صبحة بغورة تكتب: كورونا والدخول المدرسي

بدأت الاستعدادات الجدية للدخول المدرسي الجديد، الذي يعد هذه السنة دخولا استثنائيًا في ظروف غير طبيعية بمحاذير غير عادية.

ولكن مع هذه الاستعدادات ارتفعت مؤشرات القلق والتوتر ليس هذه المرة بسبب الهواجس الأسرية المعتادة كل عام من أسعار الأدوات المدرسية والألبسة والأحذية.. إلخ.

وبعدما أصبح الحديث عن تفشي وباء كورونا القاتل وسبل الوقاية منه قد سيطر على العقول وسوسة، وشغل القلوب خوفًا، وملأ النفوس هوسًا من انتشاره السهل والسريع خاصة في أوساط التجمعات الكبيرة؛ حيث تكفي المصافحة أو ملامسة أي سطح ملوث أو عدم احترام مسافة التباعد الاجتماعي بين التلاميذ في ساحة المدراس وأروقتها وداخل الفصول وخاصة عند بوابة المدرسة عند الخروج؛ حيث يحدث التكدس الذي ترتفع معه احتمالات العدوى.

لم تعد مسألة توفير الكتب المدرسية ذات شأن كبير أمام محاولة استيعاب طرق الوقاية والممارسات الصحية والعلمية لمنع حدوث الإصابة.

ولا شك أن إدارات المدارس وكافة المعلمين والأساتذة والمشرفين التربويين هذه السنة سيكونون أمام مهام صحية إضافية ستختلط وتتداخل مع مهامهم التربوية وستضفي على المشهد المدرسي بعدًا آخر سيسجل حضورًا كبيرًا هذا العام، فإلى جانب الكتب والكراريس والأقلام سيكون على التلاميذ حمل الكمامات والمعقمات والقفازات، والأهم الالتزام التام بالسلوك الوقائي كعدم المصافحة والعناق وتبادل القبلات وغيرها من المظاهر المعبرة عن شدة الشوق وفرحة اللقاء بعد فراق دام طوال العطلة الصيفية.

ويمكن أن نتصور أن مدارسنا ستتحول هذا العام إلى غرف عمليات ومراقبة ورعاية طبية مستمرة للطلاب في أجواء حذر دائمة يمكن معها أن يتم تخصيص غرفة عزل لاستقبال الحالات المشتبه فيها وتدريب فريق العاملين بالمدرسة وأعضاء الهيئة الإدارية والتدريسية على إجراء قياس درجة الحرارة والتدريب على إجراءات الحذر والوقاية والتحويل إلى أقرب مركز طبي.

ولا شك أن النظام التربوي يدرك أن استكمال الدراسة أمر أساسي، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك اختلاط، لذلك فالتعامل مع الوضع على أساس درجة حذر عالية ضروري بنفس الضوابط ووفق ذات الاجراءات الاحترازية، وسيكون من المطلوب مراعاة وضع آليات التأمين ضد الفيروس وتوفير متطلبات وقاية الطلاب ضد الإصابة بفيروس كورونا.

البداية أولًا، بما يمنع تكدس الطلاب داخل قاعات الدرس بمعنى اللجوء إلى تقسيمهم إلى مجموعات صغيرة يمكن معها تطبيق مبدأ التباعد بين أفرادها لمسافات آمنة من العدوى، ورفع مستوى الوعي خاصة لدى الفئة المتمردة من المراهقين الذين يميلون بشكل غير مسؤول لمزاجهم المتقلب وإلى الاستخفاف بالتوجيهات المدرسية خاصة، وبضوابط العملية التعليمية عموما، والسلوك المستهتر لمثل هؤلاء سيكون سببًا مباشرًا في تحجيم جهود الدولة لتعميم الانضباط العام بالمحاذير المطلوبة لاحتواء انتشار الفيروس.

قد يجوز التفاؤل في مدارس المرحلة الابتدائية والتعليم الأساسي أن تمر الأمور بسلام؛ حيث يتمتع النشء الصغير الأقل من 18 سنة من عمرهم بمناعة جيدة، وأن نسبة الإصابة بالفيروس لدى الأطفال ضعيفة جدًا، ولا يلغي هذا فرضية إصابة بعض ممن مناعتهم سيئة، ويمكن أن تكون المدارس مجالًا خصبًا لتقوية المناعة لدى الطلاب بانتظام فترات الممارسة الرياضية، وتوفير الغذاء الصحي بالمطاعم المدرسية وزيادة عمال وعاملات النظافة مع مراعاة الالتزام دائمًا بمبدأ التباعد الاجتماعي.

بين العبء الكبير الملقى على الدولة لتأمين بيئة صحية بالمدارس وبين مشاعر القلق ومظاهر التوتر لدى أولياء أمور الطلاب والتلاميذ، تأخذ عودة انتشار فيروس كورونا منحى آخر تصاعدي وسريع بعد فترة تراجع في معدل الإصابات حول العالم أوقع الكثيرين في فخ الاطمئنان المضلل، فحدث التساهل والتخلي عن المحاذير المتعلقة بالوقاية، وبدأت مؤشرات قوية لحدوث موجة ثانية محتملة لانتشار الفيروس بشكل أكثر اتساعًا وحدة ومعه ارتفعت أصوات الأولياء المرتجفة خوفًا وفزعًا حاملة مقترحات تصل إلى حد التقليل من حجم التعليم المباشر بالمدارس والاتجاه أكثر لتكثيف التعليم عن بعد باستغلال التطبيقات التكنولوجية في الإعلام والاتصال والتواصل والقنوات الفضائية المتخصصة التلفزيونية والإذاعية.

التوعية مسؤولية مشتركة تقوم على تضافر جهود المجتمع بدءًا من البيت مرورًا بالمدرسة وصولا إلى وسائل الإعلام ، فاستنفار العائلات في تحضير أبنائها للدخول المدرسي للمرة الأولى الذي يهدف أساسًا إلى تهيئته نفسيًا ومعنويًا لتقبل العالم الجديد في وسط مجموعة من الأطفال بعيدًا عن أمه التي يعتقد أنها تخلت عنه، سيتزامن هذا العام مع خوف الأسر المتزايد على أبنائها من احتمالات الإصابة بفيروس كورونا، ويقابل هذا إبداء المدارس القدر الكافي من الاهتمام بتوفير الوسط الدراسي الصحيح للعملية التعليمية والبيئة الصحية السليمة، وأن يؤدي الإعلام دوره كاملًا في زيادة الحجم الساعي لبرامج التوعية الصحية الجادة والهادئة.

                                                                                                                          صبحة بغورة                                                                                 متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطلاق.. إفلاس بنك الحب بين الزوجين (2 ـ 2)