صبحة بغورة تكتب: جدلية الصيام والصوم

يؤكد بعض الضالعين في علوم القرآن واللغة والحديث، أنه ليس في القرآن الكريم كلمات مترادفة، وإن كان الصوم مثل الصيام من حيث المعنى وهو الإمساك والتوقف عن فعل شيء إلا أنه ليس كذلك من حيث القصد، وقيل أن الصوم غير الصيام وأن بينهما فرق.

في كتاب الله تعالى، نجد أن كلمة "الصيام" قد وردت سبع مرات: الصيام مرتان، صيام مرة واحدة، فصيام أربع مرات، ووردت كلمة الصائمين والصائمات مرة واحدة، بينما كلمة "الصوم" وردت مرة واحدة فقط بمعنى الإمساك والكف عن الكلام في سورة مريم الآية 26 حيث جاء في قوله تعالى: "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"، أي أنها نذرت سكوت وصمت عن الكلام هذا مع وجود الأمر بتناول الأكل، وعليه يكون القصد حسب رواة الحديث وأهل اللغة هو أن الصوم مثل الصمت كلاهما إمساك عن الكلام.

وفي القرآن الكريم قال الله تعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" ولم يقل كتب عليكم الصوم، ويكون الصيام هنا بمعنى الإمساك أيضًا، ولكن عن الأكل والشرب والجماع وما يقوم مقامهم من المفطرات التي تفسد الصيام.

وبرغم ذلك، يذكر بعض المفسرين أن كل صوم في القرآن فهو الصيام المعروف إلاّ الذي في سورة مريم، مع أن الصوم لم يرد في القرآن الكريم سوى مرة واحدة فقط في سورة مريم!

وفي المقابل يستشهد البعض بما جاء في الأحاديث النبوية بالصحيحين البخاري ومسلم قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" . "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

وتضمن صحيح البخاري باب تحت عنوان "ترك الحائض الصوم"، بينما تضمن صحيح مسلم باب بعنوان "استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء ويومي الاثنين والخميس".

وجاء في كتب الفقه استعمال الصوم والصيام بمعنى واحد، باب الصوم، وباب الصيام، وعرفوا الصوم والصيام في الشرع بأنه "إمساك عن شهوتي الفم والفرج وما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في طاعة الله في جميع أجزاء النهار". يؤكد الكثير من اللغويين أن الصيام والصوم واحد، وهو الإمساك لغة وشرعا، إمساك عن المفطرات، شرح أبي داوود العيني (2/450).

ويذكر أبو الهلال العسكري في كتابه "معجم الفروق اللغوية" أنه قد يفرق بين الصيام والصوم، بأن الصيام هو الكف عن المفطرات مع النية، أما الصوم فهو الكف عن المفطرات وعن الكلام. (معجم الفروق اللغوية ص 325).

ينفي بعض البلاغيون وجود ترادف في القرآن الكريم وفي اللغة تماما، وأنه عليه لن يستوي الصوم الثلاثي بالصيام الرباعي، بينما يجيزه البعض الآخر، ومن قواعد البلاغيين المعروفة أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى.

ويميل عدد من المعاصرين إلى التفرقة بين الصوم والصيام ومنهم الأستاذ علي علي صبح في كتابه "التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية"، الصادر عن المكتبة الأزهرية للتراث، والدكتور فاضل السمرائي في محاضرة له بعنوان "كلمات بيانية في نصوص من التنزيل"، ومع احترامنا لمختلف وجهات النظر واقرارنا بأن السنة النبوية الشريفة مبينة للقرآن وشارحة لآياته وأنها تضمنت أحكاما تشريعية ليست في القرآن الكريم وأن من يؤمن بالقرآن لابد أن يؤمن بالسنة لأن المولى عز وجل يقول :"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (سورة النحل 44)

الاجتهاد في دراسة الدين مطلوب، والتأمل في معاني آيات الذكر الحكيم واجب، فليس القرآن الكريم لمجرد الترديد في المناسبات بشكل روتيني تقليدي ينزع من القلوب الخشوع والتقوى، والعبرة في إجادة الفهم الصحيح لمقاصده وحسن التأويل السليم لآياته البعيد عن الهوى. وأن ينبري ثلة من العلماء والدعاة الأفاضل لتنقية ما علق في أصول الدين من شوائب لتجديد الخطاب الديني بمسلمات وثوابت لا تقبل التشكيك فيها أو الاعتراض على صحتها.

والأحرى برجال الإعلام والمثقفين، التعرض للمسائل الدينية المثيرة للجدل وكشفها وعرضها للرأي العام حتى لا تكون أداة بيد أعداء الدين يلوحون بها متى شاؤوا لزرع بذور الشك في نفوس النشء، وحتى لا يفهم أن عدم التعرض لها هو لتجنب حرج الموقف من احتمال الانكسار أمام صحتها.

الخطاب الديني يتكفل به الأكفاء الراسخون في الأصول والفروع، العارفون بفقه الواقع وكيفيات تحقيق المناط والتمكن من فهم مقاصد الشرع والقدرة على فهم الحياة العصرية في ظل المحافظة على الهوية الأصيلة والأخلاق النبيلة والقيم الأصيلة، للموازنة بين متطلبات الدنيا ومطلوبات الآخرة في ظل الوسطية والتسامح والاعتدال.

إنهم مطالبون بقراءة متجددة لمختلف العلوم الإسلامية من فقه وتفسير، مطالبون بالتصدي لمحاولات التشكيك والتزييف التي أصبحت تعاني منها المنظومة الفكرية والعلمية والدينية في زماننا المرتهن بالعولمة والملغم بالغزو الفكري والخاضع للأهواء.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: لمـة إفطار رمضان