الباحثة في مجال سينما الطفل د. ليلى بالرحومة: المملكة تعيش نهضة حداثية في الفن والسينما

ـ هناك محاولات جريئة لطرح قضايا الطفل في السينما العربية لكن الإنتاج دون المستوى ـ نشهد الآن ميلاد جيل مبدع من خريجي معاهد وكليات السينما في تونس ـ التنمر أصبح ظاهرة تمس الأسرة والطفل.. ولم تعالجها السينما العربية حتى الآن

حوار: مجدي صادق

هي باحثة تونسية في مجال سينما الطفل، وشاركت في العديد من المهرجانات العربية والدولية، ونالت رسالة الدكتوراه حول قانون الطفل.

وفي حوارها مع "الجوهرة"، أشارت الدكتورة ليلى بالرحومة؛ إلى أن المملكة العربية السعودية تعيش الآن نهضة حداثية خاصة على المستوى الثقافي. مؤكدة أنها متشوقة للتعاون مع السعوديات المهتمات بقضايا الطفل أو سينما الطفل.. وإلى نص الحوار:

لماذا اخترتِ مجال سينما الطفل تحديدًا؟ وكيف ترين مستقبلها عربيًا؟

اخترت الاهتمام بسينما الأطفال لأنني أم لطفلين، وتوجهاتي وضعفي تجاه هذه الفئة العمرية، كما أن قضايا الطفل والأسرة في تونس والعالم العربي تشغل بالي وأحاول من خلال الفن أن أنهض بالطفل وأساهم في تعليمه وتوعيته وتثقيفه.

والسينما العربية مقلة في اهتمامها بقضايا الطفل والمراهق، والتوجه الآن لا يتمحور حول الأسرة العربية ومشاغلها، وأرى أن مستقبل قضايا الطفل والمراهق على المستوى العربي بإمكانه التطور لو آمن المخرجون والمنتجون بالفكرة ولو وُجد السيناريو الجيد.

ما رأيك في أحوال السينما العربية؟

تعد السينما التجارية مسيطرة الآن على سوق الإنتاج، ولا ننسى أن سينما الطفل لا تتم متابعتها من قبل جمهور كبير وهي غير موجهة للعامة؛ ما يعني أنها غير مربحة.

إضافة إلى أن مجال فنون الطفل، يتطلب فهمًا لعلم النفس التربوي وعلم نفس المراهق وأساليب التعامل مع هذه الفئة الحساسة، وحتى الكتابة لهم تتطلب أساليب خاصة بهم فلا نستخف بذهن المراهق ونقدم له منتوجًا ابداعيًا موجهًا لأطفال الحضانة مثلًا، ولا نقدم للطفل في سن ما قبل المدرسة أفكارًا لا تنتمي لسنه الصغيرة.

وهناك محاولات جيدة وجريئة في تناول قضايا الطفل بالسينما العربية، نذكر مثلًا المخرجة مي المصري التي تهتم بأطفال فلسطين ولبنان وسينما المقاومة. كما لا ننسى نادين لبكي التي تألقت في الاهتمام بقضايا الطفل خلال فيلم "كفرناحوم" وحصدت عدة جوائز عالمية، وأعتبره من أجمل أفلام العشرية الأخيرة التي اهتمت بقضايا الطفل العربي.

وفي تونس، هناك المخرج أنيس الأسود الذي أنتج أفلامًا حول الطفل والطفولة وهي ذات مستوى جيد. وحاز آخر أفلامه "قدحة" على العديد من الجوائز في مهرجانات عالمية.فالإنتاج قليل في مجال قضايا الطفل والأم؛ لكنه جيد من ناحية الجودة.

إذا رسمتِ بعين السينمائية صورة للمرأة التونسية فكيف تكون؟

المرأة التونسية حاضرة في السينما كممثلة ومخرجة وسيناريست، وتعد تونس من أكثر البلدان التي تعمل فيها المرأة مخرجة سينمائية. أذكر هنا الراحلة مفيدة التلاتلي، سلمى بكار، رجاء العماري، ليلى بوزيد وكوثر بن هنية، وغيرهن.

وتواجد المرأة التونسية في المجال السينمائي، يعكس المكاسب التي تم تحقيقها، ويعتبر فيلم "الجايدة" للمخرجة سلمى بكار آخر الأعمال التي تناولت قضية السيدات التونسيات، وقدم لنا صورة ملموسة عن المرأة في تونس وتطورها في المجال العلمي والعملي.

المرأة السعودية حصلت على الكثير من الحقوق مع رؤية 2030.. هل ترين أنها في حاجة إلى المزيد؟

بالطبع المملكة العربية السعودية تعيش الآن نهضة حداثية وهذا لمسناه خاصة على المستوى الثقافي. وهذه النهضة أثرت إيجابيًا في المرأة السعودية؛ إذ حققت مكاسب نسعد بها نحن النساء وهي في حاجة إلى المزيد من التحفيز على المضي قدمًا في سبيل تحقيق مكاسب أخرى؛ منها وجودها كفاعلة حقيقية في الساحتين الثقافية والفنية.

هل التقيتِ مبدعات سعوديات فى مجال سينما الطفل أو غيرها؟ وهل تتابعين الحركة الإبداعية والثقافية والسينمائية للمملكة في الآونة الأخيرة؟

لا لم ألتق مبدعات سعوديات وهذا يؤسفني وأنا متشوقة للتعاون معهن والتبادل الثقافي والفني بيننا.

