د. جيهان فرحات تكتب: تاريخ مبدعات مصر في الفن التشكيلي

ظهر الفن التشكيلي منذ أقدم العصور لخدمة طقوس الآلهة والملوك وحتى الموتى، وارتبطت الفنون المصرية القديمة بالنحت والرسم والنقش، ارتباطا وثيقا بالهندسة المعمارية؛ إذ كانت تستخدم من أجل زخرفة المعابد والمقابر، مما أثر كثيرًا في وجدان وذوق الشعب المصري.

ازدهر فن النحت في الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وظهرت إبداعات رائعة من أعمال التماثيل بأنواع مختلفة. واستخدم المصريون حجم التمثال للتعبير عن الوضع الاجتماعي؛ فحجم تمثال الفرعون مثلًا كان يفوق الحجم الطبيعي.

وانتشرت الحضارة المصرية القديمة في العالم وتميزت بأشكال معمارية فريدة ومتنوعة؛ المقابر الملكية والمعابد والسدود والاهرامات وغيرها.

وعندما جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر، امتزج الفن المصري بالفن الإغريقي وتبنى أساليبه في اللون والحركة، كما تأثر الفن المصري بموضوعات الأساطير الإغريقية.

وازدهرت العمارة المدنية في العصر اليوناني؛ ومنها فنار الإسكندرية، ثالث عجائب الدنيا العظمى في العالم.

وفي الحضارة القبطية كان النسيج فنا شائعا واستمر خلال العصور؛ إذ انتشرت صناعة القماش والسجاد الفاخر واستخدم في زخرفة أبنية الكنائس والأديرة.

أما المبدع في العصر الإسلامي فقد ركز على الأشكال النباتية والحيوانية والهندسية؛ وصناعة زجاج المشربيات وفن الأرابيسك وتميز إبداع الفن التشكيلي في العصر الإسلامي بجاذبية وجودة ومهارة عالية.

وتميز الفاطميون بدقة التصوير والحركة، كما اشتهروا برسم الإنسان والحيوان على التحف التي ترجع إلى عصرهم، وازدهر فن التصوير، والنقوش المرسومة على جدران الحمام الفاطمي بمصر القديمة والمصنوعات الزجاجية الفاطمية.

وأما الفنون الحديثة في مصر فقد ارتبطت بتعاظم الشعور الوطني العام لدى الموطن وبعملية تحديث وتنوير عميقة بحثا عن الذات والهوية الحضارية لمصر؛ فكان النهوض بالفنون – خاصة الفن التشكيلي – جزءًا من النهوض الثقافي العام.

لذلك كان لبعض رواد الفن التشكيلي في مصر دور عظيم ومؤثر، في مجالات فنونهم كان بمثابة مساهمة ملموسة في حركة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال.

وتوالى في مصر ظهور العديد من الجماعات الفنية التشكيلية، منذ عام 1928 تأسست "جماعة الخيال" وحتى عام 1981 تكونت "جماعة المحور" من أعلام الحركة التشكيلية في وقتنا الحالي.

هذه الجماعات الفنية ساهمت بشكل واضح في عرض الفن التشكيلي المصري ونشره والتعريف به على نطاقات واسعه وشكلت ملامح واضحة في حركة التشكيل المصري المعاصرة.

وعند التحدث عن تاريح إبداعات المرأة لابد أن نسلط الضوء على أشهر السيدات الرائدات والمبدعات، الذين استطعن أن يقدمن أعمالا، وخلقن حالة فنية فريدة أثرت فى الفن المصرى الحديث، فأصبحوا أسطورة من أساطير الفن خلدت اسمائهم وأعمالهم فى تاريخ مصر، ومن أبرزهن:

الفنانه المبدعة/ عفت ناجي التي عاشت بين عامي (5 أبريل 1905 - و4 أكتوبر 1994) استطاعت أن تفرض أعمالها الرائعة من خلال لوحاتها العظيمة.

ولدت بمدينة الإسكندرية، تلقت تعليمها في المنزل فى بدايات القرن العشرين، فبرعت في الموسيقى والكتابة، وتعمقت في نواحى تاريخ الفن والأدب، كتبت العديد من المقطوعات الموسيقية وتفوقت في الشعر، وعبرت بالخط واللون عن المنشآت الميكانيكية أثناء تواجدها بالسد العالي بشكل إبداعي فريد ومختلف، كتبت العديد من الدراسات الفنية في الصحف المصرية والأجنبية.

ومن أبرز المبدعات المصريات، مارجريت نخلة عاشت في الفترة بين عامى (1908-1979)، تميزت بلوحاتها الفنية عن المسيح والأيقونات الدينية، أغلبها بالأبيض والأسود، يوجد بعض من لوحاتها في المتاحف وحصلت على ميدالية من معرض باريس الدولي 1937، وجائزة الرسم الأولى من معرض صالون القاهرة 1959.

وبحسب كتاب "مارجريت نخلة" للكاتب عصمت داوستاشى، كانت لوحاتها تعبر عن مصر وروحها الشعبية الاصيلة، واهتمت بالتفاصيل وملامح الحياة الخفية في وجوه المصريين، وصل مجموع أعمالها إلى 82 لوحة فنية ما بين المدارس التعبيرية والانطباعية، ومن أشهرها "البورصة - حمام النساء"، كما كلفتها الكنيسة برسم لوحات "العشاء الأخير" و"ميلاد السيد المسيح".

