صبحة بغورة تكتب: المرأة والارتباط الوجداني بين الغموض وخطأ التوقع

يستغرق بحث المرأة عن الرجل المناسب وقتا ليس بالقصير تستهلكه من عمرها، لأنها تتوجس كثيرًا في عدة محطات من رحلة تقييمها للشخص الذي يمكن أن يكون شريك حياتها، فتراقب إذا ما سيتعدى بتصرفاته ما قد وضعته من دائرة المحاذير الأخلاقية، وما رسمته من الحدود السلوكية، وما أسسته من الاعتبارات الفكرية التي ستشكل في مجموعها خلطة أسمنتية قوية من المبادئ التي تراها ضرورية لارتباط سليم.

وفي المقابل يضرب البعض من الرجال الكعب على الأرض قويًا ليرضي نداء الرجولة بداخله لإثبات شخصيته وللتدليل على أنه قادر وفق نظام معيشي معين على تحقيق ما هو أسمى وأجمل في الحياة، والكثير منهم يتمثل بالطاووس في وهمه وغروره وخيلائه وبانسحاب النعامة بمحاولة إخفاء بعض من كلها.

إن وقوع المرأة في بحر الغرام تأثرًا بسماعها عبارات الوجد والعشق، يقابله وقوع الرجل في دوامة الحب من نظراته لمظاهر الفتنة ولكل ما هو جميل ومثير، فقلب المرأة في أذنيها تهيم بهما، وقلب الرجل في عينيه تحركان عواطفه، وكلاهما سيبدو في وضع غير مريح لأن ما نشأ بينهما غير واضح وليس صريحا، وأي علاقة هذه سماتها تكون غير صادقة بالقدر الكافي لضمان استمرارها، لأنها قد تتأسس عند حدود الاعجاب فقط أو التعلق المضلل وبالتأثر الزائف أو المؤقت بطبيعة شخصية الآخر خلال ظرف طارئ زماني أو مكاني معين، أو أنها تتعلق بإشباع متعة عابرة، والمعنى أنها كما تنشأ سريعًا ستنتهي وسريعًا جدًا.

بداية تدرك المرأة بغريزتها أنه لن يكون الرجل غير المناسب للحب وللارتباط جديرًا بعواطفها، وأن مثل هذا الرجل يكشف دون أن يدري عن حقيقته بإشارات عديدة تثير في المرأة الفطنة دواعي التنبه والحذر المبكر، فكثيرًا ما يشكل الرجل ببعض تصرفاته الغامضة إزعاجًا مثيرًا للظنون لأنها غير مبررة وليست منطقية، كما تكون أساليبه ملتوية تعكس برودة عواطفه، وادعائه فجأة أنه صريع الحب من أول نظرة وأنه لا يقوى على فراق من أحب هو في الحقيقة يفصح عن ما ترسمه له مخيلته عن خصائص محبوبته بعيدًا عن حقيقة واقعها، فهو يضعها في عالمه الافتراضي ولا يتفاعل معها انطلاقا من واقعهما المعاش، إنه يستجيب ببلاهة لدوافع الإعجاب بصورة مفاجئة.

ومثل هذا الرجل الذي يتصرف بشكل غير متوقع قد يغيب ويختفي لفترة مقلقة دون معرفة الأسباب، ثم يظهر فجأة مندفعا بغرابة بعدما بدا وكأنه يتعمد تجميد العلاقة ويحدد رؤيته لها مرة في الأسبوع أو في المناسبات، ومثله لا يصلح الارتباط به، فالعلاقات الناجحة تنشد الانطلاق إلى كل ما هو أسمى وأجمل، وهي تنمو وتقوى في عالم الألفة والمودة وليست التي تبقى على نمط محدد لا يتغير، وتسير على نظام معين لا تحيد عنه لدى هذا النموذج من الرجال.

قد يهمك.. صبحة بغورة تكتب: بكاء الرضيع.. حاجة أساسية ذات منافع

الرجل المتناقض الذي يعد وينسى أو يخلف ما عاهد عليه، يحطم أحلامًا ويدمر آمالًا هو غالبا يتحدث بما يظن أن المرأة تحب سماعه حتى لو كان في حديثه مبالغة أو لا أساس له في الواقع؛ حيث أنه في الحقيقة يهدف إلى محاولة إجادة التأثير لضمان القبول لأنه يشعر أنه لن يكون مقبولًا إذا ما ظهر على حقيقته ولذلك يتعمد إرباك محدثه وإثارة حيرته؛ إذ تبدو أقواله لا تتناسب مع أفعاله.

