تبرز أهمية غرس قيمة التعاطف في نفوس أطفالنا. خاصة في عالمنا المعاصر الذي قد تطغى عليه أحيانًا مظاهر الأنانية واللامبالاة. فمعظم الصغار يولدون بفطرة طيبة وقلب نقي، يميلون إلى افتراض الخير في الآخرين وإظهار مشاعر التعاطف في العديد من المواقف العفوية. ونستعرض أهم التفاصيل في هذا التقرير.
كيف يتعلم الطفل أبجديات التعاطف؟
وفقًا لـ “goodnews” إن سلوك الوالدين اليومي، خاصة في أوقات المشكلات أو عند زيارة المرضى، يشكل نموذجًا حيًا يتعلم منه الطفل أبجديات التعاطف. كما أن استخدام اللعب التخيلي يمثل وسيلة فعالة لتعليم الأطفال هذه المهارة بأسلوب ممتع وغير مباشر. وحتى فكرة تربية حيوان أليف في المنزل يمكن أن تخلق لدى الطفل شعورًا بالمسؤولية وتعمق فهمه لحاجات ومشاعر الكائنات الأخرى. وفي المقابل، فإن ردود الفعل الهادئة والمطمئنة من الوالدين في المواقف الصعبة تعزز لدى الطفل الوعي بمشاعره ومشاعر من حوله على حد سواء. وهذه أهم الخطوات الصحية لتنمية روح التعاطف مع أولادنا:

1- تعاطف مع طفلك أولًا
الخطوة الأولى في تعليم أي مهارة للطفل هي أن يراها ماثلة أمام عينيه في سلوككم أولًا. فالأطفال بطبيعتهم يميلون إلى محاكاة سلوكيات والديهم وأشقائهم الأكبر سنًا. فإذا كان الوالدان يتعاملان مع الطفل بفظاظة أو عدم اكتراث بمشاعره، فمن المؤكد أن الطفل سينشأ ويميل إلى إظهار نفس السلوك تجاه الآخرين.
تخيلوا هذا الموقف: أثناء سيركم مع طفلكم في الشارع، يمر كلب وينبح فجأة على طفلكم، فيشعر بالخوف ويبدأ في البكاء أو الصراخ. هنا، يكون رد فعلكم أمرًا بالغ الأهمية. هل ستغضبون وتعنفون الطفل على خوفه، أم ستتحدثون معه بهدوء وتبدأون في طمأنته؟ الرد المناسب في هذا الموقف هو تقبل مشاعر الطفل وشرح الموقف له ببساطة: “حبيبي، هذا الكلب لطيف ولكن صوت نباحه عالٍ ومزعج، ولديك كل الحق في الشعور بالخوف… ما رأيك أن أحملك حتى يمر الكلب بعيدًا؟”. هذا الرد الهادئ والمتفهم يعلم الطفل أولًا أن مشاعره مقبولة ومحترمة، وثانيًا يقدم له نموذجًا لكيفية التعامل مع المواقف المخيفة بهدوء وتعاطف مع مشاعره.
2- علم طفلك كيف يراعي مشاعر الآخرين:
من الضروري أن تناقشوا مع طفلكم مشاعر الآخرين عندما تلاحظون عدم انتباهه إليها. لنفترض أنكم لاحظتم أثناء لعب طفلكم مع طفل آخر أنه أخذ اللعبة من الطفل الآخر بعنف، وبدأ الطفل الآخر في البكاء، لكن طفلكم تجاهله تمامًا واستمر في اللعب. في هذه اللحظة، يجب أن تشرحوا لطفلكم كيف شعر الطفل الآخر عندما أُخذت لعبته منه بالقوة، وتقترحوا على طفلكم أن يعيد اللعبة ويلعب بلعبة أخرى حتى تصبح اللعبة متاحة مرة أخرى. يجب أن يفهم طفلكم أن مشاعر الآخرين مهمة أيضًا، وأن رغباته ومشاعره ليست دائمًا الأولوية الوحيدة. اسألوه: “بماذا ستشعر لو أخذ طفل آخر لعبتك؟” ثم اشرحوا له أن تلك المشاعر هي أيضًا من حق الآخرين.

