لا ينسى التاريخ أبداً البولندية الأصل الفرنسية الجنسية ماريا سكودوفسكا كوري الشهيرة بـ ماري كوري الإستثنائية كـ اول امرأة حصلت على جائزة نوبل في الفيزياء في تاريخ العلم الحديث لاكتشافها ظاهرة الإشعاع في عناصر “اليورانيوم” و”البلونيوم” و”الراديوم”.
وكانت عائلتها كوري من أوائل العائلات الأوروبية التي يحصل أربعة من أفرادها على جائزة نوبل في العلوم،حيث حصلت ماري كوري على جائزتيّ نوبل،وزوجها بيير كوري تقاسم معها جائزة نوبل بالفيزياء عام 1903،وحصلت إبنتها الكبري إيرين كوري على جائزة نوبل،وأيضاً زوجها فريدريك.
ولادة وطفولة اول امرأة حصلت على جائزة نوبل
ولدت ماريا سكودوفسكا في وارسو ببولندا عام 1867 ،وكانت الصغرى من بين الأبناء الخمسة لوالديها المعلمين ،فكان والدها فلاديسلاف سكودوفسكي مدرس رياضيات وفيزياء،ووالدتها برونيسلافا تدير مدرسة داخلية وتوفيت بمرض السل عندما كانت ماري بعمر ال” 12″ من عمرها.
عملت مربية لتنفق على مصاريف تعليم شقيقتها
لم تكن حياة ماري كوري سهلة أبداً،فاختارت الكفاح حتى تحقق حلمها بحياة أفضل،اتفقت مع شقيقتها برونيسلافا أن تسبقها إلى باريس لدراسة الطب وهي سترسل لها نفقات دراستها على أن تتبادل معها،فتعود هي من باريس لتسافر هي للدراسة بعد عامين،ومن أجل الإيفاء بالتزامها مع شقيقتها اضطرت للعمل مربية لدى أسرتين ميسورتيّ الحال.
قصة حب ماري كوري الأولى
أحبت ماري أحد أبناء العائلة التي تعمل لديها،وهو كازيمير تسورافسكي “أحد أشهر علماء الرياضيات” الذي واجه معارضة حادة من عائلته على زواجه من ماري الفقيرة الأقل مستوى منه،وخسرت ماري بسبب حبها له، وظيفتها لدى عائلته، حيث تم طردها لمنع حبيبها كازيمير من رؤيتها.
فعملت لدى أسرة أخرى في شمال بولندا عاماً كاملاً لتواصل الإنفاق على دراسة شقيقتها بفرنسا.
ماري كوري.. عاشت فترة طويلة على الخبز والفجل فقط
لم تفقد ماري الأمل بالزواج من حبيبها لهذا رفضت طلب شقيقتها برونيسلافا وزوجها بالإلتحاق بهما في باريس عام 1890، ،وفضلت العودة إلى وارسو للإقامة مع والدها والعمل بالتدريس.
سافرت ماري كوري في أوكتوبر 1891 إلى باريس للإلتحاق بشقيقتها بعد وصولها رسالة ينهي حبيبها كازيمير تسورافسكي أملها بالزواج منه ،فتحطم قلبها لأول مرة في حياتها.
أقامت ماري فترة بسيطة مع شقيقتها برونيسلافا وزوجها ثم استقلت عنهما في غرفة متواضعة فوق سطح أحد البيوت الباردة بالشتاء فكانت تمضي معظم وقت الفراغ بمكتبة جامعة السوربون التي التحقت بها للدراسة حتى لا تعود لغرفتها إلا للنوم بعد عملها الليلي في إعطاء دروس خصوصية، ولم يكن يكفيها ما تكسبه لنفقات دراستها وطعامها فكانت تكتفي بتناول الفجل والخبز لفترات طويلة حتى كان يغمى عليها مرات عدة من وطأة الجوع وسؤ التغذية.
جامعة السوربون.. الخطوة الأولى نحو النجاح
لم ترضخ ماري لظروفها الصعبة فثابرت حتى تخرجت عام 1893 بتفوق وحصلت على درجة الماجستير في الفيزياء،ومنحة لدراسة الرياضيات ،وتخرجت للمرة الثانية من السوربون عام 1894،وفي العام نفسه دخل زوجها المستقبلي بيير حياتها وواجهت ماري كوري المجتمع الذكوري بشجاعة لرفضه المهين لها كإمرأة في كثير من المحافل العلمية .
الأبحاث المغناطيسية جمعت ماري بزوجها بيير كوري
إهتمام ماري بخواص المغناطيسية في الفولاذ جمعها بحبيبها الثاني وزوجها الأول بيير كوري ،وأحبا بعضهما في وقت قياسي،وتأكدا من حبهما عندما سافرت ماري لوارسو،وتلقت رسالة من بيير يطلب منها العودة إلى باريس،فعادت بعد رفض جامعة كراكوفيا عملها لديها لمجرد إنها إمرأة حيث كان التمييز الجندري في الأوساط العلمية والأكاديمية هو السائد،وبعدها بأشهر ارتبطا بعقد زواج مدني عام 1895.
وأمضيا شهر عسلهما بالتجوال بدراجاتهما الهوائية في الريف الفرنسي.
