مالكة أول استديو نسائي في غزة: الكاميرا تُوثق أفراح ومآسي الغزاوية

حلمت بالعمل في مجال التصوير، وسعيت منذ الصغر لتحقيق حُلمي، وفي البداية عارضتني أسرتي؛ لكوني فتاة، ومجال التصوير لا يليق لي العمل به، وسرعان ما اقتنعوا بي كمصورة وأهدتني والدتي كاميرا، في شهر أكتوبر من عام 2014، بتلك الكلمات تحكي أسماء نصار؛ مؤسسة ستوديو "أسماء"، أشهر استوديوهات التصوير بمدينة غزة الفلسطينية قصة نجاحها وإنشائها ستوديو تصوير بطاقم نسائي بالكامل مُكون من 10 فتيات جمعتهما الدراسة وعشق التصوير.

وتقول أسماء : "كان العالم 2014 فارقًا في تاريخي المهني، فبعد أن حصلت على الكاميرا، انطلقت لأوثق بعدستها المشاهد الجميلة بغزة، ومن بينها: الأسواق الشعبية والتراثية، ومحال صناعة الحلوي وأسواق بيع الخضر والفاكهة، وكُنت أنشر ما أصوره عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك تحت عنوان "كزدورة وصورة"، وحظيت الصور استحسان المتابعين؛ ما شجعني على المضي قدمًا في مبادرتي لتوثيق التراث الفلسطيني بعدسة كاميرتي.

"الجوهرة" حاورت مؤسسة أول ستوديو تصوير يعمل بطاقم نسائي في غزة؛ لمعرفة العقبات التي واجهتها خلال بداية عملها، والحديث حول قصة نجاحها بداية من فكرة تأسيس الأستوديو وصولًا لأن يصبح أشهر أستوديو تصوير فوتوغرافي في غزة.. وإلى نص الحوار:-

هل التصوير الفوتوغرافي موهبة أم مهارة تُكتسب بالتعلم؟

التصوير الفوتوغرافي موهبة في البداية، ولكنه ممارسته يحتاج بعض الوقت؛ لصقل مهاراته وموهبته بالتصوير، بالتعلم والتجربة تارة، وبالدراسة تارة، خاصة وأن المجال متجدد باستمرار، وكل يوم يحمل له الجديد.

متى بدأتِ العمل بمجال التصوير باحترافية؟

في البداية، اقترحت علىّ صديقة لي تُدعى "إسراء" أن تستأجر لي استوديو في يوم زفافها؛ لأقوم بتصويرها صور الزفاف، لأجيبها :"مارأيك لو خرجنا في جولة تصوير خارجية وسط الطبيعة، ونجحت الفكرة نجاحًا ساحقًا، ما دفعني لأكررها مجددًا مع عملاء آخرين.

كيف اخترتِ فريقك عملك بالاستوديو؟ ولماذا كلهن فتيات؟

فريق العمل بالاستوديو يتكون من 10 فتيات، كلهن خريجات جامعيات، ويعملن بأقسام التصميم والمونتاج والفيديو والتصوير الفوتوغرافي، وقمت بتوزيع الأدوار بينهن وفقًا لتخصصهن، ونعمل بروح الفريق الواحد، واهتممت منذ اللحظة الأولي لضمهن للعمل معي باختيار فتيات أثق في قدرتهن، ونظرتهن للمشروع على أنه مشروعهن الخاص.

ما هو المختلف في استوديو "أسماء" عن باقي أستوديوهات التصوير في غزة؟

ما يميز استوديو "أسماء" عن باقي الأستوديوهات في غزة، هو أنا طاقم العمل بأكمله من الفتيات؛ ما يمنح طمأنينة تامة للعروس، وأريحية في التعامل، كما أننا نُصوّر بأكسسوارات نقوم بصنعها بأنفسنا، تُميزنا بشدة عن الآخرين.

