس العكس.

لذلك نجدهم متذمرين من الدراسة تواقين لكل فرصة تمنحهم عطلة حتى إن الأمر قد يؤدي بعضهم إلى ادعاء المرض تهربًا من الدراسة.

وغالبًا ما نجد الإقبال على الدراسة في الأسبوع الأول بعد العطلة ضعيفًا، ويتزامن ذلك مع زيادة الإقبال على المستشفيات بصورة ملحوظة تظاهرًا بالمرض فقط للحصول على الإذن الطبي بالتغيب.

لذلك من الضروري أن نرسخ لدى أبنائنا أن العطلة الصيفية بمثابة فرصة للاستعداد للعام الدراسي المقبل بنشاط وحماس ورغبة في مزيد من الإنجاز. كما أنها فرصة المراجعة وإعادة تقييم التحصيل الدراسي للعام السابق بمستوياته المختلفة. من أجل تلافي القصور وتصحيح الأخطاء. سواء من خلال تعديل مواعيد المذاكرة أو كيفيتها أو تحديد أسلوب الاستذكار. أو مواعيد النوم والاستيقاظ أو حتى من خلال تقييم أداء المؤسسة التعليمية والعاملين فيها.

تقويم سلوك الطفل

ويا حبذا لو علمنا أبناءنا أن كل عطلة هي فرصة للتوقف وإعادة المحاسبة والتقييم والمراجعة. كما أنها فرصة لتطوير المهارات ومحاولة معالجة النقص والقصور، سواء على المستوى الفكري أو السلوكي. وذلك لا يتحقق إلا بوضع برامج مفيدة أثناء العطلة فيها من الترفيه والتجديد. وأساليب التعلم باللعب الشيء الكثير.

كما أن التركيز على الجرعات القيمة والأخلاقية لتعديل السلوك واجبة. وفترة العطلة تتيح وجودًا أكبر واحتكاكًا أكثر بين أفراد الأسرة. كثيرًا ما يفوتنا الاستفادة منه في خضم التذمر من التغير الكبير في نمط حياة الأبناء خاصة مع ما يحدثونه من فوضى في المنزل.

بالإضافة إلى تغير مواعيد نومهم واستيقاظهم وسهرهم المتواصل وإقبالهم على الجلوس أمام التلفاز لوقت متأخر. أو استخدامهم الأجهزة التواصل الالكترونية لساعات طويلة. أو لعبهم خارج المنزل وخروجهم برفقة الأصدقاء وتغيبهم طويلًا.

تحضير الطفل معنويًا للمدرسة

وتختلف مستويات مثل هذه المشكلات في العطلة بحسب نوع الأبناء وأعمارهم ومراحلهم التعليمية. لذلك يصبح من المهم أن نعد خلال العطلة برامج متكاملة لأبنائنا تضمن لهم تقديم أوقات معتدلة من الترفيه والاسترخاء.

والتعلم وتطوير المهارات واكتساب المعارف وتعلم خبرات جديدة. بالإضافة إلى التغذية الروحانية والدينية المعتدلة. سواء كان ذلك في السفر خلال العطلة أو الإقامة.

الأمر الذي يعيننا على تعزيز الكثير من الجوانب الإيجابية في أفكارهم وسلوكهم ومعالجة الكثير من السلبيات في آن واحد. فنقيهم بذلك من مخاطر الانحراف خلال العطلة، نتيجة للفراغ وعدم توظيف طاقاتهم فيما يفيد.

وعليه فإن استقبالنا للعام الدراسي الجديد واستعدادنا له يتطلب في البدء إحداث تحول في مفهومنا كأسر عن العطلة الصيفية، وكيفية الاستفادة منها. باعتبارها وسيلة من وسائل رفع مستويات التحصيل للعام الدراسي الجديد.

وترسيخ هذا الفهم في وعي الآباء والأمهات بات من السهل جدًا أن نهيئ أبناءنا ماديًا ومعنويًا لاستقبال العام الدراسي الجديد. ويصبح بإمكاننا ضمان مستويات أفضل في تطوير معارفهم وضبط سلوكهم على الصعيد العلمي والتربوي.

الرابط المختصر :