وأثمر زواجهما عن ابنتين هما: الكبرى إيرين،والصغرى إيف،بعد فقدانهما مولود ثالث ولد قبل أوانه.
ماري كوري اول امرأة حصلت على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1903
تطورت أبحاث ماري محققة إكتشافات جديدة لمواد يفوق نشاطها الإشعاعي اليورانيوم،فازداد إعجاب بيير زوجها بنبوغها فترك أبحاثه الخاصة في البلورات،وانضم إليها في أبحاثها الإشعاعية،واكتشفا معاً مادة أطلقا عليها إسم “بولونيوم” نسبةً لبولندا بلد ماري الأصلي، يفوق إشعاعه اليورانيوم،وبعدها بفترة اكتشفا عنصر “الراديوم” ذو الإشعاع المضاعف أيضاً،في هذا الأثناء وفي عام1900 كانت ماري أول إمرأة عضوة في مدرسة الأساتذة العليا،وبدأت الصناعات تظهر بفضل اكتشاف مادة الراديوم من قبل الزوجين ماري وبيير كوري.
وفي شهر ديسمبر من عام 1903 منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم: ماري كوري ،وزوجها بيير كوري، وهنري بيكريل جائزة نوبل في الفيزياء عن اكتشافاتهما لظاهرة الإشعاع،ولم يكن في نية أعضاء الأكاديمية منح ماري الجائزة لكونها إمرأة،وكانا سيمنحانها فقط لزوجها بيير كوري وهنري بيكريل لكن عالم الرياضيات السويدي ماجنوس ميتاج عضو اللجنة الأكاديمية الملكية السويدية المناصر للعالمات النساء اعترض،ونبه بيير زوجها ليقدم تظلم ضد حرمان زوجته ماري من التكريم،واستجاب بيير لرأيه وأصر على أن تشاركه زوجته ماري بالجائزة، ورضخت الأكاديمية له ،وأضيفت ماري كوري إلى زوجها بيير وهنري بيكريل،وحصلوا على جائزة نوبل المشتركة معاً لتكون أول إمرأة تفوز بهذا التكريم الكبير على مستوى العالم. وفي العام نفسه حصلت ماري كوري كأول إمرأة أيضاً في أوروبا على درجة الدكتوراه في البحث العلمي.
وكانت أيضاً المرأة الوحيدة التي تحصل على جائزة نوبل مرتين ،بعد فوزها بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1911.
وبعد حصوله على جائزة نوبل بثلاث سنوات توفي بيير كوري زوج ماري عام 1906 بحادث سير من قبل عربة خيل،وبعد تجاوزها حادث وفاة زوجها بأشهر قبلت ماري كرسيه في قسم الفيزياء بجامعة السوربون لتكون بذلك أول إمرأة تحصل على الأستاذية وعضوية هيئة التدريس في جامعة السوربون.
ماري كوري مكتشفة ظاهرة الإشعاع ماتت متأثرة بإشعاع أبحاثها
توفيت ماري كوري بتاريخ 4 يوليو عام 1934 عن عمر ناهز ال 58 عاماً في مصحة سانسيلموز شرق فرنسا خلال رحلة علاجها من “فقر الدم اللاتنسجي” الناجم عن تعرضها الزائد للعناصر المشعة خلال أبحاثها فيها،ولم يكن أحد من العلماء يعرف تأثيره الخطر على الصحة العامة كاليوم،وكانت ماري كوري كغيرها لا تعرف ذلك حيث كانت تضع أنابيب الإختبار بالعناصر المشعة في جيبها وفي درج مكتبها،كما تعرضت للأشعة السينية من الأجهزة غير المعزولة أثناء تقديمها خدماتها الطبية في عربات أشعة سينية متنقلة ومائتي منشأة للأشعة السينية قامت بتأسيسها بنفسها ،و التي عالجت ما يقارب المليون جريح في فرنسا وبلجيكا خلال الحرب العالمية الأولى،وساعدتها ابنتها إيرين التي عشقت العلم مثلها في تطوير العلاجات الطبية من الراديوم.
فكانت عناصر المواد المشعة التي اكتشفت من خلالها ظاهرة الإشعاع،ونالت عليها جائزتيّ نوبل، هي السبب الحقيقي لوفاتها ،وتم اكتشاف الإشعاعات بأوراقها الخاصة التي كتبتها في أواخر القرن التاسع عشر بمستويات عالية،فتم حفظها بصناديق مبطنة بالرصاص، وكان كل من يريد قراءتها للإستفادة منها ، عليه أن يرتدي ملابس واقية للإشعاعات التي كانت وراء رحيل أول إمرأة تكرم بنوبل.
شهادة إلبرت إينشتاين بماري كوري
وشهد صديقها العالم الشهير إلبرت إينشتاين بإنها كانت الشخص الوحيد الذي يعرفه لم تفسدها الشهرة والنجاح الزائد،فظلت على طبيعتها عالمة متواضعة وصادقة وعاشقة للعلم وطلابه لهذا أصرت على منح كافة الجوائز المالية التي حصلت عليها في حياتها للمؤسسات العلمية البحثية مكتفية بموارد متواضعة مع عائلتها.