صبحة بغورة تكتب: أخطاء الرجل بين النزعة الذكورية والكبرياء الزائف

أجرت العديد من الجامعات الأمريكية والأوروبية تجارب نفسية ودراسات جادة على عدد كبير من الرجال، خضعوا لتجارب اجتماعية وحياتية مختلفة؛ في محاولة لاستنباط معنى القوة والرجولة في اعتقادهم على ضوء ما ارتكبوه من أخطاء عديدة خلال التجارب، ومع ذلك تبقى المرأة هي الأقدر على تحديد أبرز الأخطاء التي يرتكبها الرجال .

ومن خلال دراسة أجرتها جامعة ساسكس Sussex الجامعة البحثية البريطانية، التي اشتهرت بقدرتها على تحفيز الفضول الفكري لدى طلابها وتأهيلهم عبر تجارب فريدة من نوعها لإحداث فرق حقيقي في العالم، تبين أن الكثير من الرجال يرتكبون العديد من الأخطاء الفادحة وهم يعتقدون أنهم يطبقون المعنى الحقيقي للرجولة.

كما تبين أن الغالبية منهم بعد مواجهتهم بأفعالهم لم يعترفوا بها ولا بالممارسات الخاطئة التي ارتكبوها، خاصة وقد تم التأكد من أنهم لم يرتكبوها عن جهل أو بغير قصد بل إنهم لم يعترفو بأخطائهم فقط لأن كبرياءهم منعهم من ذلك لكونهم رجالًا!.

واعتبرت الدراسات أن تأثير النزعة الذكورية المتأصلة في سلوك الرجل أقوى من كونها عادة مكتسبة من المحيط الأسري والبيئة الاجتماعية، كما أنها أكثر رسوخًا في نفسه من مجرد اعتبارها كبرياء زائف، وأن هذه النزعة المتأصلة هي حصيلة تنشئة اجتماعية شكلت العوامل النفسية التي تحكمت في سلوكه اليومي منذ الصغر.

على سبيل المثال، المجتمعات العربية والإسلامية، لا تزال تتعمد التمييز في المعاملة بين الذكر والأنثى وتخضع الطفلة الصغيرة لخدمة أخيها الأكبر والأصغر بكل تفاني ولو على حساب مصلحتها وحياتها، ولا يحق لها الشكوى ولو كانت ضحية ممارسات خاطئة يرفض الكثير من الذكور الحديث عنها أو الاعتراف بها، ناهيك عن عدم تقبلهم تماما الاعتذار عنها.

وفي ذلك تفسر بعض النسوة الأمر بخلاصات موجزة، يحمل مضمونها معاني الاتهام أكثر من مقاصد التوضيح؛ حيث يؤكدن أنه جرت العادة أن تكون الكلمة الأخيرة للرجل بغض النظر عن فداحة أو خطأ القرارات التي يتخذها، وأن الرجال قد يعلمون أن خطأهم كان كبيرًا ونتائجه سيئة، ولكن الإنكار يبدو أنه يساعدهم على تخفيف وطأته على نفوسهم المريضة.

والرجال الذين يرتكبون أخطاء كبيرة، هم الذين يفتقرون للراحة في حياتهم، وحين يحاولون الإفلات من قيود التزاماتهم ويتخلصوا من سير حياتهم الروتينية المملة التي يحيونها، ينتهي بهم المطاف إلى ارتكاب أخطاء يعلمون مسبقا أنه تجاوزت الحد المقبول فيرفضون الاعتراف بها لا شعوريًا وبإيحاء من عقلهم الباطني لتفادي ويلات المحاسبة.

كذلك، لأنهم يعلمون مسبقًا أن الاعتراف بأخطائهم، سيجعل نساءهم في موقف أقوى وأكثر حزمًا، ولكن في المقابل تنفي أخريات صحة اتهام الرجل بعدم الاعتراف بخطئه، ويشيرون إلى أن الرجل المثقف يدرك أهمية الاعتراف بأخطائه وبضرورة العمل على تصحيحها وأنه لا يتراجع عن الإقرار بها، وهو يدرك جيدًا أن الاعتراف لن ينقص من شأن رجولته بل سيعلي قيمته في نظر امرأته وسيكسبه ذلك مصداقية غالية.

