أديب الهوامش.. نجيب محفوظ.. رمزية الأدب وعالمية القرية

"تبدأ سنته في أكتوبر وتنتهي في أبريل"، يكتب في كل وقت وآن، إلا أن الإكراهات الاجتماعية والظروف المختلفة جعلته يدخل "الرغبة في التنظيم" على حد قوله هو ذاته، وعلى الرغم من ذلك تجبره الفكرة والإبداع على العمل حتى في أوقات إجازته.

آمن نجيب محفوظ ـ الذي تمر بنا هذه الأيام الذكرى السابعة بعد المائة لميلاده ـ بالتنظيم حتى قال ذات يوم "التنظيم لا يختلف إطلاقا عن التلقائية".

ولد "نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا"، في شتاء عام 1911، حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988، ويعتبر "محفوظ" أبًا للرواية المصرية الحديثة بدون منازع.

نشأ نجيب محفوظ ضمن عائلة متوسطة الحال بين ستة أشقاء، أربعة إخوة وأختين، وكان هو أصغر أخواته سنًا.

التحق نجيب محفوظ بالكُتّاب ثم الابتدائية فالثانوية، وخلال هذه المرحلة بدأ ولعه بالأدب العربي في البزوغ.

كان يريده والده أن يصير طبيبًا، لكن والدته شجعته على أن يختار طريقه بنفسه، أما هو فكان يحب الموسيقى، وكان لاعبًا جيدًا في كرة القدم حتى ظن أنه سيكون لاعبًا كبيرًا، ونشأ حب "محفوظ" للكرة عندما رأى فيها الطريقة الوحيدة لهزيمة الانجليز، ففي ظل الاستعمار الإنجليزي لمصر، لم تستطع مصر آنذاك هزيمة الإنجليز في أي مجال سوى ملاعب الكرة، فرآها "محفوظ" سبيله لهزيمتهم!

دخل الجامعة المصرية في 1930، وحصل على شهادة الفلسفة في 1934، ثم على الماجستير مُتخصصًا في الفلسفة، وانشغل عن استكمالها متجهًا ناحية مهارتي الكتابة والتأليف، وعقب التخرّج من الجامعة كان على "محفوظ" الانتباه إلى الحياة العملية وجني المال؛ لذا عمل موظفًا مدنيًا بإحدى الهيئات الحكومية عام 1934، وبعدها انضم إلى جامعة القاهرة للعمل موظفًا، ثم اتجه إلى الكتابة الصحفية مع صحيفة الرسالة في 1936، وشارك بقصص قصيرة خلال هذه الفترة والتي نشرت لدى صحيفتي الأهرام والهلال.

درس نجيب محفوظ الفلسفة وهوى الأدب، وتنازعه الصراع بين الاثنين، ولم يستطع الخلاص من ذلك إلا عبر كتابة أدب مفعم بالفلسفة، فأدبه أدب واقعي وعقلاني، وفيه كثير من المعاني الفلسفية التي لن يدركها إلا من درس الفلسفة مثل نجيب.

لم يكن طريق النشر مُعبدّا بالنسبة لـ "نجيب"، فقد واجه صعوبات جمة في نشر قصصه، وفي أحد الأيام، حصل على جنيه كأول مقابل لكتاباته، ومن هنا بدأ "محفوظ" حياته الأدبية بالفن القصصي القصير، وكتب قرابة الثمانين قصة، وتم ترجمتها فيما بعد للعديد من اللغات حاليًا.

بدأ محفوظ في كتابة "الفن الروائي"، واستمد رواياته من مجتمعه الذي نشأ فيه، فكانت رواياته تتضمن قصصًا للحواري التي نشأ فيها، وظروف وطنه الذي تربى فيه، فكتب "رادوبيس، كفاح طيبة"، وكان دافعه في هذه الروايات دافعًا وطنيًا، حيث كان يستدعي في ذاكرته ومخيلته معاني الاستعمار، وما عاشه في ظل هذا الاستعمار.

انتهى "محفوظ"، في عام 1952، من كتابة رواية "أولاد حارتنا"، والتي مُنعت من النشر كاملة في مصر بتلك الفترة، بسبب محتواها المثير للجدل، وذلك لتناولها تفاصيل دينية وغيرها عن "الذات الإلهية"، وعقب 8 سنوات على صدور الرواية؛ وافقت دار "الآداب اللبنانية" على طباعتها في بيروت كاملة 1967 وأعيد نشرها في مصر 2006، وتناثرت الأقاويل حول تلقّي "محفوظ" على أثرها تهديدات بالقتل.

نشر بعد ذلك "ثلاثية القاهرة"، وهي عبارة عن ثلاث روايات، أو رواية من ثلاثة أجزاء تُعبّر عن حياة ثلاثة أجيال في القاهرة بداية من الحرب العالمية الأولى وحتى ثورة 23 يوليو 1952، وأطلق على الروايات الثلاثة أسماء: بين القصرين عام 1956، وقصر الشوق 1957، والسكرية عام 1957م.

يُلاحظ على أدب نجيب محفوظ أنه متأثر بالرمزية، فلا يُعبر عن مراده بشكل مباشر، بل يستخدم الرموز والإشارات، وكانت الحارة أبرز هذه الرموز التي استخدمها "نجيب" بشكل مباشر أو غير مباشر، انشغل ببيئته وحواريها، فكتب عن ذلك وأسهب في الكتابة، حتى استحالت "حارة نجيب" عالمًا قائمًا بذاته، لم تعد الحارة التي نعرفها وإنما أمست حارة عالمية أو عولمية، إنها مثال العالم ونموذج له.

رحل "نجيب محفوظ" عن عُمر ناهز الـ 94، في 30 أغسطس 2006، إثر تدهور حالته الصحية بسبب قُرحة المعدة ومشاكل بالكلى والرئة، ودخل من قبلها المستشفى على إثر محاولة لاغتياله في أكتوبر 1955.