في ذكرى ميلاده.. كيف وصف "العرّاب" نفسه؟

عمل رسامًا عندما كان طالبًا في الجامعة، رفض القاهرة وأضواءها، وآثر أن يكون بعيدًا عن الضوء والضوضاء، هام عشقًا بالسينما، لكن "الشيطان الذي بداخله أراد الخروج عبر الكتابة" فبرع في أدب الرعب لأنه لم يجد منه ما يكفيه، كما اختاره "كوسيلة للهروب من تلك الحياة الخانقة، والهروب من الواقع إلى خيال الأشباح والقلاع المسكونة".

حل ضيفًا مفتونًا على الروس، فاتخذ من أدبائه، وتحديدًا ديستوفيسكي، وتشيخوف، جوجول، تولستوي، أستاذة له، بل كانوا مرجعًا دائمًا له.. إنه "العراب" أحمد خالد توفيق؛ الذي يحتفي جوجل بذكرى ميلاده اليوم، فمن هو؟ وما قصته؟

من طنطا كانت البداية

وُلِدَ أحمد خالد توفيق في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا، وتخرج في كلية طب طنطا عام 1985م، ونال رسالته للدكتوراه عام 1997 عن موضوع "طب المناطق الحارة".

انضم عام 1992 للمؤسسة العربية الحديثة، وبدأ بكتابة أول سلاسله "ما وراء الطبيعة" في شهر يناير من العام التالي، وحققت سلسة الرعب نجاحًا كبيرًا رغم عدم انتشار هذا النوع من الأدب في الوطن العربي.

وبدأ في كتابة سلاسل أخرى للمؤسسة نفسها، مثل: سلسلة سافاري، وسلسلة فانتازيا، وسلسلة روايات عالمية للجيب، بالإضافة لبعض الروايات مثل: "يوتوبيا" 2008، "السنجة" 2012، "مثل إيكاروس" 2015، لكنه كتبها لدور نشر أخرى.

العراب يصف نفسه: -

في ثنايا كتابات الراحل أحمد خالد توفيق مرر بعض الأوصاف عن نفسه، ومن أوصافه لنفسه ما يلي:

1- بغض القاهرة:

"أحب الرسم والسينما، وأكره القاهرة والأضواء، ومدخن شره"، ويستطرد في شرح سبب بغضه للقاهرة فيقول: "رفضت العيش بها -يقصد القاهرة- بسبب الزحام، وعوادم السيارات، والضوضاء، فالوصول إلى المنزل يستغرق 90% من الوقت، ولهذا فأنا لا أتخيل كيف يعيش الناس فيها".

كان "العراب" منعزلًا في طنطا، بعيدًا عن الأضواء والضوضاء والضجيج، فقط أراد تكريس نفسه للكتابة فحسب، وعن هذا عبّر قائلًا: "أنا بطبيعتي شخص لا أحب الأضواء، وطوال عمري أحب ما في الظل أكثر، فمثلًا أحب المخرج أكثر مما أحب الممثل، وأحب الملحن أكثر من المطرب، وحتى عندما كتبت شخصية الدكتور رفعت إسماعيل، قضيت فترة كبيرة لا أظهر بشخصيتي، وكنت أدعه هو يرد على القراء، من خلال إبراز سمات الشخصية واختفاء صانعها".

2- ارتياد أدب الرعب:

كان الرجل رائدًا عربيًا في أدب الرعب، بل إنه يعتبر بالفعل عراب هذا اللون الأدبي عن حق، وعن قصة دخوله إلى الكتابة عن أدب الرعب يقول:

"كنت مهتما بالرسم في حياتي، وعملت رسامًا أيام الكلية، ودومًا ما كنت مهتمًا بالسينما، ولكن الشيطان الذي بداخلي عندما أراد الخروج، اختار أن يخرج في الكتابة، ولعل أهم ما جعلني أكتب في أدب الرعب هو أنني لم أجد ما يكفيني منه، وطبيعتي الخيالية تميل أكثر إلى كتابة "الرعب القوطي"، وهو أحد فروع الأدب الرومانسي، الذي بدأ مع قيام الثورة الصناعية، كوسيلة للهروب من تلك الحياة الخانقة، والهروب من الواقع إلى خيال الأشباح والقلاع المسكونة... وهكذا".

3- الكاتب لنفسه:

على غرار كل الكتاب والمؤلفين الشغوفين بفعل الكتابة ذاته، والرافضين لمنطق التلميع والجماهيرية، كان أحمد خالد توفيق يكتب لنفسه؛ ليعبر عن ذاته وأوجاعه، فهو يعتبر أن الكاتب الناجح هو من يجلس يكتب لنفسه ولإرضاء نفسه، وعلاج اضطراباته النفسية، فمن يكتب للقارئ والجماهيرية، يدخل في دائرة الافتعال والابتذال ويتحول لكتابة ما يطلبه المستمعون؛ وهذا يؤذي الكاتب ومستقبله، فضلًا عن أنه هو نفسه بدأ الكتابة كنوع من العلاج النفسي، وللاستمتاع الذاتي ولتضييع الوقت، ولم يكتشف أن لكتاباته جماهيرية إلا بعد الكتاب العاشر.

4- جعل الشباب يقرأون

ربما من أبرز ما ميّز "العراب" أنه ارتبط بجيل الشباب، وكتب له، بل آثر أن يعلمه القراءة، ولا غرابة أن يكون هناك شباب كثيرون كان أحمد خالد توفيق هو بوابتهم نحو عالم القراءة الفسيح، بل إنه ثمة أدمغة كثيرة شكّلها قلم هذا الرجل، ناهيك عن إيمانه الجازم بهم وبقدراتهم، وفي هذا الصدد تراه يقول:

"أنا فخور بالكتابة إلى الشباب، وراضِ عنه ومتفائل به، وكانت الناس تظن أن الكتابة للشباب هي مرحلة انتقالية، وكأنني مدرس إعدادي سيصير "مدرس ثانوي"، أو دكتور أطفال سيصبح دكتور باطنة، وهذا بالطبع غير صحيح، فالكتابة للشباب تُشعرك بأن مهمتك خلاقة، وهم خامة نظيفة، كل الأشياء واضحة أمامهم ولا اختلاط للألوان في عيونهم، بالرغم من محاولات إفسادهم ليلًا ونهارًا، ولديّ أصدقاء منهم كانوا طُلابًا في إعدادي والآن أصبحوا صحفيين وبعضهم وصل لمناصب عليا، ولهذا أنا أؤمن بأن الشاب إذا نال الفرصة سيصنع المعجزات لأن العجينة رائعة".

5- موت الخائف من السعادة:

لم يكن الرجل يخشى الموت، وكيف يخشى الموت من حقق على الأرض الخلود؟!، لكنه، وربما هذا راجع إلى جيناته المصرية، كان يخشى السعادة، كان يتذكر في غمرة الفرح الأحزان والأتراح، يقول معبرًا عن هذا المعنى: "أنا لا أخاف الموت، بل أنا مصاب بمرض الخوف من السعادة، فدائمًا أفكر في آلامي وعذابي بعدما أفقد الجماهيرية، لكن يعوضني عن ذلك الإحساس لذة التعبير عن الذات في الورق، فجميل أن تعود لما كتبته من سنوات وتقول: لقد كنت موفقًا".

وعن عمر ناهز الـ 55 عامًا، وفي الثاني من أبريل عام 2018م رحل عن عالمنا الخائف من السعادة، الخالد بأعماله في الدنيا، أحمد خالد توفيق.

كتب: محمد علواني