كما أنني أميل للتجديد في المهنة وأتابع كل ماهو جديد بعالم التصوير حول العالم، وأقبل تنفيذ الأفكار المجنونة، وحدث ذات مرة أن طلبت مني صديقتي أن أصوّرها خلال إجرائها لعملية ولادة قيصرية، ووثقت كاميرتي البسيطة اللحظات الأولي في حياة وليدها، وكنت شاهدة على عظمة الخالق عز وجل، ووثقت لحظة استخلاص روح من روح بعد أن انتظرت اللحظة المناسبة لالتقاط صورتي بغرفة العمليات.

وحدث ذات مرة أن دُعيت لتصوير حفل زفاف وكانت "كوشة الزفاف" منصوبة على رافعة، واهتممت بتفاصيل زينة الرافعة، حيث انتشرت البالونات على أجنابها، وزينت بقماش التُل الأبيض، وقتها تمنيت أن لا تنتهي تلك الليلة لشدة روعتها.

هل يسهم جمال الوجه في جعل الصورة جيدة؟

جمال الصورة يعود في النهاية للتناغم بين العروسين، وفي حال كان أحد العروسين مُكرهًِا على الزواج لاتجدى مهارة المُصوّر نفعًا، وأحيانًا يكون جمال العروس متوسط، ولكن روحها المرحة تُضفي على الصورة جمالًا لايُقارن.

في ظل الوضع المعيشي السيء.. هل يهتم الفلسطينيون بتصوير حفلات زفافهم؟

بالفعل يهتم الشباب الفلسطيني بتوثيق أهم وأسعد لحظات حياتهم، والحصول على صور رائعة لليلة العمر، وطالما كان هناك عملاء يحبون عملك فما المانع بالمخاطرة!

وكيف يحتفل الغزاوية بحفلات زفافهم وسط القصف الإسرائيلي؟

غزة شهدت 3 حروب، وفي كل مرة ننهض ونقاوم مهما كان مقدار الألم، وحدثتني إحدى صديقاتي أن إخوتها الثلاثة استشهدوا وتبقي أخ وحيد سيزوجونه، وطلبت مني أن أبذل قصاري جهدي حتي يفرح والدها بفرحه.

وعلى المستوى الشخصي توفي والدي وأنا في سن العاشرة، وكنت طفلته المدللة، وأمدني بالعزيمة والقوة، ومنحني القدرة على تحمّل المسؤولية.

معدات التصوير الإحترافية باهظة الثمن، فهل دعمكِ أحد في بداية المشروع؟

لم يدعمنا أحد في البداية، وجميع ماوصلنا إليه بمجهودنا الشخصي، وبدايتي كانت كاميرا صغيرة، وأصبحت الآن أمتلك استوديو تصوير حديث مُجهز بأحد معدات التصوير والكاميرات والإلكترونيات الحديثة.

لماذا اخترتِ مجال التصوير الفوتوغرافي عملًا بدلًا من التصوير الصحفي في بلد كغزة منبع الأحداث؟

اخترت العمل بالتصوير؛ لأن مستوى تصوير حفلات الزفاف بقطاع غزة، ليس على المستوى الموجود في العالم؛ لذا أردت أن أنشيء مشروع جديدًا لم يعمل به أحد من قبل، واقتحم مجالًا لم يُبدع به أحد، ولله الحمد أصبحت أمتلك أشهر استوديو تصوير في غزة.

ماهي المعوقات التي تواجه صاحبات المشروعات ورائدات الأعمال في غزة خاصة وفلسطين عامة؟

تنحصر العوائق على عدم توفر التمويل اللازم للبدء في المشروع، علاوة على اختيار الفكرة وطاقم العمل المعاون، وتوفير مستلزمات العمل.

كيف تُسهم الكاميرا في توثيق انتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني؟

الكاميرا وثقت ونقلت بشاعة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، سواءً بالصورة أو بالفيديو، وكثير من الصحفيين استشهدوا وهم يحملون كاميراتهم ويكشفون للعالم حقارة وبشاعة الاحتلال، على يد قناصة العدو المحتل.

