تمتلك جزر فرسان في منطقة جازان نمطًا عمرانيًا فريدًا ومتميزًا يتجاوز كونه مجرد بناء، حتى أصبح انعكاسًا حيًا للأصالة الفنية والبراعة الهندسية لسكان الجزيرة.
هذا التميز المعماري لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج تواصل حضاري وتجاري نشط دام لسنوات طويلة. قادها بشكل خاص تجار اللؤلؤ والمرجان الفرسانيون.
تنوع معماري
وفقًا لـ “jazanonline” فإن ارتباط تجار فرسان بعلاقات تجارية واسعة مع دول الخليج العربي وبلاد المشرق والمغرب، ونقلهم للؤلؤ والمنتجات البحرية، جعلهم على اطلاع مباشر بالأنماط العمرانية العالمية، خاصة تلك التي شاهدوها في شبه القارة الهندية.
وقد انعكس هذا التأثر الحضاري على الجزيرة؛ حيث سعى التجار الميسورون إلى بناء منازل تعكس ثراءهم وذوقهم الرفيع، مستلهمين تفاصيل تلك الأنماط ومطابقين إياها بقدراتهم المادية.

منازل الرفاعي والنجدي.. شواهد على الثراء والمهارة
يقف منزلا الرفاعي الأثريان كدليل ملموس على هذه الحقبة من الازدهار والبراعة المعمارية. يعود المنزلان، اللذان كانا ملكًا لحسين بن يحيى الرفاعي وأحمد منور الرفاعي. إلى فترة ازدهار تجارة اللؤلؤ.
وقد حظي هذان المنزلان الأثريان باهتمام رسمي. حيث صدرت موافقة سامية بتحويلهما والأراضي المحيطة بهما إلى مركز ثقافي يضم مكتبة عامة، تأكيدًا لقيمتهما التاريخية والفنية.
يشهد تصميم المنزلين على المهارة الفنية والمعمارية لأبناء الجزيرة والثراء الذي عاشوه عندما كان اللؤلؤ هو مصدر الدخل الرئيسي.
مسجد النجدي الأثري
من الشواهد البارزة على جمال العمارة الفرسانية أيضًا، مسجد النجدي الأثري، الذي شيده تاجر اللؤلؤ إبراهيم التميمي عام 1347هـ.
يتميز هذا المسجد بزخارف ونقوش إسلامية بديعة. تحمل شبهًا قويًا لتلك الموجودة في مسجد قصر الحمراء. ما يبرز الاهتمام الفرساني العميق بالفنون المعمارية الإسلامية الراقية.

خامات البناء.. مزيج من البيئة المحلية واللمسات العالمية
اعتمدت العمارة الفرسانية على خامات بناء محلية أساسية ومبتكرة، في مقدمتها الشعاب المرجانية التي تمثل صخورًا كلسية سهلة التشكيل. ما أتاح للبنائين درجة عالية من التحكم في الفنيات المعمارية.
أما مادة الجص، التي ما تزال مناجمها موجودة بفرسان حتى اليوم، فقد استخدمت ببراعة بعد حرق صفائحها وطحنها بدائيًا.
لم يستخدم الجص لتلييس الجدران فحسب. بل شكل أيضًا مادة مثالية للنقش والزخرفة؛ حيث تم تزيين واجهات وأركان المنازل بنقوش من الآيات القرآنية. والأحاديث النبوية، والعبارات الترحيبية.
ولإضافة لمسات جمالية لا مثيل لها، لم يكتفِ التجار بالمواد المحلية. بل استجلبوا مواد أخرى ثمينة من البلدان التي زاروها، مثل: لوحات العاج، والزجاج الملون. والأخشاب الثمينة. كما استعانوا ببنائين معماريين مهرة لضمان تنفيذ التصاميم بأعلى مستويات الجودة والابتكار.

منزل المنور الرفاعي ثراء فني
إن زيارة لمنزل المنور الرفاعي، الذي اكتمل بناؤه عام 1341هـ، تكشف عن هذا الثراء الفني؛ حيث تزين داخله أحزمة منقوشة بآيات قرآنية مطلية بالذهب، وأحزمة خشبية خارجية منقوشة. إلى جانب صور تذكارية لصاحب الدار مع أصدقائه في مدن أوروبية كالندن وباريس.
في الختام، يمثل النمط العمراني في جزر فرسان سجلًا معماريًا وثقافيًا يروي قصة ثراء اقتصادي، وانفتاح حضاري، ومهارة فنية متجذرة، ما يجعله معلمًا أثريًا يستحق الوقوف عنده وتأمل إبداعه.



















