صبحة بغورة تكتب: أول رمضان في بيت الزوجية

يشكل منزل الزوجية الجديد اختبارًا حقيقيًا لكل فتاة تحلم بتأسيس بيتا مستقلا مع زوجها، والاختبار الحقيقي لها سيكون حلول شهر رمضان المبارك في سنتها الأولى؛ إذ عليها أن تثبت مهاراتها في المطبخ التي ستبقى بعد انقضاء الشهر الفضيل في عداد أجمل الذكريات. الكثيرات واجهن مواقف حرجة في أول اختبار لهن في بيوتهن، وكان التحدي الحقيقي هو ضبط الانتهاء من إعداد مائدة الإفطار في وقتها أي قبل سماع آذان المغرب؛ فليس لدى الصائم أي استعداد لتأخير تناول فطوره.

التحدي الثاني، هو ضبط نوع التوابل وكمية البهارات والملح حسب نوع الأطعمة المقدمة؛ لأن عدم تقديرها بشكل جيد يعني مباشرة أن الطعام قد فسد، والإفطار ذهب مع الريح.

وقد يكون من طبيعة تصرفات الزوج في مراقبته لزوجته في المطبخ تأثيرًا محرجًا لها سينعكس مباشرة على اضطراب سلوكها وتخبط تصرفاتها، وقد يبلغ الأمر أكثر سوء عند المقارنة بما كانت أمه تجيده وإشادته المستمرة بطبخها.

ذكريات زوجية

ومن أطرف ما ترويه بعض الزوجات من ذكريات وما مررن به من تجارب نذكر منها ما يلي:

لم تكن إحدى الزوجات على دراية كافية بطريقة تشغيل فرن حديث، فلم تتمكن من إعداد طبق الدجاج المفضل لدى زوجها في الفرن، فاتصلت بأمها مما أثار استياء زوجها منها؛ إذ تأخرت ولم يتم تجهيزه إلا بعد آذان المغرب.

استفادت الزوجة الشابة درسا مهما من هذه التجربة بأنها لجأت إلى طريقة إعداد الوجبات بتجهيز وجبتين في اليوم!.

وتعترف زوجة أخرى موظفة بكل صراحة أنها استغلت عدم اهتمام زوجها كثيرًا بالتنوع في أصناف الأطعمة بقدر حرصه وتفضيله للوجبة اللذيذة مهما كانت بسيطة، فجعلت منه في أول رمضان يمر عليها في بيت الزوجية حقل تجارب تستمد منه خبراتها وتطور من خلاله مهاراتها في فنون الطهي، وحجتها أنها لا تزال زوجة صغيرة وجديدة العهد.

وانقلبت حياة إحدى الزوجات الموظفات بعد زواجها، فبعدما اعتادت الاعتماد على أمها وطعامها لتنصرف إلى دراستها ثم إلى عملها؛ فلم تكن يوما من هواة الوقوف بالمطبخ وإعداد الطعام أو التفنن بالطهي، أصبح المطبخ من إحدى واجباتها كربة أسرة وأصبح عليها أن تنمي مهارة الطهي وتعلم أشياء كثيرة ولو كانت بسيطة، وتدريجيا أصبحت تشعر أن المطبخ سجنها، فلجأت إلى حيلة وهي أخذ ما تحتاجه من طعام الإفطار والسحور من بيت أمها!.

قد يهمك: صبحة بغورة تكتب: العلاقة الحميمية في رمضان بين المحرم والمباح شرعا

إحدى الزوجات الموظفات وجدت صعوبة في التوفيق بين الأعمال المنزلية والمهنية خلال أيام شهر رمضان، ولكنها تغلبت على هذه الصعوبة ونجحت بعد أن تفطنت إلى حيلة وهي أصبحت تنهض باكرا لتناول السحور، ثم تقوم بتحضير طعام الإفطار لليوم التالي مباشرة، وتجد الوقت الكافي لتحضير نفسها للذهاب إلى العمل، ولدى عودتها مساء لن يكون أمامها سوى غسل الأواني وتنظيف المنزل.

واعتمدت إحدى الزوجات الموظفات على تفهم زوجها واستعداده الكبير لمساعدتها في تحضير طعام الإفطار، فلم تجد أي صعوبة في إعداد مائدة الإفطار في الوقت المناسب، ولكنها شعرت بالخوف عندما دعا أهله ضيوفا على مائدة الإفطار، ولم يتسن لها الانتهاء من إعداد وجبة إفطار لعدد كبير من الأشخاص في الوقت المناسب إلا بمساعدة زوجها، وتمكنت من إعداد أنواعا كثيرة من الأطعمة، فحفظ زوجها ماء وجهها أمام عائلته.

وشعرت احدى الزوجات بالألم بعدما فارقت أهلها في أول رمضان يمر عليها متزوجة في بيتها، لم يكن الشهر بالنسبة لها هو الأجمل بسبب تغيير الطقوس العائلية.

فقد اعتادت أن يكون أول يوم رمضان احتفالية كبيرة في عائلتها وسط أخواتها وأزواجهم وإخوانها وزوجاتهم وأولادهم، وبعد زواجها بقيت وحيدة مع زوجها فلم تشعر بحلاوة رمضان في بيت الزوجية ولم تستطع التعايش مع المكان الجديد وطاردتها الذكريات حتى منعتها من الاستمتاع في بيتها، لم تكن المشكلة في الوقوف بالمطبخ ومشقة تجهيز الأكل بقدر ما كنت صدمة التغيير.

مهمة الزوج في مواجهة مثل هذه الحالات في غاية الأهمية لاحتواء دهشة زوجته وإزالة حرجها وتخفيف استغرابها ونزع الخوف من قلبها من احتمال الفشل خاصة في أيام أول رمضان يمر على حياتهما الزوجية، وعليه أن يشجعها ولا يلومها.

كذلك، عليه أن يثني عليها ولا يخذلها أمام الآخرين، وأن يمد يده يساعدها ولا يتركها وحيدة مضطربة في مواجهة الإخفاق، حينها ستحتفظ الزوجة المحبة لزوجها بكامل الفضل وخالص العرفان وبالغ الامتنان على صنيعه، فيكسبها هو لأيامه القادمة معه زوجة ماهرة، وتتمتع هي في جواره بحضوره وسنده القوي. سيحفل أول رمضان يمر في حياة زوجين شابين بأجمل الذكريات، فالتسامي الروحي فيه يدفع الزوجين لمزيد من التراحم فيزداد تعلق كل منهما بالآخر.

وسيقاومان نهارًا وساوس الشيطان حين يكونان بمفردهما، وسيكافحان بصبر وإيمان واحتسابا مشقة الصيام، وسيجاهدان النفس للاستقامة مؤمنين بأن عاقبة المجاهدة الهداية، ستغشاهما البركة والرحمة والغفران، وسيدركان في نهاية الشهر كم كانت أيامه عظيمة وسيتمنيان لو كان العام كله رمضان.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: إحياء التراث في شهر رمضان