عانت المرأة العربية لعقود طويلة من التهميش والإقصاء في بلادنا، ولكن مع دعوات التحرر والانفتاح، وانطلاقًا من نضال ومشاركة المرأة في الدفاع عن استقلال أوطانها والوقوف ضد تيارات الاحتلال المعادية ومناهضتها، باتت المرأة شريكة حقيقية في كافة مناحي الحياة، حتى في المجالات التي اقتصرت على الرجال لفترات ليست قصيرة.
ومن هذا المنطلق شعرت المرأة في العصر الحديث بأهمية تواجدها على الساحة ككيان إنساني يجب التخلص من تهميشه أو إقصائه، خاصة في ظل اتفاقيات دولية ومنظمات كبرى تسعى لتحرير المرأة عامة من كافة القيود والعمل على دعمها قانونيًا واجتماعيًا وثقافيًا بل واقتصاديًا؛ إذ تعاني المرأة في العالم أجمع من التمييز، ولكن قطعًا تتباين النسب في المجتمعات والدول ما بين الدول الأكثر ديمقراطية والمعنية بقضايا حقوق الإنسان في مقابل دول أخرى نامية وفقيرة تضع هذا الجانب بعيدًا عن حيز اهتمامها، لوجود قضايا أكثر إلحاحًا واحتياجًا على حد اعتقادهم، رغم أنه في حال الاهتمام بالمرأة وشئونها يصلح حال هذه المجتمعات وتتبدل أحوالهم للأفضل؛ فالمرأة كما يقول “سقراط” مصدر كل شئ.
ولأن حياة الإنسان المصري وكرامته هي الشغل الشاغل للقيادة السياسية، فمنذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم وهو يهتم بالفئات التي تحتاج إلى الدعم والمساندة؛ إذ بدأ اهتمامه أولًا بملف الشباب ثروة مصر البشرية وقوتها الحقيقية منذ عام 2016، كما اهتم الرئيس بملف المرأة في عام 2017، وتمثل ما يقارب نصف تعداد السكان فأولاها رعاية على كافة الأصعدة بشكل غير مسبوق اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، كما قدم لها الحماية التشريعية والثقافية. كذلك اكترث الرئيس بأصحاب القدرات الخاصة من ذوي الإعاقة، وشملهم بالعناية اللازمة واستصدر التشريعات الخاصة بحمايتهم، وألزم بموضع معايير وقواعد الإتاحة ليحيا هؤلاء حياة طبيعية كمواطنين تقديرًا من الدولة لأبنائها الأكثر احتياجًا للدعم والمساندة.
وكانت المفاجأة الكبرى في عام 2019 حين أطلق الرئيس المصري المبادرة الأجمل والأشمل “حياة كريمة”، باعتبارها مبادرة القرن، إيمانا منه بوجوب توفير الحياة الكريمة لكل مصري ومصرية يعيشون على أرض مصر؛ فهي الوطن والحضن الآمن والحصن المدافع عن أبنائها؛ فجاءت توجيهات الرئيس محملة بروح قوة مشروعة يملأها الحنو والربت على كتف كل من يحتاج الدعم والحماية، ومن خلال هذه المبادرة الأم التي حظيت بتقدير بالغ داخليًا وخارجيًا لما فرضته من شمولية لأهلنا في جميع قرى مصر، والتي وصل عدد استهداف الدولة في 2020 إلى 4500 قرية بعدد مواطنين يبلغ 58 مليون نسمة، وهو ما يعادل أكثر من نصف قوة مصر البشرية وثروتها الحقيقية؛ لذا تمتلك هذه المبادرة قدرة هائلة للوصول إلى هذا الكم الهائل من البشر لشمولهم بالرعاية وتحسين مستوى المعيشة على كافة المستويات.
وفي الواقع أن اهتمام الدولة بمواطنيها وفرض أسس تعليمية وتثقيف وصحية واجتماعية واقتصادية يعني أن الدولة تضع نصب أعينها الإنسان بماهيته بعيدًا عن تصنيفه الجنسي امرأة أو رجل، ليلقى الدعم والإرشاد والتوعية التي يستحقها كمواطن يحمل الجنسية المصرية.
