صبحة بغورة تكتب: الثقافة العاطفية.. فـن وعلم لحل الخلافات الزوجية

تكاد تدور القضايا الخاصة بالخلافات الزوجية في فلك واحد، وهو أنها ناتجة عن عدم الالمام بمتطلبات الحياة الزوجية، وعدم إدراك الزوجة لمفهوم الثقافة العاطفية، وطبيعة ارتباطها بالحياة الجنسية، وعدم معرفتها طرق حل الخلافات البسيطة التي تحدث في حياتها اليومية؛ فيتخبط الزوجان بين الأسرة والأصدقاء وتفقد الثقافة العاطفية أهميتها كأرض خصبة لحل الخلافات الزوجية.

الخلافات الزوجية

بإرجاع الأمور إلى أصولها، نكتشف أنه بسبب غياب دور الأم الواعية في حياة ابنتها الشابة المقدمة على الزواج، فإن الفتاة تتخبط بين آراء الصديقات والجارات المتضاربة والمضللة عن طرق كسب قلب زوجها.

ولو أدركت الأم طبيعة دورها المهم في حياة ابنتها وضرورة تهيئتها لمواجهة متطلبات دورها الذي ينتظرها كزوجة وأم، لما صادفنا الحجم الكبير من المشاكل والخلافات الزوجية التي تحدث لأتفه الأسباب التي يدفع جهل الزوجين إلى تضخيمها وتكبيرها وتعكير صفو حياتهما وعدم تمتعهم بجمالها، فيدخلان في نفق لا مفر منه ولا سبيل للرجوع عنه وهو الطلاق.

قد يكون من فضائل عصرنا الحديث، فتح المجال واسعا أمام تعليم الفتيات وحصول المرأة على أعلى الشهادات العلمية وتوليها أرفع المناصب الحكومية، ويمثل هذا اعترافا باكتسابها معرفة من المؤكد أنها تفوق كثيرًا حدود وطبيعة معرفة والدتها، ولكن مع ذلك لا يغني هذا عن الاستعانة بخبرة الوالدة في معظم أمور الفتاة الشخصية وأسرارها كأنثى وشؤون حياتها الزوجية.

الفتاة مهما بلغ شأنها وعملها وعلمها بتلك الأمور التي ستتحكم لاحقا في حياتها الجنسية، فإن الخجل وعدم القدرة على المبادرة بالتصريح يطغيان على كيانها ويكبلانها لدى أول مواجهة مع الزوج، وإذا لم يكن لدى الزوج معرفة مسبقة بطبيعة هذه اللحظة الحرجة، وإذا لم يتمكن من تقدير الظروف وأعطى لنفسه الوقت الكافي وحاول بمهارته إزالة الحواجز النفسية وخجلها وارتباكها من وجودها معه، وخاصة عدم تسرعه في تفسير خجلها بأنه عدم استجابة منها له وبأنها نوع من محاولة التهرب منه أو أنها لا تريده زوجا لها؛ فإنه سيتسبب في حدوث رد فعل عكسي يمكن أن يؤثر على العلاقة الزوجية كلها.

لاشك أن المجتمعات العربية بحاجة ماسة إلى قدر كبير من الثقافة العاطفية وإلى الإلمام بالأساليب التي تعين على حل المشاكل على النحو السليم، والتقارب بين الفتاة والأم يساعد على وجود جو من المصارحة بينهما، لتكون البداية المناسبة نحو حل المشاكل الزوجية بالطريقة الصحيحة.

وعلى الأم أن تكون صديقة لابنتها فلا تخجل ــ كما هو واقع في المجتمع الريفي ــ من التحدث معها في الأمور الزوجية وخاصة الأمور الجنسية، التي غالبا ما تكون من الأمور الحساسة ويصعب الحديث فيها مع الفتاة، ولكن بتمهيد الأم وتهيئة الفتاة لتقبل المعلومة؛ يصبح الحديث فيه شيئا مهما بالنسبة للفتاة ترغب في الاستزادة منه للبدء في حياتها الزوجية بشكل مريح للطرفين.