وبالطبع أتابع الحركة الثقافية والفنية التي تعيشها المملكة وسعيدة بما شهدته من حفلات ومهرجانات، وضيوف من السينما العالمية لأول مرة يزورون المملكة العربية السعودية، وكل نجاح ثقافي للملكة العربية السعودية هو نجاح لكل الأمة العربية.

ظهرت في مجتمعاتنا العربية ظواهر سلبية مثل: التحرش والتنمر.. فكيف عالجتها السينما العربية؟

بالطبع رصدت السينما العربية ظواهر التحرش والتنمر، ومن أول الأفلام التي تناولت التحرش والاغتصاب وأحدثت نقلة في السينما التونسية كان فيلم "ريح السد" للمخرج التونسي النوري بوزيد.

ثم تلاه فيلم "صمت القصور"، الذي تناول أيضًا التحرش، لكن عددًا قليلًا من الأفلام رصدت ظاهرة التنمر والتي أصبحت تمس الأسرة والأطفال.

وهل لمواقع التواصل الاجتماعي دور مؤثر في انتشار هذه الظواهر؟

نعم وسائل التواصل الاجتماعي أثرت سلبًا في تربية الأطفال ولم يعد من السهل مراقبة المتحرشين ولا سلوك الطفل نفسه.

نحن نعيش عصرًا مختلفًا تسيطر عليه الألعاب الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والأطفال ابتعدوا نوعًا ما عن الأسرة وما كانت تقدمه من مشاعر ودفء ومراقبة مستمرة لتحركات الطفل وسلوكياته.

الباحثة في مجال سينما الطفل د. ليلى بالرحومة

ما تفسيرك لزيادة ظاهرتي الطلاق والعزوف عن الزواج؟

الطلاق والعزوف عن الزواج يعودان -حسب رأيي- لعدة عوامل وتحولات مجتمعية؛ فالصورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي تسببت في تباعد أفراد الأسرة وتغير مفهوم الحب فصار افتراضيًا مبنيًا على مشاعر وصور خيالية، وعند حدوث اللقاء يحدث الصدام بين الافتراضي والواقعي.

كما أن المشاكل الاقتصادية والمالية التي صرنا نعيشها ومتطلبات الحياة التي تطورت وتغيرت فرضت على الزوج والزوجة شروطًا مجحفة؛ ما جعل من الزواج مشروعًا صعبًا يتطلب إمكانيات ورفاهية.

هل تغير مفهوم الحرية مع عصر الرقمنة ومواقع التواصل عند المرأة والرجل الشرقي؟

نعم تغير مفهوم الحرية عند الشرقي والشرقية بعد عصر الرقمنة والإنترنت؛ لأن الإنسان بإمكانه أن يتخفى وراء اسم كاذب ويكتب ما يريد ويعبر عن غضبه وآرائه، وهذا كله مساحة من الحرية جديدة علينا جميعًا.

كما أن الثورات العربية المتتالية أعطت ثقة للمواطن العربي وصار لديه موقف ورأي يعبر عنه وامتلك نوعًا من الحرية وإمكانيات التعبير.

بماذا تحلمين على المستوى الشخصي مع بداية عام جديد وعلى مستوى السينما العربية؟ وما الذي تتمنينه للمرأة العربية؟

على المستوى الشخصي أحلم بأن أكتب عملًا فنًيا موجهًا للطفل أو المراهق العربي أقدم فيه رؤيتي وما يخالجني من مشاعر ومن قضايا، وأن يتم تنفيذه على أرض الواقع من قبل جهة منتجة.

ونظرًا لأنني أؤمن بالأسرة كخلية تبني الشعوب، أتمنى أن توفق المرأة العربية بين دورها كأم ورائدة في المجالات العلمية والاقتصادية والفنية، وأحلم بأن نشاهد أعمالًا تخرجها المرأة وتكتبها أيضًا المرأة كسيناريست؛ بحيث لا يقتصر دورها على التمثيل، وأتمنى أيضًا أن تصبح هناك أعمال عربية مشتركة بين بلدان الخليج والبلاد الأخرى؛ حتى ننهض معًا بقضايا الأم والطفل.

أحب أن تكون الأم العربية متعلمة ومتوازنة ومنفتحة تنقل علمها وأخلاقها لأطفالها، وأن تنجح على المستوى العملي كذلك.

أخيرًا هل للمرأة التونسية دور مؤثر فيما يقع من أحداث بتونس؟ وهل الحركة السينمائية التونسية تتفاعل مع تلك الأحداث؟

المرأة التونسية فاعلة في المجتمع المدني وفي الحقلين السياسي والعلمي ومؤثرة في الرأي العام وتحاول أن تتأقلم مع الأزمة، وبالنسبة للوضع الاقتصادي السيئ فنحن نساير الوضع العالمي بعد سنتين من الوباء وتأثيراته الاقتصادية وجفاف وشح مائي لمدة سنتين أيضًا، وتأثيرات الوضع السياسي، ونعيش أزمة سوف نتخطاها بإذن الله بسواعد وفكر تونسي.

والحركة السينمائية تتفاعل مع الوضع العام في محاولات إبداعية لمخرجين من الجيل الجديد، ونشهد الآن ميلاد جيل مبدع من خريجي معاهد وكليات السينما بتونس يحملون أفكارًا وهواجس مختلفة عن الجيل السابق.

اقرأ أيضًا: سيدة الأعمال فاطمة الزين: لا أوافق على المساواة بين الرجل والمرأة لهذه الأسباب