هل خططتِ للمشاركة في معارض دولية للصور في فلسطين أو خارجها؟

حتى الآن لم أشارك في معارض سواء محلية أو إقليمية أو عالمية، ولكن الفكرة قائمة، وأنتظر الفرصة للمشاركة بأحد المعارض.

كيف يسير عملكما داخل غزة وسط قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي المستمر للقطاع ومحاولات الاجتياح البري؟

مجال عملنا ليس حروب أبدًا، و تغطية معارك، و لكن مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية قد نصادف خلال تصويرنا لأحد الأفراح بصوت الغارات الإسرائيلية، وتنتهي فرحة أصحاب المناسبة مع الأسف .

درستِ العلاقات العامة والصحافة، فلماذا لم تعمليِ بمجال الدراسة؟

سبق وعملت بمجال الدراسة سواء كان داخل إذاعات أو محطات فضائية أو مؤسسات أخرى، ولكن حاليًا كل جهدنا في المشروع وتغطية المناسبات السعيدة

تصوير حفلات الزفاف عمل رجالي في الأساس، فلماذا العمل به؟

في غزة بالتحديد هو اختصاص عمل نسائي بحت؛ لأن عادات و تقاليد أهلنا في غزة تختلف عن الجميع ، الأفراح هنا ليست مختلطة أبدًا و بها خصوصية عالية.

هل المناخ العام داعم لمبادرات رائدات الأعمال الفلسطينيات؟

لربما كان المناخ قديمًا مساعد وموجه لرائدات الأعمال الفلسطينية، ولكن في الظروف الحالية وتشديد الحصار من كافة النواحي على قطاع غزة، يمكن القول أنه لا يوجد مناخ داعم نظرًا لكافة الظروف الصعبة التي نعيشها في القطاع.

ما هو أصعب موقف واجهكِ خلال عملكما بتصوير حفلات الزفاف؟

بشكل عام، في البداية كنا نعمل لصالح طبقة معينة، ولكن بعد افتتاح الاستوديو أصبحنا نتعامل مع كل الطبقات، ما يُصعب مهمتنا؛ لمحاولة إرضاء كل الأذواق.

دائما ما تنشب المشاكل بين طاقم العمل، فهل واجهتكِ مواقف مماثلة؟

تربطني بطاقم العمل علاقة صداقة و زمالة منذ أيام المدرسة، وتشاركنا الحلم سويًا وندعم بعضنا لبعض، ونسعى للتطور.

ماذا عن تصوركِ لجلسة تصوير حفل زفافك؟

دائمًا ما أتصور حفل زفافي بسيطًا يجمع أقاربي وأصدقائي المُقربين، وأنا أرتدي ثوب زفاف بسيط، وهو أقرب الاحتمالات لشخص يعشق الهدوء مثلي، ولكنني سأدرس مع الفتيات تنفيذ أفكار مجنونة لجلسة تصوير حفل زفافي لم يتطرق إليها أحدًا من قبل، وفي الغالب لن أصور زفافي في استوديو، وسألجأ للتصوير في المناطق المفتوحة.

بما تنصحين رائدات الأعمال في فلسطين؟

نصيحتنا ليست لرائدات الأعمال فقط بل لكل فتاة، لديها حلم وتسعى نحو مستقبل أفضل، بأن تبقى متمسكة بحلمها وتحاول بأقصى قوة وقدرة لديها أن تحقق ولو جزء بسيط مما حلمت به، وأن لا تنتظر دعمًا من أحد، بل تثق بقوة قلبها وإيمانها بالله، كما أنصح رائدات الأعمال أن يسعين لتحقيق أحلامهن، دون انتظار دعم من أحد والبدء فورًا بالإمكانيات المتاحة.