الخوف من المجهول.. لا تدعي أشباح الوساوس تدمر حياتكِ

نظرات مضطربة إلى حجرة مظلمة، يمكنك أن ترين من خلالها ظلام الحياة برمتها، بين فراق أحباب، وخسارة عمل، وفقدان الهوية الذاتية، وفجأة يظهر الخوف من المجهول مجردًا من المعالم، يأبي أن يتركك تعودين إلى نفسك ثانية، بعدما دمّر كل لحظات حياتك بأفكار سوداوية، ووساوس تتخذ منه شبحًا يسيطر على أيامك.

إن الخوف من المجهول ينطبق عليه قول نجيب محفوظ؛ الأديب المصري الراحل: "الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجيء. لو رُدَّ إلى الحياة لصاح بكل رجل: لا تخف! الخوف لا يمنع من الموت؛ ولكنه يمنع من الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكما الحياة ما دمتم تخافون الموت".

قد تكون العاطفة الأقدم والأكثر سيطرة على الإنسانية هي الخوف؛ لكن عندما يتخذ هذا الإحساس منعطفًا آخر نحو ترهيب الذات من المجهول؛ فهو مرض يمكنه أن يصيب كل الفئات العمرية بلا استثناء، ويظل يطارد المصاب دون هوادة، ولا يتركه سوى بالموت وهو على قيد الحياة.

وفي الوقت الذي ينتاب الفرد إحساس الخوف من المجهول؛ فإنه يدمر حياته ويسرق أسعد اللحظات التي يمكنه أن يعيشها، بينما ينهب سلامه الداخلي نهبًا ويقتات كالوحش على روحه.

شعور طبيعي

من جهتها، أكدت الدكتورة سينثيا عطوف؛ الأخصائية في شؤون الإنسان وعلم النفس، في تصريحات لـ "الجوهرة"، أن المرأة تصل إلى مرحلة ما في حياتها إلى الحد الذي قد يجعلها تشكك في كل أمور الحياة من حولها، ومع تأسيس أسرة سعيدة، وشعورها بالاستقرار الشخصي والعائلي، يبدأ الخوف من المجهول يتسلل إلى حياتها، مشكلًا كابوسًا يوميًا لا تقدر على مواجهته.

وقالت الدكتورة سينثيا: "من فقدان شخص قريب أو عزيز، إلى خسارة مالية، تبدأ المرأة – علمًا بأنها المخلوق الحسّاس الذي يثق في حاسته السادسة بعمق – في التفكير جديًا أن لديها القدرة على استنتاج المستقبل، والعيش وفقًا لهذه المشاعر المضطربة، والقلق المتواصل، دون أن تدرك أن الأقدار بعلم الغيب، ووحده الخالق يعرف كل شيء؛ فمهمة كل إنسان تعتمد على الاستمتاع بالحياة، رغم الخوف".

وأضافت: "عدم اليقين هو جزء من التجربة الإنسانية. وفي الوقت الذي يزدهر فيه بعض الناس أثناء مواجهتهم لأوقات مضطربة؛ فإن البعض الآخر، يصاب بما يسمى بالشلل العاطفي، وهي الطريقة التي يمكن الاستجابة بها لعدم اليقين وبالتالي يظهر مدى قوة إحساسهم بالخوف من المجهول"، مضيفة: هناك مثال شهير في علم النفس أنه إذا كنت تخشى العناكب، فهذا يعتمد على ما تعلمته سواء أن هذه المخلوقات مؤذية وقد تقتلك؛ لكن ليست كل المخاوف مبنية على مثل هذه المعلومات الملموسة. فبعضها يستند إلى ما لا تعرفه".

الإصابة بالاضطراب

لكن ما الذي يسبب الخوف من المجهول؟، وللإجابة عن هذا السؤال، أوضحت أخصائية علم النفس والشؤون الإنسانية أن هناك العديد من الأمور التي تساهم في إصابة الفرد بهذا الاضطراب؛ إلا أنها تنقسم بالضرورة إلى أمرين أساسيين؛ وهما:

• عدم القدرة على التنبؤ أوضحت الدكتورة أن الشعور بعدم وجود معلومات كافية لدى المرأة لإجراء تنبؤات دقيقة إلى زيادة قلقها. فإذا كنت تشعرين بالخوف من المجهول المرتبط بانتقالك إلى مدينة جديدة، فيمكنك التفكير مليًا في استكشاف المنطقة قبل انتقالك، وبالتالي فإنك سترضي فضولك، وتقضين على قلقك المتزايد.

