صبحة بغورة تكتب: التوافق الزوجي

يعكس حصاد المشاكل الزوجية وضعًا اجتماعيًا مهددًا بالتفكك بعد تزايد حالات الطلاق في المجتمعات العربية؛ حيث أكدت عدة دراسات أن العامل النفسي وراء تفاقم ظاهرة الطلاق، وعليه يكون الحل بالبحث في كيفية معالجة حالة النفور بين الزوجين وتحقيق قدر كبير من الانسجام بينهما لتقزيم حجم هذه الظاهرة.

أثبتت نتائج الدراسات الكبيرة التوفيقية والتحليلية، أن السبب النفسي هو أهم أسباب ظاهرة الطلاق، وأن ثمة حاجة ملحة لتفعيل جهود الإرشاد النفسي الحقيقي والأسري العلمي السليم من أجل نسج حالة من التوافق الزوجي لاحتواء تزايد ظاهرة الطلاق، باعتبارها أخطر الظواهر السلبية التي تهدد كيان الحياة الأسرية واستقرار المجتمعات.

ويأتي مفهوم التوافق الزوجي تحت مصطلح الرضا والتناغم المتبادل بين الزوجين، بحيث يتقبل كلا منهما الواقع ويحاول تحسينه والارتقاء به وتطويره نحو تحقيق الأهداف المشتركة، بما ينعكس على كيان الأسرة بأطيب النتائج.

يميل البعض إلى استعمال مصطلح التوافق الزواجي على أساس أن العلاقة الزواجية أو التزاوجية تتعلق بكل ما يتصل بمؤسسة الزواج وشكلياته وأصوله والحياة الزوجية على عمومها، وذلك للتفريق بينه وبين التوافق الزوجي الذي يخص الزوجين فقط، أي نوع العلاقة التي تهتم بدوافع وأشكال ونتائج التفاعل بين الزوجين على اعتبار أن كل زوجين يمثلان حالة خاصة لا يجب القياس عليها.

فالتوافق الزوجي موجود بين كل الأزواج ولكن بنسب متباينة، وهو قد يكون عاليا بين زوجين ومنخفضًا بين آخرين يعيشان نفس الظروف وعلى نفس المستوى الاجتماعي، وهذا يؤكد نسبية التوافق الزوجي، فما يحبذه زوجان لأنه يحقق لهما التوافق المريح لهما، قد يكون هو نفسه مستهجنا من زوجين آخرين.

والتوافق بين أي زوجين هو حالة خاصة ترتبط بمدى قبول كلا منهما للآخر واستعداده للانسجام مع خصاله وقدرته على تفهم طبيعة عاداته، ويبقى الرضا المتبادل بين الزوجين هو مقياس التوافق الزوجي، ويصعب أن يقاس عليه بالنسبة للحالات الزوجية الأخرى، فقد تكون ثمة تفاصيل يكون كلا منهما مرتاح لدور الآخر في حياته، وقد تسبب هي ذاتها ردة فعل مختلفة وحالة تعنيف شديدة يمكن مع استمرارها أن تستحيل الحياة وتتحول إلى جحيم لا يطاق ثم ينتهي قطعا إلى الطلاق، ولذلك سيظل الرضا هو الشرط الأساسي لحدوث التوافق الزوجي.

قد بهمك: صبحة بغورة تكتب: الاعتلال المزاجي للأم بعد الولادة

ليس هناك فرق بين التوافق الزوجي والحب، لكن هناك علاقة سببية تتضح في أن الحب بين الزوجين يكون سببًا مباشرًا في تقوية التوافق الزوجي وهناك أيضًا العلاقة الارتباطية وهي تتضح في أن كلا من التوافق والحب يخدمان بعضهما في إطار علاقة تفاعلية تدفع كلا من الزوجين إلى التغاضي عن الصغائر لعدم تنغيص حياتهما وهذا تعبير منهما عن تمسكهما بحياتهما الزوجية قائمة لفرط سعادتهما بها، وهو ما يجعلهما يلتمسان الأعذار لما يصدر من سلوكيات، ويبقى الحب هو وقود الحياة الزوجية ولا غنى عنه لأي حياة زوجية سليمة .

من أخطر الإشكاليات التي تواجه شباب المتزوجين من متواضعي الثقافة، أنهم لا يفرقون بين ما كان بينهما من شكل الحب قبل الزواج من استثارة عاطفية وجنسية ورغبات جامحة تتملكهم لإشباعها، ثم ما يكون من شكل آخر للحب بعد الزواج من المودة والرحمة والعشرة الزوجية الطيبة المستقرة.