وستتأكد القناعة بأن العلاقة تسير بشكل غير سليم لعدة مبررات، أهمها أن مثل هذا النموذج من الرجال غالبًا لا يكون مستقرًا وظيفيًا وغير ثابت في علاقاته الشخصية وغير قادر على تحمل المسؤوليات، ولا هم له إلا تحقيق غاياته الشخصية فقط لذلك تراه يحتكر اتخاذ القرارات ولا يهتم بآراء الآخرين، وعادة لا يترك مجالًا للحوار والتعبير وتبادل الآراء، وهو لا يقدر مشاعر الآخرين ولا يفكر أصلا فيها ولا يتعامل معهم بإخلاص، وغالبًا يكيل اللوم على المحيطين به لأنه يأبى أن يرضخ للاعتراف بأخطائه.

وبمثل هذه الطريقة سيتعامل مع شريكة حياته حتى وإن أظهر معها في بداية علاقتهما قدرًا من اللطف، من أجل كل ذلك يبدو أنه سيكون من الضروري على كل امرأة أن تثق بحقيقة ما تشعر به في دخيلة قلبها نحو مثل هذا النموذج من الرجال الذي ربما تكون قد تعلقت يوما به، ولا تكذب غريزتها أو احساسها الباطني في حقيقة من تفكر في الارتباط به.

التعبير عن المشاعر وشجاعة البوح بمكنونات القلب، من أهم عوامل تحسين العلاقة بين الخطيبين أو الزوجين، وكثير من الأزواج لا يكشفون عن هذه المشاعر سواء خجلًا أو تكبرًا، فيعيش كلا منهما لا يعرف مدى ما يحمله له الطرف الآخر من حب.

وهكذا تمضي السنون في جفاف وجفاء، والعلاج يكون حتما التصريح بالكلمة وهذا مهم جدًا؛ حيث لا يفي التلميح ومن وراء ستار بالغرض المطلوب، والتصريح لا يفقد الرجل شيئا من كبريائه وتعففه، ولا ينقص المرأة شيئًا من عزتها واعتدادها بنفسها، بل إنه يدعم حسن المعاملة ولياقة التصرف ولباقة الحديث، ويوفر كثيرًا من عناء عملية الاجتهاد والتهيئة ولا يترك الشريك فريسة الحيرة القاتلة.

الشعور بالحب النقي الذي يلامس برفق شغاف القلب، هو حاجة نفسية من المهم إجادة التعبير عنها لإشباع حاجة الأزواج إليها، والحب لا يكون فقط بالقلب بل بالجوارح والسلوك، والتعبير عنه فعلا وقولا يزيد العلاقة قوة وعمقا ووقاية من كل تلوث يصيب العلاقة بين الازواج بسبب بعض الأفعال والتصرفات غير المرغوب فيها من الطرف الآخر، فتنكشف في كل الظروف حقيقة ما قد يخيم على العلاقة من غموض مثير للشك والظنون.

كما أنه يعزز شعور كلا منهما بالانتماء إلى الآخر، وهذا الانتماء هو في حقيقته حاجة أساسية لأنه باعث على الطمأنينة والأمان، فحين يشعر كل طرف أنه أصبح جزء رئيسي من الآخر، فهذا يعني ترسيخ مبدأ التكامل بينهما وإشباع حاجة بعضهما للآخر من أجل ضمان النمو النفسي السليم وصولا الى الإستقرار الزوجي والأسري.

الحب يعني رغبة كل طرف في الطرف الآخر تقديرًا منه له واحتراما، ويتضمن في حد ذاته الاستعداد لتبادل الرعاية المخلصة في كل الظروف والمشاركة الصادقة في جميع الأحوال والدعم الإيجابي في مختلف المواقف، فأن يكون الطرفان سكنا لبعضهما يعني مباشرة تبادل المشاعر الدافئة وتعزيز الدعم المعنوي لبعضهما في الملمات والأزمات.

قد يحتاج كل طرف إلى ما يعينه على التوصل إلى صدق التوقع بحقيقة نوايا الطرف الآخر قبل الارتباط به، كما يحتاج إلى الإلمام الواسع بطبيعة شخصيته لتجنب سلبيات الوقوع في خطأ التوقع.

وهذه الحاجة يمكن بلوغها من خلال ملاحظة عدم طاقة الطرف الآخر على إطالة فترة الخصام بسبب ضيقه من استمرار حالة الجفاء والبرود العاطفي المترتب عليها، بل بالعكس يحاول سريعًا إنعاش العلاقة بالتجديد المستمر والبعد عن مسببات الملل والرتابة وتفضيل وسائل تنشيط الحياة بالأفكار الجديدة، وكذلك من خلال تبادل الحوار المتزن بشكل هادئ مع السيطرة الكاملة على الانفعالات وردود الفعل وعدم التسرع في الحكم على الآراء والمواقف، فذلك يوفر أفضل الأجواء للتعبيرعن الحب بالقدر الوافر من الدفء الذي يساعد كثيرًا على تقوية المشاعر بعيدًا عن سوء الفهم من جهة، ومن جهة أخرى يقي الطرفين عذاب تمزيق الروابط الزوجية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: ملامح فارس أحلام المراهقات