ويبدو أن دور الأم محوري في احتواء ما يطرأ من مشاكل، لأنها هي الأقرب من الفتاة والأعرف والأقدر على الإحساس بما تعانيه ابنتها من مشاكل وهي الأكثر حرصا على عدم إفشاء أسرارها لأي أحد، وهي الأجدر بتوجيه النصح بعدم تضخيم المشكلة ومحاولة استيعابها من مختلف الجوانب؛ للوصول إلى الحل المناسب، وهي الأولى بتعليمها طرق وآداب الحوار المفيد مع زوجها وتعريفها بمختلف الطرق لتهيئة وتغيير الظروف بعد كل مشكلة باختيار الأساليب المناسبة للحوار والقيام بما يحبه الزوج، كالطبخ المفضل عنده والتزين له والتطيب وتغيير أو تجديد ديكور وفرش غرفة النوم، وعمل كل ما يمكن أن يسهم في تخفيف وتهدئة النفوس والتفاهم الهادئ.

قد يهمك: صبحة بغورة تكتب: السعادة هدية الوعي..!

من الأهمية إعادة بلورة أساليب التعامل بين الأزواج على أساس التدريب أولا على مهارات الحوار، والإلمام بمهارات التقدير الصحيح في الموازنة بين الجوانب الحياتية المتنوعة الروحية والثقافية والعالية والوظيفية والاجتماعية للزوجين وبين الاهتمامات الفردية لكلاهما، وكذلك تنمية وعيهم بأهمية توفير فرص النجاح في تحقيق معادلة السعادة من خلال الرضا والقناعة، وعلى أساس أيضا فهم الاختلاف بينهما وطبيعة تأثير الفروق الفردية بين الرجل والمرأة في التعبير عن الضغوط التي يتعرضون لها، وكيفية التنفيس عنها بالحوار الناضج والكلمات الناعمة التي تساعد على تفهم كل طرف للآخر وتقدير حجم الضغط النفسي في طبيعة الشكوى.

لا أحد يدري مدى صدقية المقولة "إذا اختلف الزوجان فابحث عن المال" على أساس أن نسبة كبيرة من المشاكل الزوجية تحدث بسبب المال، هذا بالرغم من أنه حتى في المجتمعات الفقيرة فإن المشاكل الزوجية لا تحدث بسبب قلة المال والتنازع عليه بقدر ما تكون نتيجة عدم القدرة على التصرف الصحيح في إنفاق ما هو متوفر منه. وفي المقابل وانطلاقا من طبيعة مهام ودور الوالدين في الأسرة، هل تصدق فعلا مقولة "البخل عند الرجل صفة ذميمة، وعند المرأة حميدة"؟.

قد تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة وتعقيدات الحياة إلى اضطرار الزوجة في المساهمة في مصاريف المنزل ولكنها لن تقبل تقاعس الزوج عن تحمل مسؤولياته في الإنفاق شحا وبخلا منه.

وإذا كان الزوجان متفقان على نمط إنفاق واحد، فإن ما يتبقى هو مسألة من يدير ميزانية المنزل انفاقًا وعطاءً وتوفيرًا، أما إذا كانا مختلفين في نمط التعامل مع المال وتجاه الموقف منه، فإنه من الأفضل أن يتم حل مشكلة الاختلاف هذه عن طريق التسوية في المراحل المبكرة من الزواج لتفادي تفجر الخلاف بينهما.

إن اختفاء تبادل العواطف الدافئة بين الزوجين وعدم تبادل عبارات الود بين أفراد الأسرة، هو من مؤشرات الأسرة غير الصحية، والملاحظة المثيرة للقلق أن معظم الأزواج يجهلون كيفية التوصل إلى حل للنزاع بينهما، لأنهما لم يتدربا على القيام بمهمة إجراء المصالحة وإنهاء النزاع بالتنازل حتى لا تزيد المشادة وتصبح الحياة جحيما، لأنه غالبًا ما تنتهي المشاجرات الزوجية بهزات عنيفة أو أن أحد الأطراف أراد امتصاص غضب الآخر فيتنازل لاستمرار الحياة، فالتنازل سببه الاختلاف الذي خلق الله تعالى الناس عليه، وما يراه أحدهما ضروريا ولازما قد يراه الآخر ثانويا ولا داعي له.

لذا، لن ينجح الزواج إلا إذا رأى كلا من الزوجين الجانب الإيجابي في الصفات التي لا تعجبه في الآخر وهو ما نسميه التقبل، وحتى تجيد الزوجة الحصيفة فن التنازل، عليها التحكم جيدًا في ردود أفعالها أمام المشاكل التي تعترضها؛ وذلك حتى تزيل مشاعر الغبن والظلم وتراكم الغيظ في النفوس الذي سيشكل مع الوقت حاجزًا بين تواصل حرارة القلوب يمكن أن يؤدي إلى برودة العواطف واختفاء الحب، والطرف الذي يتنازل دائما من طرف واحد سيحصل على رضا الشريك لكن لا يكون سعيدًا.