والمرأة المصرية محظوظة لأنها تعيش في هذا العصر الذهبي؛ إذ حصدت العديد من المكاسب والاستحقاقات غير المسبوقة وغير المجتزئة؛ فها هي المرأة الأم والأخت والأبنة والزوجة التي فرضت عليها الدولة الاهتمام في كافة مجالاتها وأوضاع ومكنتها انطلاقًا من مواد الدستور المصري الذي أشار في أكثر من موضع للمساواة بين المواطنين داخل الدولة ومنع التميز ضد المرأة وكفل لها كل الحقوق كما أن عليها كل الواجبات. وكانت المرأة هي المستفيد من كافة المبادرات والحملات حتى التي تستهدف المواطن المصري في عمومه إلا أن المردود كان جليًا تجاهها.
واهتم الرئيس بالمرأة المعيلة والغارمة وحتى المطلقة لم يتركها جانبًا؛ بل أخذ على عاتقه حمايتها هي وأبنائها، ووقع رئيس الجمهورية مؤخرًا على وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق لصالحها؛ حيث تعاني من تبعات الانفصال وهدم بيت الزوجية وما يستتبعه من مشكلات اجتماعية واقتصادية تؤثر على حياتها سلبًا، وقد يؤدي العوز والاحتياج الى معاناتها النفسية.
ونظرًا لتغيير ثقافة المجتمع الذي بات فاقد البوصلة ولم يعد يتمسك بعادات وتقاليده في الحفاظ على الأسرة المصرية وتماسكها وترابطها ضد أي عواصف قد تجتاح صلب رسوخها فتقضي عليها؛ ما ينتج معاناة الأبناء في ظل نسب الطلاق الحالية؛ فأخذ الرئيس على عاتقه باعتباره الأب والمسؤول عن رعيته أن يخطو تلك الخطوة الجادة والمهمة في التوقيع على تلك الوثيقة التي تعتبر هي الأولى من نوعها، محافظًا على كرامة المرأة المصرية ليؤمن لها وضع اقتصادي لتوابع هذا الطلاق ولو بشكل مؤقت لحين الانتهاء من إجراءات التقاضي في محاكم الأسرة وحصولها على كافة مستحقاتها ونفقاتها، بدلًا من العوز لتوفير قدر من الحياة الكريمة لها ولأسرتها حفاظًا على كيان المواطن المصري.
وإن كانت المادة 39 من قانون التأمينات الموحد ينطلق من الإيمان بمساندة الفئات الأكثر احتياجًا للدعم لكنه اشترط شرطين أساسين وهما الطلاق البائن، وبعد مرور ثلاثة أعوام من الزواج، وهو ما يعد شرطًا للحصول على مبالغ الوثيقة، وإن كان الأمر يطرح عدة تساؤلات، ويمكن تطوير الفكرة، إلا أنه فكر مشكور للدولة سعيها نحو حماية الطبقات الأكثر احتياجًا، ووضع هذا الملف في أولويات القيادة السياسية.
فالدولة تعمل على ترسيخ قيم إيجابية داعمة ومساندة لصالح المرأة المصرية محافظة عليها ضد كافة أشكال العنف المجتمعي والاقتصادي والنفسي الذي تتعرض له ما قد يؤثر على دورها كأم لتربية نشء صالح وأيضًا لممارستها عملها المجتمعي كمشارك أصيل في بناء مستقبل مصر؛ وما يحدث مثال لما يجوب في أقطارنا العربية من انتفاضة في ملف المرأة للنهوض بها من كبوتها نحو حياة إنسانية أفضل وأرقى.
وبالفعل حظت مجتمعاتنا العربية في الآونة الأخيرة من اهتمام بالغ في ملف المرأة لقناعة حكوماتنا بأهمية ودور المرأة في التربية والتنشئة، وكذلك في دورها المجتمعى كقائدة ووزيرة وسفيرة وطبيبة ومهندسة؛ فالواقع أثبت أن المرأة لا تقل عن الدور في كافة الأدوار المنوطة بها، فلها كل الحقوق وعليها كل الواجبات؛ فالإنسان هو الإنسان بعيدًا عن التمييز، وبعيدًا عن التصنيف الجنسي، وسنظل نبحث عن الإنسانية في المرأة والرجل على حدٍ سواء.