فليس كل حب متأجج من حيث سخونة المشاعر وقوة الاستثارة هو حب حقيقي سيكتب له الدوام، وليس كل حب صامت هو حب غير حقيقي، فالواجب هو أن يعي طرفي الزواج مستوى حاجاته ومدى تطلعاته وطبيعة رغباته وفق كل مرحلة من مراحل حياته، والحياة الزوجية بالطبع مرحلة هامة ومفصلية في حياة كل فرد، وإذا ما تبصر الزوجان أولويات كلا منهما ونجحا في تحويلها إلى صور منسجمة ومواقف متناغمة واعتبارات مشتركة دسمة لدعم مشاعر المودة المتبادلة وتعزيز التفاهم، يكونان بذلك قد حققا التفاعل المنشود بين الأولويات عبر التقائها في مناطق اتفاق مبني على التوافق بشكل تمضي معه الحياة الزوجية بطريقة سلسة.

تطغى في بداية الحياة الزوجية حاجات عاطفية متدفقة ومشاعر جنسية حارة على ما عداها، فإذا ما نجح الزوجان في تحويل تراكم هذه المشاعر إلى مودة متبادلة ورحمة خارج العلاقة الحميمية، فإن الحاجات الملحة في بداية الزواج ستخفت قليلا لتحل محلها حاجات أخرى جديدة سيكون الاتفاق على إشباعها ضمانة لديمومة حياتهما معا واستمرارها بالمودة والرحمة.

وفي مرحلة ما بعد بداية الحياة الزوجية وخاصة بعد انتهاء فترة "شهر العسل"، تتحول الأمور إلى ما يشبه التحالف بين الزوجين لمواجهة ضغوط الحياة المختلفة، وتمثل وحدة اهتمامهم القاسم المشترك بينهما التي تمنع تموقع أي منهما في مواجهة الآخر، بل سيكون كلاهما معا في مواجهة متطلبات الحياة وتوفير الحاجات الأساسية.

من المهم أن يدرك الزوجان أهمية بقاء الجانب العاطفي طاغيا على كل مفردات حياتهما معا، لأنه يمثل صمام الأمان الذي يحافظ على مستوى العلاقة بينهما من أي اضطراب.

العلاقة العاطفية إذا استمرت على حيويتها معززة بثقافة الزوجين ووعيهما، ستحافظ على مستوى محبتهما وحنوهما المفعم بالاحترام، فنشوء علاقة زوجية على الحب وعلى أساس علاقة عاطفية، يضمن إلى حد بعيد للتوافق الزوجي رديفا كامنا في عمق المشاعر يجنب الزوجين بروز نقاط التقاطع بينهما، ويقي علاقتهما من عوامل الخلاف لأن الحب الحقيقي حينها سيتجدد شوقا ويكتسب حيوية أكثر، ليمنح التوافق الزوجي مناعة أكبر، وحتى الخصام إن وقع بين الزوجين المتحابين سيكون في الغالب مصدرًا في حد ذاته لتجدد الحب.

أهم شروط التوافق الزوجي، هو حالة النضج الانفعالي للزوجين، وانخفاضه يعني مباشرة وجود فرصة لبروز المشاكل، والعكس صحيح حينما يكون كلا من الطرفين قادرعلى إدراك ذاته وإدراك الآخرين بموضوعية، والنضج الانفعالي يكون وليد ثقافة مجتمعية وتجارب حياتية تتحكم في مشاعر التوتر وحالات الغضب.

وهنا تتأكد أهمية إجراء الفحص النفسي قبل الزواج؛ لأنه يعطي مؤشرات على مدى وجود فرصة الانسجام والتكامل النفسي بين الطرفين واحتمالات تحقيق التوافق الزوجي، ومن أهم الاعتبارات الأساسية التي تحقق التوافق الزوجي أن يميز الرجل بين الذكورة أي الفحولة وهي مجرد القدرة الجسمية للممارسة الجنسية، وبين الرجولة التي تتعلق بالموقف السليم والاحتواء الرحيم والرعاية الحانية والقدرة على قيادة الآخر والتحلي بالأخلاق الحميدة، وأن يتفهم جيدًا أنه قبل الجنس تحتاج المرأة أولًا للرعاية والاحترام، لأنه ليس من أولوياتها كما هو الشأن لدى الرجل.

أهمية الثقافة الزوجية للزوجين، أنها يمكن أن تحدد لهما عدة جوانب أساسية لبلوغ درجة التوافق الزوجي وهي تمثل قاعدة فكرية للزواج تشتمل على ضرورة انتهاج اللين في الفكر واتباع المرونة في السلوك، وأن يعرف كلا من الزوجين طبيعة شخصية الآخر وأولوياته للبحث عن نقاط التقاء مشتركة بينهما.

وعلى الرجل أن يفهم المرأة قبل التعسف في استخدام الرخص الشرعية الممنوحة له، مثل الطلاق في حالة ما لم تلبي مطالبه ببعض السلوكيات التي لا تعرفها، فبحكم أن المرأة في المجتمعات العربية تعيش في نطاق ضوابط محكمة وقيم راسخة وعادات وتقاليد محافظة، فهي ليست لها من التجارب التي يمكن أن تكون شبيهة لما لوث مخيلة الرجل بنموذج المرأة في الفن الهابط.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تربية الأبناء على الصدق