3- كن أنت القدوة الحسنة لطفلك
إن الأطفال يميلون بشكل كبير إلى محاكاة سلوك الوالدين. لذا، فإن كونكم شخصًا متعاطفًا في حياتكم اليومية يؤثر بشكل كبير على تطوير سلوك طفلكم المتعاطف مع الآخرين. إن مساعدة الزوجين لبعضهما البعض، خاصة أثناء التعب أو المرض، يرسل إشارة واضحة للطفل حول أهمية التفاعل مع الآخرين، وتقديم الدعم لهم خاصة في أوقات الضعف والمعاناة.
اصطحبوا طفلكم لزيارة المرضى، سواء كانوا من أفراد عائلتكم أو حتى من خلال التطوع في المنظمات غير الربحية أو ملاجئ الأطفال. فالتطوع من الأنشطة التي تساعد الطفل بشكل كبير على فهم الآخرين والتعاطف معهم، كما أنها تساعده على تقدير النعم التي يتمتع بها في حياته. هذه التجارب المباشرة تغذي روح التعاطف وتوسع مداركه حول معاناة الآخرين.
4- استخدم اللعب التخيلي.. مساحة آمنة لاستكشاف المشاعر
يمثل اللعب التخيلي أداة قوية لتنمية العديد من المهارات لدى الأطفال، والتعاطف ليس استثناءً. فمن خلال اللعب التخيلي، يمكنكم مع طفلكم تمثيل سيناريوهات لمواقف خيالية قريبة من الواقع ومراقبة ردود أفعال طفلكم. يمكنكم استخدام الألعاب مثل الحيوانات المحشوة، وجعلها شخصيات ذات أسماء محددة مع طفلكم. ومن خلال محاكاة مواقف حقيقية، يبدأ الطفل في ربط اللعبة بالمواقف الحياتية التي يتعرض لها ويبدأ في ملاحظة التصرفات اللائقة للمواقف المختلفة.
يتميز اللعب التخيلي بأنه يقدم طريقة مقبولة للطفل لسماع الطريقة الصحيحة للتصرف في المواقف المختلفة دون وعظ أو توبيخ قد يجرح كرامته أو ينفره. يمكنكم من خلال هذه الألعاب طرح أسئلة مثل: “كيف تشعر القطة الصغيرة عندما تكون وحيدة؟” أو “ماذا يمكن أن نقول للدب الحزين؟” هذه الأسئلة تحفز الطفل على التفكير في مشاعر الآخرين وتقديم استجابات متعاطفة.

5- تربية حيوان أليف.. درس عملي في المسؤولية والعناية
أثبتت تجربة تربية حيوان أليف في المنزل نجاحًا كبيرًا في معالجة سلوك الغلظة وبث روح التعاطف لدى الأطفال. إن تفاعل الطفل مع حيوان أليف ضعيف، ومراقبة مشاعره المختلفة من جوع أو عطش أو الحاجة إلى الحب والاهتمام. يساعد الطفل على تنمية روح التعاطف ليس فقط مع الحيوانات بل ومع البشر أيضًا.
تتطلب رعاية حيوان أليف من الطفل تعلم المسؤولية والاهتمام باحتياجات كائن آخر. يجب عليه أن يتعلم كيف يطعمه ويسقيه وينظفه ويوفر له الراحة والأمان. هذه المهام اليومية تغرس في قلبه شعورًا بالمسؤولية وتجعله أكثر وعيًا بحاجات الآخرين ومشاعرهم. إن مراقبة لغة جسد الحيوان وتعبيراته تعلم الطفل كيف يفهم المشاعر غير اللفظية. وهي مهارة أساسية في بناء علاقات إنسانية متعاطفة.
في الختام، إن تنمية روح التعاطف لدى أطفالنا هي رحلة مستمرة تتطلب صبرًا ومثابرة وتقديم القدوة الحسنة. من خلال هذه الطرق العملية، يمكننا أن نساعد أطفالنا على النمو ليصبحوا أفرادًا بالغين يتمتعون بقلوب رحيمة وقادرين على فهم وتقدير مشاعر الآخرين. ما يساهم في بناء مجتمع أكثر إنسانية وتراحمًا.