من المؤكد أن العلاقة بين الزوجين تتطلب تجديد دمائها خاصة عندما تطول فترة الزواج؛ إذ عادة ما تصاب هذه العلاقة بخصائص الروتين بسبب المشاغل والمشاكل فيحدث الفتور العاطفي السلبي، وهنا يكون من الضروري إعادة تأهيل الأزواج بتعريفهم أن الحياة الزوجية بحاجة مستمرة إلى تنمية الوسائل التي تزيد من المودة والمحبة بين الزوجين، وتزويدهم بأساليب تعاملهم مع بعضهم بعضا من أجل تجديد الروابط بين الزوجين والأسرة ككل.

والأزواج في حاجة ماسة إلى اكتساب مهارات خاصة، تساعدهم في كيفية المحافظة على أجواء الأسرة هادئة ومستقرة وأن تكون منبعًا متجددًا للمودة والحب والدفء والحنان، فتحقيق النجاح في الحياة الزوجية من أكبر وأهم التحديات في الحياة. يعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن الأسرة الصحية هي التي بلا مشاكل، ولهذا فمع ظهور أية مشكلة يتولد لديهم إحساس بالخوف من أنها تعني إخفاقهم في القيام بواجباتهم نحو أسرهم.

الحقيقة أن عدم وجود مشاكل داخل الأسرة لا يعني أنه تمثل أسرة صحية فكل أسرة لها مشاكلها والطبيعي أن تمر بمراحل إخفاق من حين لآخر، وأن جميع أفراد الأسرة يواجهون حالات من العصبية والضيق ويعانون من ضغط مشاكل خارجة عن إرادتهم، وأن لكل عضو احتياجاته الخاصة التي يطالب بها ومن الضروري السماح لأفراد الأسرة بأن تكون لهم احتياجاتهم الخاصة.

المهم، أن تكون ثمة قناعة بأن ظهور المشاكل بين الزوجين وداخل الأسرة لا يعني أنها أسرة فاشلة، وثانيًا، تقبل المسارعة بإيجاد الحلول قبل لوم الآخرين ، وثالثا، الإيمان بأنه ليست هناك أسرة مثالية، ولذلك على الزوجين منح الراحة لنفسيهما بعدم التوقع بتحقيق المثالية في حياتهما.

يحتاج بلوغ مستوى جيد من الثقافة العاطفية، توفر قدر مناسب من الذكاء خاصة لدى النساء، فكم من سيدة كانت تدعي أنها تفهم زوجها جيدًا تماما كما تفهم طفلها! ومع ذلك يقع سوء التفاهم بينهما الذي يعود إلى سوء الفهم القابل للتصعيد بسهولة نحو الخلافات الزوجية، أو الانفصال.

والحقيقة أن كلا من الزوجين وخاصة المرأة، كان يعتقد أنه يعرف شيئًا ما عن الشخص الآخر ولكنه فعلا كان يجهله، وسوء الفهم يجعل المرأة تبدو للرجل سيئة الطباع ويعتبر أن سوء الفهم هو السبب الرئيسي للخلافات بينهما، ويتطلب الذكاء العاطفي عند المرأة تعلم فن إزالة التصادم مع زوجها بأن تحسن تقدير ذاته وتمدحه ليزيد تعلق زوجها بها.

من الممكن أن تكون النظارة الواقعية للزوجين إلى خلافاتهما عاملًا من عوامل بعث الحوار والتفاهم إذا أحسنا التعامل معها، فالأسلوب الذي يتبعه الزوجان في مواجهة الخلاف إما أن يعالجه ويقضي عليه، وإما أن يضخمه ويوسع نطاقه بالكلمات الحادة والعبارات العنيفة التي تحدث صدمات وجروح نفسية وعاطفية، كما أن التزام الصمت والسكوت على الخلاف هو حل سلبي ومؤقت له؛ إذ سرعان ما يثور بركان الغضب عند أدني اصطدام.

في النهاية، كبت المشكلة وكتم المشاعر يخلق الضيق في الصدور وهو البداية لتشكيل العقد النفسية، ومن هنا تبرز أهمية أن يتم تحديد أصل المشكلة ، هل هو سوء فهم فقط أم خلاف؟، فالتعبيرعن حقيقة مقصد كل طرف والتصريح بما يضايقه بشكل واضح ومباشر يساعد على إزالة سوء الفهم ومواصلة الحياة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: التوافق مع ضغوط الحياة اليومية