يعد طارق عبدالحكيم، عميد الفن السعودي، شخصية استثنائية جمعت ببراعة بين الخدمة العسكرية الرفيعة والإبداع الموسيقي الخالد، فكان له الفضل في ترسيخ التراث الغنائي الخاص للمملكة. هذه المسيرة الحافلة بالإنجازات هي التي أهلته ليحمل لقب “العميد” بجدارة، سواء في رتبته العسكرية أو في مكانته الفنية.
نشأة بين التجارة والحنين للوطن
ولد الموسيقار طارق عبدالحكيم في غرة رجب عام 1336 هجريًا، الموافق 4 أبريل 1918 ميلاديًا، بمدينة الطائف. نشأ طارق في بيئة تجارية. حيث عمل بائعًا للخضروات، لكن قلبه كان شغوفًا بالموسيقى. فكان يغني لأبناء حيه، ويسعى جاهدًا لتأليف الألحان وفهم الطبيعة المعقدة للنغمات.
بمجرد بلوغه عامه الواحد والعشرين، قرر أن يلبي نداء الواجب الوطني، فالتحق بالسلك العسكري عام 1939. حقق نجاحًا مبهرًا في مسيرته العسكرية، وتدرج في الرتب حتى وصل إلى رتبة ضابط ملازم. ومع انتقاله في خدمته من الطائف إلى الرياض، تزامن صعوده العسكري مع مرحلة التحول والتطور التي شهدتها المملكة. وفي هذه الأثناء، تمكن طارق عبدالحكيم من الحصول على رتبة عميد في الجيش السعودي، وهو إنجاز مهد الطريق لخدمة أخرى للوطن: تلحين النشيد الوطني السعودي وتأليف موسيقى المارشات العسكرية.

الرحلة الموسيقية من الهواية إلى الدراسة الأكاديمية
بعد وصوله إلى رتبة العميد، أدرك طارق أن حبه للموسيقى يجب أن يتحول من مجرد هواية إلى علم أكاديمي. وبدعم من منحة سعودية قدمها الأمير منصور بن عبد العزيز، سافر إلى القاهرة لدراسة الموسيقى.
بدأ طارق عبدالحكيم في تسجيل أغانيه في القاهرة، وكانت أولها أغنية “يا ريم وادي ثقيف” الشهيرة. رغم أنه غنى بصوته 33 أغنية فقط، إلا أن بصمته الحقيقية تكمن في تلحينه وتوزيعه لأكثر من 300 لحن. وشهدت ألحانه إقبالًا من كبار نجوم الطرب في العالم العربي، أمثال نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، وديع.
الصافي، وكارم محمود، وسميرة توفيق (الشحرورة).
ويلاحظ في مسيرة العميد الفنية علاقة وطيدة بـ”الرقم 3″، حيث كانت خلاصة أعماله الفنية 300 لحن و 33 أغنية.
إنجازات تخطت حدود الوطن
لم تتوقف إنجازات طارق عبدالحكيم عند الألحان، بل امتدت لتشمل البنية التحتية للمشهد الموسيقي السعودي والعربي:
- تأسيس المعاهد والجمعيات: بعد عودته من القاهرة، أسس معهدًا لتعليم الموسيقى تابعًا لهيئة الأمن العام، ثم بدأ في تأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
- اعتراف دولي: حصل على عضوية نقابة الجمعية الفرنسية للمؤلفين الموسيقيين والملحنين.
- الريادة العربية: تم تعيينه نائبًا لرئيس المجمع العربي للموسيقى التابع للجامعة العربية.
- الجائزة الكبرى: اختارته هيئة الأمم المتحدة للغناء في إحدى مناسباتها الرسمية. وحصل على الجائزة الدولية لليونسكو في الموسيقى، ليصبح بذلك الموسيقي السادس عالميًا الذي ينال هذا التكريم الرفيع.
- وسام الاستحقاق: نال وسام الاستحقاق في عهد الملك فهد بن عبد العزيز تقديرًا لإسهاماته في الدولة
بعد رحلة حافلة بالخدمة والإبداع، فضل طارق عبدالحكيم أن يكمل حياته في القاهرة، وتوفي في الحادي والعشرين من شهر فبراير عام 2012، بعد صراع مع مرض السرطان. وبناءً على وصيته، دفن في المدينة التي أحبها واحتضنت تطوره الموسيقي.
لقد ترك العميد طارق عبدالحكيم خلفه إرثًا غنيًا يمثل جسرًا بين الفن العسكري وجمال النغم، ليظل اسمه مرادفًا للتميز والريادة في تاريخ الفن السعودي.