كان يُشكّل لها الوطن الذي تنتمي إليه: كيف تتخطين الحب الأول؟

"وله، غرام، هوى، ود، سُهد، جوى، تيّم، هُيام"، وغيرها الآلاف؛ حيث تعددت المسميات والحب واحد. ربما يكون أول نبضة قلب، وأول يوم تلمع فيه العيون، مع أول لقاء، وأول كلمة تعبّر عن العشق؛ فالحب الأول لا يُنس بسهولة، وإن كان من المستحيل نسيانه على الإطلاق، فإن كتبت قصة الحب نهايتها على يد الغدر، فبات عبرة ودرسًا للحياة، وإن سطرت التضحية الفصل الأخير منها؛ فإنها أعلى مراتب العشق الذي تنتشر خلاياه رغم الفراق. "نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى، ما الحُبُّ إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ.. كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى، وحَنينُهُ أبدًا لأوَّلِ مَنزِلِ"؛ هكذا شبّه أبو تمّام الحب الأول في حياة المرء، كمن حفر جدران منزله بين الصخور الصامدة للأبد.

وتؤكد الجوهرة على أن الحب المقصود في هذا المقال هو الحب في إطاره الشرعى، الذي يُحدده الدين كحب الزوج. فراق الحبيب.. تعذيب وأذىً تتأثر المرأة _ على وجه الخصوص _ بفراق الحبيب الأول، ووداع حبها الذي اعتادت الاعتقاد بأنه أبديًا؛ فهي المخلوق الذي يخفي دموعًا وراء ابتسامة عفوية، وهي الروح الرقيقة وراء قسوة الكلمات، في بعض الأحيان، وفي تصريحاتها الخاصة لـ "الجوهرة"، أكدت الدكتورة نجيبة عاطف جاد؛ الخبيرة النفسية، أن المرأة تتعرّض لأقصى مراحل التعذيب في حالة فراقها عن الحبيب الأول. وأضافت الخبيرة النفسية أن المرأة عندما تُحب للمرة الأولى، فإنها تغامر بكل شيء من أجل الحفاظ على مشاعرها في مكان آمن، فالحبيب يُشكّل لها الوطن الذي تنتمي إليه، قائلة: "تشعر الفتاة مع حبيبها بالأمان حتى في أبسط أحاديثها البسيطة، تجدها تبتسم بارتياحيه تامة، وكأنه يمتلك كل المفاتيح لتروس عقلها الدائرة باستمرار، تقف أمامه طفلة صغيرة مهما بلغت من العمر، وفي الوقت ذاته، تكون الأم التي ترعاه وتعرف احتياجاته". الحب يفتح أبواب عالم جديد للمرأة أوضحت الدكتورة نجيبة جاد، أن المرأة تكتشف عالمًا جديدًا بعد وقوعها في الحب للمرة الأولى، وهو الأمر الذي لا يُمكن تجاوزه بسهولة؛ فكيفية الشعور في حد ذاتها تعتبر تجربة فريدة ترتقي بالروح البشرية، وتجعلها أفضل على الأصعدة كافة، مؤكدة: "حتى الخلاف الأول بين الحبيبين يظل عالقًا في ذاكرة المرأة، تضحك على تفاصيله عند استرجاعه إلى ذاكرتها"، مضيفة: "في حالة الفراق، تكون المرأة في أوج ضعفها، الأمر الذي يحتم عليها أن تتعامل معه بطريقة تحيل دون إصابتها بأمراض نفسية أو جسدية".

