صبحة بغورة تكتب: في يوم عرفة

في هذه الأيام المباركة ونحن نولي وجوهنا صوب الكعبة المشرفة نتذكر قوله تعالى: “فأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل”.

حينها تقفز إلى مخيلتنا مناظر وراء السحاب العابر، طيورًا ترمي المعتدين بالحجارة، وقد نتساءل كيف يحلق الطائر حاملًا الحجر؟ وهل هذه الطيور حملت الحجارة بمنقارها أم قبضت عليه بأرجلها؟ ولماذا اختار الله تعالى الطيور ليقصف أفيال جيش أبرهة الذي أراد هدم الكعبة ونسي أن للكعبة رب يحميها؟.

اليوم، ونحن نتوجه بكل جوارحنا إلى الكعبة التي حمها الله عزّ وجلّ بالدعاء أن يحمينا نحن عباده الضعفاء الفقراء إلى رحمته من نزغ الشيطان الرجيم، يقف ملايين الحجاج شاخصين نحو السماء يجتهدون بالذكر والتهليل والتكبير والدعاء أن يكون دعاءهم مستجابًا وحجهم مبرورًا.

الوقت في يوم عرفة

إنها لحظات ستمر عليهم سريعًا من فرط سعادتهم الروحية بها على جبل عرفة، الذي رحلت إليه أرواحهم قبل أجسادهم. بعدها سينتقلون من جنة إلى جنة أخرى في الرحلة المباركة عبر الأراضي السعودية. وقد امتلأت قلوبهم إيمانًا وخشوعًا وتغشى وجوهم مسحة من الرضا والحبور، ونفوسهم رضا وطمأنينة. يسبحون الله كثيرًا أن كتب لهم زيارة البيت المعمور، بيت الله الحرام. دموع الحجاج تنهمر تأثرًا بجلال الموقف العظيم، يوم المغفرة. فيه الصغير كالكبير، مريضًا أو فقيرًا، مذنبًا أو صالحًا، رجلًا امرأة، متعلمًا أو أميًا، الكل اليوم سواسية فيما تردده ألسنتهم بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك” تلبية مفعمة بإحساس لا يوصف، وبجرعة إيمانية ثقيلة أمام الكعبة المشرفة التي حماها الله وحما أرضها وعبادها من كل سوء وشر.

هنا أمام بيت الله الحرام تتراءى للعبد ذنوبه وترتسم له خطاياه فتدمع عيناه ندمًا طالبًا المغفرة والعفو والرحمة مستغفرًا في طوافه وسعيه مكثرًا الدعاء. غير مبال بالزحام وغير مكترث بالتدافع. فمن حوله أناس هامت أرواحهم في حب الله يطوفون وكأنهم بلا أجساد. كأنهم خارج حدود الدنيا مكانًا وزمانًا. وخاصة تحت باب الملتزم “باب الكعبة” طامعين في استجابته سبحانه بواسع رحمته وعظيم غفرانه بعد ركعتين مباركتين خلف مقام إبراهيم ثم شربة من ماء زمزم. وسبعة أشواط بين الصفا والمروة، ولسان وقلب يسبق الأقدام في سعيها استغفارًا وابتهالًا ودعاء.

حشود يوم عرفة

جميلة هي حشود المؤمنين فجر يوم عرفة، الجميع يتلو الآيات الكريمة، والصلاة والإكثار من الذكر والاستغفار. كأنها حياة برزخية منعّمة، لا تعب فيها ولا إرهاق، شهادة كل من زار بيت الله. وذاق حلاوة ذكر الله الذي منح الطاقة لتعين الجسد على تحمل ثقل وعبء الموقف ومشقة السير الطويل. الكل سعيد بما قام به من شعائر في مكة أم القرى أثناء أم الرحلات، هي رحلة مباركة لأنها رحلة التوبة وطلب المغفرة.

الرابط المختصر :