• عدم السيطرة على مجريات الحياة من المؤكد أن الشعور بعدم قدرتك على التحكم في ظروف حياتك، سيؤدي إلى ارتفاع مستوى القلق لديك؛ لكن يمكنك تقليل عدم اليقين من خلال وضع خطة تتضمن خطوات يمكنك اتخاذها في الأمور التي يمكنك السيطرة عليها.

الخوف من المجهول

التغلب على الخوف من المجهول

وللتغلب على الخوف من المجهول، يمكن الاعتراف أولًا بالشعور بالخوف؛ حيث إن هذا الإحساس ليس حصريًا لشخص بعينه، ولا يرجع لضعف في الشخصية – كما يروج له العديد من الناس دون الاستناد إلى نظريات علمية – فالخوف في حد ذاته هو شعور بشري معهود يجري في الحمض النووي لكل شخص، ولا يميز بين امرأة ورجل، بل إنه يساعدهم في النجاة من التحديات الصعبة.

وأوضحت الدكتورة سينتيا أنه يجب عدم الانجراف وراء الكبرياء البشري الناتج عن ضرورة الإلمام بتفاصيل الحياة كلها، وإدراجها على جدول أعمال معين؛ فالأمور لا تجري على هذا النحو، ويجب التأقلم مع فكرة أن الإنسان يلعب دورًا مهمًا في الحياة وكونه يجهل الكثير من الأشياء يعتبر أمرًا لصالحه في واقع الأمر.

فالتفكير في إمكانية وقوع أحداث معينة يمنع الحياة، ويجردها من ملذاتها؛ لذا يجب البحث الجيد عن أسباب الخوف من المجهول، وعندما تجد المرأة على وجه الخصوص نفسها تخرج من منطقة راحتها وتبدأ بالتفكير السلبي حول إمكانية وقوع الشرور، يمكنها التوقف لبرهة ومعرفة الأسباب، والوقوف عليها، ومن هنا، تبدأ في مواجهة نفسها بـ3 أسئلة مهمة، وهي:

1. ما الدليل الذي أملكه ليجعلني على يقين تام بأن هذا الأمر سيحدث في هذا التوقيت على وجه التحديد؟ 2. هل هناك أمثلة على نجاح أي شخص في معرفة الغيب؟ 3. كيف يمكنني التصرف إن صحت ظنوني وشكوكي؟

وأكدت أخصائية علم النفس أن الأجوبة التي ترد بها المرأة على هذه الأسئلة، تحدد كيفية تعاملها مع إحساس القلق المزمن، والخوف من المجهول، فلا داعي للهلع من بعض المسلمات في الحياة، ويجب التأقلم والتجاوب مع التغييرات الجديدة، واحتضان كل تجربة مختلفة، وبالتالي التوقف عن الخوف المرضي من كل شيء.

واختتمت الدكتورة عطوف تصريحاتها، مشددة على ضرورة الراحة الذهنية وممارسة التأمل والتمارين العقلية التي تريح النفس؛ فإحساس الخوف من المجهول يعتبر ناتجًا في المقام الأول من بعض الأفكار المريبة التي تجتاح العقل، وتتضخم مع مرور الوقت لتصبح وساوس تهدد الحياة.

وفي النهاية، لكي تعيشين أحلامك، يجب أن تحسني احتضان ما تقدمه الحياة لكِ، أن تكونين شجاعة ومستعدة لاقتحام المجهول. لا توجد طريقة أخرى للاستمتاع بالحياة بأقصى إمكاناتها، والاستسلام لشعور الخوف من المجهول لن يؤدي إلا إلى أسوأ النتائج، وليكن في علمك أنك قادرة على فعل أي شيء، وأنتِ أقوى مما تظنين.

اقرأ أيضًا: صحتك في رمضان.. طرق الوقاية من جفاف الجسم والحفاظ على رطوبته