وبعض النساء يذهبن بعيدًا في تفسير الموقف بأن الرجل جنسا متفوقا لعدة عوامل، أبرزها أن مجتمعاتنا الشرقية تعلي قدره وتعظم شأن الذكورة، لذلك فكبرياء الرجل المتنامي في دخيلته منذ الصغر لا يسمح له بالتواجد في حالة ضعف أمام امرأته، ولأنه يحب الاحتفاظ بصورته الفوقية وقوامته.

أيضًا، يؤكدن أن الرجل الذي يخطئ ويدرك طبيعة خطأه ومع ذلك يرفض الاعتراف به والاعتذار عنه، هو رجل أناني وتنقصه الثقة بالنفس، وهذا لا يعلي من رجولته بل يضعفها إلى حد التفاهة، ولكن ترفض أخريات التعميم ويربطن الأمر بمدى وعي الرجل وثقافته وما يرتبط بهما من علاقته الاجتماعية والعملية والمهنية ومكانته الوظيفية.

على الجانب الآخر، يستنكر بعض الرجال اتهامهم بأنهم مخطئون لأن معظم الأخطاء سببها النساء، ويؤكدون أن المرأة تريد من الرجل أن يقر بخطأ كانت هي المحرضة على ارتكابه، والرجال غير قادرون على الاعتراف بالخطأ ليس لأنهم أنانيون بل لأنهم يدركون أن المرأة هي بداية ونهاية الخطأ.

ومن أكثر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها بعض الرجال ويرفضون الاعتراف بها: ـ الكذب المتواصل، ومنه يمكن توقع وتفسير ما يترتب عليه من عدم وضوحه في التعامل مع زوجته فيما يخص أموره المالية كراتبه الشهري وكشوف الحسابات البنكية وإقرارات الذمة المالية، وعدم السماح للزوجة بالتدخل في شؤونه الخاصة المادية والعاطفية، والاحتفاظ لنفسه بمساحة من الخصوصية في مختلف أمور الحياة وفي طبيعة علاقاته المهنية وارتباطاته الخاصة. ـ الخيانة الزوجية؛ حيث يبدو متحررًا، لا يشارك في تربية الأطفال ولا يبدي اهتماما أو يقدم رعاية معنوية لهم، يلتزم الصمت المنزلي أو الخرس الزوجي خشية أن يفضحه لسانه ويرفض أن تشاركه زوجته انشغالاته وهمومه ويتجنب الحديث معها عن مجريات أموره اليومية وعن شؤون عمله. ــ الاعتراف بشعورهم بالضعف في بعض الأحيان نتيجة اختلال التوازن النفسي في الشخصية، ومع ذلك يتعاملون مع النساء كجنس ضعيف، ويندفعون إلى اتخاذ قرارات انفرادية متسرعة وخاطئة، ثم يوجهون باللوم لزوجاتهم على النتائج غير المرضية لتلك القرارات. إن مثل هؤلاء الأزواج كمن يريد أن يشكل لنفسه نظام حياة لا يعرفه، فيعرض نفسه للانتحار الاجتماعي بقفزة نحو المجهول حيث لا يوجد امتداد له.

يبدو مما سبق، أن المشكلة برمتها تعود إلى الفتنة الخفية للبيئة التي يشيع فيها ضعف الثقافة الاجتماعية وتسودها ضحالة الوعي الأخلاقي وغياب الوازع الديني، وعدم توفرها كلهم تجعل المرء في حالة غربة نفسية وتفقده الكثير من مقومات الشخصية السوية كالاعتداد بالنفس والثقة، والمصداقية والاحترام، ولن يكون بغيرها أهلا لتولي واجبات الحياة الزوجية والتكفل بأمور التربية ورعاية شؤون الأسرة، ولن يكون بمقدوره أن يعلم أن تحمل مسؤولية الخطأ يسبقه الاعتراف بالخطأ، ولن يتمكن من تقليد نمط حياة الأسر الواعية، المستقرة والسعيدة حوله بوضعه الضعيف إلا إذا استطاع بشجاعة أدبية أن يزيح عن وهمه قشرته السحرية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: المراهقة بين احتياجات التقبل ومتطلبات التعرف