وأكدت الدكتورة نجيبة أن المرأة تلجأ إلى الطعام والمأكولات غير الصحية؛ لعلاج أزمة الاكتئاب التي قد تعاني منها عقب الانفصال العاطفي، وفي بعض الحالات؛ فإنها تلجأ إلى التعاطي مع الحياة بطريقة مستهترة، وقد يصل الأمر إلى درجة الإيذاء الذاتي، أو الانتقام من الحبيب، وهنا يجب أن يتدخل الأهل بدعم ابنتهم، وعرضها على طبيب نفسي إن استدعى الأمر ذلك. يفترق الأحباب وتظل الذكريات بدوره، قال الدكتور مصطفى حمزة؛ أخصائي علم النفس، في تصريحاته الخاصة لـ "الجوهرة"، إن المرأة تعتبر الكوكب الذي يستنير به الرجل، وتبدأ في التأثير عليه بدافع المحبة، والشغف، الأمر الذي يؤثر على كليهما سلبًا عند الفراق. "يفترق الأحباب وتظل الذكريات خالدة"؛ هكذا أكد الدكتور حمزة على بقاء الذكريات في خُلد المرأة؛ خاصة وإن كانت سيئة، فإنها تدمره عاطفيًا، وتجعلها تهاب من تكرار التجربة، علمًا بأن الحب هو الفطرة الإنسانية التي خُلقنا عليها، ولا تتغيّر سوى بفعل الآخرين، ودفعهم لنا للوقوع في هاوية الكراهية، لافتًا إلى ضرورة اهتمام المرأة بإعادة تأهيل ذاتها مرة أخرى، عند فشل التجربة، والابتعاد عن الحبيب، بغض النظر عن الأسباب والدوافع.

المشاعر تتغيّر من جهتها، وجهت الدكتورة إيمان عبدالله؛ خبيرة السلوك النفسي، في تصريحاتها الخاصة لـ "الجوهرة"، رسالة إلى المرأة التي ابتعدت عن الحبيب قائلة: "يجب أن تعلمي أن المشاعر تتغيّر وتتبدل؛ لكنها تحتاج إلى وقت، فعليكي بالصبر والإنسان لا ينس مشاعر الحب، فكلما حاولت نسيان الحبيب أو استبدال الحب بالكراهية، ستجدي نفسك تفكرين فيه أكثر؛ لذا يمكنك اتباع بعض الإرشادات التي تساعدك في تخطي الحب الأول". تخطي الفراق أضافت الدكتورة إيمان، أن الإنسان بطبيعته مبرمج على تذكٌر الماضي، وهنا يجب التفكير في شيء تحبينه بدرجة كبيرة؛ حتى يعطي لك جرعات من السعادة، واستخدمي التفكير بعقلانية إن كان الفراق حلًا مناسبًا، ولا يمكن الاستمرار في علاقة الحب، سواء في بدايتها أو تلك التي تطوّرت إلى الزواج، فقد تكون العلاقة باتت مستحيلة، مضيفة أن الشعور بالوحدة والحزن من الأشياء التي لا مفر منها؛ ولكن يُمكن التقليل من الشعور بها، من خلال التواصل مع الآخرين، المقربين منك، والأصدقاء، والغرض من ذلك المساندة النفسية والاجتماعية. شددت الدكتورة إيمان على أهمية تغيير المرأة من تفكيرها السلبي السابق، وهو أن الحبيب بمثابة ماء الحياة، وأن العيش بدونه يكتب النهاية لها، وأن الحياة بلا روح، واقضِ وقتًا مع القراءة، الدراسة والمحاضرات، إلى جانب الاشتراك في الأعمال التطوعية، حتى تبتعد عن كل ما يُذكرك بالحب الأول، سواء رسائل أو هدايا أو أماكن، ويمكنها أيضًا تجنٌبه أو حظره على مواقع التواصل الاجتماعي. "عبّري عن مشاعركِ بالكتابة أو بالتحدٌث مع الأصدقاء، حتى إن وصل الأمر إلى البكاء أو الصراخ"؛ وفقًا لِما أكدته الدكتورة إيمان عبدالله، موضحة ضرورة اعتناء المرأة بنفسها وتطوير حياتها؛ إذ يتحتم عليها إلغاء الروتين وممارسة الأنشطة والهوايات، والاستمتاع بالنزهات العامة، كما تعتبر فرصة جيدة للتقرٌب من الله، سعيًا لمعرفة طريق السعادة والرضا بما كتبه _ سبحانه وتعالى _ لها. واختتمت خبيرة السلوك النفسي، تصريحاتها مفيدة بأهمية مشاركة الآخرين في مناسباتهم؛ حيث يجب تقوية علاقات المرأة بمن يستحق، لتشتيت التفكير عن الحبيب الأول، وإدخال أفكار بديلة عنه إلى عقلها، فضلًا عن تنمية الثقة بالنفس، وتعديل الصورة الذاتية، وتعلٌم التحكٌم في المشاعر، والاستفادة من التجارب السابقة.