فيلم Contagion.. سردية الإنسان النافق!

ما هي الوظيفة الحقيقة للفن، أدبًا كان أم مسرحًا أو سينما؟ وهل هو انعكاس له أم هو محاكاة لأحداثه وظروفه؟ كل هذا وارد بطبيعة الحال، وكل شخص يطلق على الفن وظيفة معينة تناسب منظوره الشخصي أو حتى مدرسته الفكرية، لكن، وعلى الرغم من ذلك، هناك وظيفة أساسية للفن لا يمكن إغفالها ألا وهي التنبؤ بالمستقبل، ومحاولة استشراف ما لم يأت بعد.

فيلم Contagion

وذلك ليس قاصرًا على أفلام الخيال العلمي فقط، وإنما الأدب، وأدب الديستوبيا تحديدًا، يمكنه أن يفعل ذلك، فرواية العمى للروائي المعروف ذو القلم الرشيق جوزيه ساراماغو؛ التي تنبأ فيها بفيروس كورونا تقريبًا، لكن الأمر لم يكن متعلقًا بمرض يفتك بالجهاز التنفسي، وإنما بالعمى، واللافت أن العمى أمسى معديًا، ثم يتابع "ساراماغو" استقصاء الفكرة من شتى الجوانب حتى يفضح ادعائاتنا المزيفة ودعاوينا الكبيرة.

إلا أن اللافت في أمر، التنبؤ بالمستقبل أن كل ما نعيشه الآن بسبب هذا الفيروس قد مثّله وغبر عنه تمامًا فيلم Contagion قبل تسع سنوات، والذي هو من إخراج Steven Soderbergh، وشارك في تمثيله مات ديمون، كيت وينسلت، جود لو وغيرهما.

إعادة بعث من جديد

ولد الفيلم، في العام 2011، ميتًا؛ إذ لم يحقق الفيلم اَن ذاك نجاحًا يُذكر، ولم يجن المنتج من ورائه ربحًا يُذكر؛ فقد جاء الفيلم في المرتبة الحادية والستين من حيث الأرباح التي حققها في ذلك العام في جميع أنحاء العالم.

لكنه، وعلى الرغم من الأداء المتهاوي، ومن عدم وجود قصة محكمة إلى حد ما، عاد إلى الظهور مرة أخرى؛ إذ أمسى، وبشكل مفاجيء، ضمن قائمة الأفلام الأكثر طلبًا من متجر "آيتيونر" الإلكتروني الخاص بشركة آبل، إثر ارتفاع معدل البحث عن إسم الفيلم في موقع جوجل.

يدور الفيلم حول قصة مرض غامض، تصاب به، للمرة الأولى، امرأة قادمة من هونج كونج _ الصين هي الموطن الأصلي والأول لوباء كورونا لنتذكر هذا_ تصل إلى بيتها فتعدي إبنها الصغير فيموت في الحال، يصاب زوجها "مات ديمون" بالفيروس لكنه يتماثل للشفاء.

فيجعل هدفه الأساسي هو حماية ابنته من الإصابة بالفيروس، وهي ذاتها الإجراءات التي يتخذها جميعنا لوقاية نفسه من هذا المرض.

في هذه الأثناء، يأتي صحفي ما ويلقي بالتهم الجزاف، ويتردد بفعله كلام كثير لعل أشهره أن هناك مصل لهذا الوباء وإنما تخفيه شركات الأدوية؛ رغبة في رفع السعر والإتجار في الأزمة.

وبالمناسبة هناك الكثير من الأقاويل التي تتردد حاليًا حول وباء كورونا من بينها: أنه تجل لحرب بيولوجية، أو أنه لعبة من شركات الأدوية.. إلخ.

سبب المرض

يذهلنا الفيلم، نحن الذين نشاهد الفيلم على وقع أحداث فيروس كورونا، مرة أخرى حين يظهر في النهاية أن سبب هذا الوباء هو انتقاله من الخفاش، والذي قد تحور، ووصل إلى الإنسان وأحدث كل هذا الخراب.

يبدو الفيلم وكأنه نسخة حقيقة وواقعية لما يجري حاليًا، كل شيء نعاصره الآن جسده الفيلم بحذافيره رغم كونه أنتج في العام 2011، تلك هي واحدة من أبرز وأهم وظائف الفن.

لكن اللافت في مثل هذا النوع من الأفلام أنها تقول لنا إن الإنسان أمسى نافقًا كغيره من الكائنات التي تنفق ولم تعد صالحة للعيش أو قادرة عليه، إنها بمثابة إيذان بأن الكوكب يلملم أوراقه، وأن شمس الحضارة مائلة للغروب.

اقرأ أيضًا: رواية «التانكي».. عن الغربة وضياع الوطن