واشهرت أيضا المبدعة/ تحية حليم بين عامي (سبتمبر 1919 - مايو 2003)، تلميذة الفنان حامد عبد الله والتحقت بأكاديمية جوليان حتى1951.

وهى رائدة ذات حس فنى مرهف، قدمت العديد من اللوحات الزيتية والألوان المائية، أقامت العديد من المعارض الخاصة ابتداء من 1942 - 1996 في إنجلترا – السويد. كما شاركت فى العديد من المعارض العامة والقومية وصالون القاهرة منذ عام 1943، وجمعت من المقتنيات الخاصة لبعض الأسر المصرية، إضافة إلى نحو 61 اسكتش، من أبرز لوحاتها (المظاهرة - شم النسيم - مهاجرو كفر عبده - القافلة).

أنشأت مرسمًا خاصًا بها في الزمالك لإنتاج وتدريس الفن 1957 وحصلت على جائزة مسابقة جوجنهايم الدولي بنيويورك 1958وحصلت جائزة الدولة التقديرية 1996.

المبدعة المناضلة/ إنجي أفلاطون عاشت بين عامي (1924- 1989) كانت من عائلة ارستقراطية، لكنها عبرت بفنها عن الطبقات الكادحة، ورسمت معاناة الفقراء البسطاء؛ إذ أنتجت خلال فترة اعتقالها أعمالًا رائعة تصور مأساة الفقراء من الفلاحات والعاملات بالحقول، كانت سببا في شهرة أعمالها التعبيرية ذات الألوان الساخنة مما أعطاها طابعًا فريدًا وشخصية فنية مستقلة.

وبعد خروجها من السجن رسمت لوحات عديدة عن الروح المصرية، يوجد منها أكثر من ثمانين عملًا من أعمالها ومجموعة من مقتنياتها الشخصية في قصر الأمير طاز في القاهرة القديمة. كما استطاعت الحصول على العديد من التكريمات منها: "وسام (فارس للفنون والآداب) من وزارة الثقافة الفرنسية 1985 – 1986".

اما المبدعة الفنانة/ زينيب عبد الحميد عاشت بين عامي (1919-2002) ساهمت في تأسيس جماعة الفن الحديث التي شاركت في معارضها بالقاهرة والإسكندرية لمدة عشرة اعوام منذ 1947، وبحسب الناقد مكرم حنين، تتفرد الفنانة زينب عبد الحميد بشخصيتها الفنية المتفردة فقد اختلفت تمامًا عن كافة رسامي المناظر الطبيعية في مصر لسببين:

الأول، زاوية الرؤية التى اختارتها بمنظور الطائر؛ فهى ترى الأشياء من أعلى وكأنها طائر محلق مدقق متأمل.

الثاني، التناول الموازييكى الذي تتحول فيه جميع الأشكال المرسومة إلى تفاصيل هندسية الطابع مرصوصة بكل الدقة.

وتم الاحتفاظ بلوحاتها فى العديد من الأماكن الرسمية، ومتواجدة ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث بالقاهرة، وتم تكريمها في العيد الخمسين لكلية التربية الفنية 1993 - 1994، كما تم تكريمها فى المعرض القومي عام 1999.

المبدعة الفنانة/ جاذبية سرى رائدة من مواليد عام 1925، تعد من مجموعة الفنانات اللاتي صعدن إلى الشهرة خلال الفترة الناصرية في الخمسينات في مصر، وصفها متحف الفن الحديث بأنها إحدى هؤلاء اللائي تفاعلن خلال ستين عامًا، وتحظى لوحاتها الغنية بالألوان باحترام الكثيرين.

كما تحظى باحترام مماثل مثابرتها بحنكة على الإنتاج الفني في ظل الاضطرابات المرحلية التي شهدها عالم الفن في مصر.

وتتميز لوحاتها المبكرة بشخصيات نسائية قوية، مهيبة من كل الطبقات الاجتماعية، ومن لوحاتها البارزة: "الحياة على النيل ـ مرحلة المدينة، مرحلة الصحراء، مرحلة البحر".

وحصلت على عدة جوائز مهمة منها: "الجائزة الرابعة الكبرى للفن العالمي المعاصر - موناكو 1968، وجائزة الدولة التقديرية عام 2000".

وأيضًا لدينا المبدعة الفنانة/ زينب السجيني عام 1930، وهي متفردة، بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي، استطاعت بعبقرية ونظرة فنية ثاقبة تجسيد النساء المصريات السمراوت؛ إذ تدور معظم أعمالها حول موضوعي الطفولة والأمومة، واختارت حزن المرأة ورقة الطفلة لتجسدها على سطح لوحاتها.

وأقامت معارض خاصة في القاهرة والإسكندرية ولبنان ويوغوسلافيا منذ 1956، وصدر كتاب عنها باسم (زينب السجيني) عام 1999 يضم صور مجموعة من لوحاتها مع بعض كتابات النقاد والفنانين من زملائها، حصلت من قبل على جائزة الدولة التشجيعية في التصوير ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980، الجائزة الأولى فى التصوير من بينالى القاهرة الدولي الرابع 1994.

ويوجد لدينا العديد والعديد من المبدعات في مجال الفن التشكيلي والتصوير الرائع، وكانت هذه مجرد نبذة صغيرة عن تفوق وتأثير المرأة في مجال الفنون منذ القدم.. علينا أن نتذكرهم دائما ونتعلم من تجارب نجاحهم.

د. جيهان فرحات رئيس المجلس المصري للابتكار والإبداع بوزارة الشباب والرياضة