هي أميرة ليست كالأميرات، اختارت أن تنزل من البرج العاجي لتعيش وسط الناس، تسمع شكواهم وتعالج أوجاعهم، وترسم البسمة على شفاه أضناها التعب وتداوي نفوسًا أصابها العطب، فهي أول عمانية تعمل كأخصائية في الصحة النفسية، فأسست عيادة همسات السكون، كأول عيادة متخصصة في الصحة والإرشادات النفسية، وعاشت لحلم أن تنشر السلام والسكينة في المجتمع.
وهبت حياتها للعمل العام، ودشنت العديد من المبادرات البناءة التي تخدم الطفل والمرأة والشباب.. إنها صاحبة السمو السيدة بسمة بنت فخري آل سعيد؛ التي شرفت "الجوهرة" بالحوار معها في رحلة إبحار في النفس البشرية وصحة المجتمع..
ـــ لم تخصصتم في الصحة النفسية ؟ وما أهمية هذا التخصص في عصرنا هذا؟
التخصص في الصحة النفسية كان حلم مهم من أيام المدرسة، حيث كنت أقرأ عنها كثيرًا، أقرأ لفرويد، أقرأ عن الثقه بالنفس ، وكيف تساعد الآخرين، وكنت أحب سماع مشاكل زميلاتي، ودائمًا ما أساعدهن في حل مشاكلهن، و بعد أن دخلت الجامعة، عارض والدي دراستي لعلم النفس، لأن الثقافة السائدة وقتها أن هذا تخصص مرتبط بالجنون، فدخلت كلية علوم الحاسب، ثم تغلبت إرادتي وحولت وجهة الدراسة إلى علم النفس بالجامعة الأردنية في عمان.
علم النفس شيء مهم لكل العصور، لأن لكل عصر مشاكله، لكن عصرنا يتميز بالاهتمام والوعي المتزايد بعلم النفس، ربما بسبب الحروب الكثيرة، رغم أن الحروب كانت موجودة في كل العصور، لكن في رأيي أن التكنولوجيا وانتشارها الواسع، قد أثرت على أنماط حياتنا، وبالتالي أثر على نفسيتنا.
ــ وكيف يمكن رفع الوعي بالصحة النفسية ؟
رفع الوعي للصحة النفسية هام جدًا من خلال الحملات والمبادرات التي تنشر التوعية، والتحدث عنه كثيرًا شئ مهم، ولكن يجب أن نستخدم طرق مبتكرة وجديدة، وليس طرقًا تقليدية.
كما يجب الاهتمام بالأبحاث والدراسات العلمية، ويجب أن يكون هناك اهتمام بالتوعية من قبل كل وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الجديدة، ومن الجميل أن تقوم المدارس بدورها، وتخصص حصة معينة للحديث عن الصحة النفسية، لأنه من المهم أن يعرف الإنسان منذ الصغر أهميتها.
كما أن انتشار ورش عمل للصحة النفسية بطريقة مبتكرة توصل للأذهان بطريقة واضحة، سيساعد في نشر التوعية بالصحة النفسية.
ــ أطلقتم مبادرة "نحن معك" في عمان والخليج العربي، ما الهدف من هذه المبادرة؟ وما أهميتها في مساعدة ومساندة المرضى النفسيين؟
"نحن معك" هي أول حملة من نوعها في الدول العربية، حملة لنشر ثقافة الصحة النفسية، وتقديم منهج شامل، أطلقت منذ خمس سنوات، وإن شاء الله هي مستمرة معنا للسنة السادسة، فكثير من المرضى الذين كانوا يترددون على العيادة، كانوا يقولون لي كلمة واحدة: "هل في حالات مرضية مشابهة لي ولا أنا لوحدي!" .
فانطلقت كلمة "نحن معكم"، كي نثبت للجميع أنك لست وحدك، وأن كثيرًا من الناس يمرون بنفس الحالة التي تمر بها، وتم إقامة فعاليات توعوية وتوفير خدمات الرعاية والإرشاد النفسي لكل أفراد المجتمع، استعنت فيها بمشاهير المجتمع العماني للترويج للمبادرة، وذلك لتغيير الفكرة العامة عن الصحة النفسية. بدأنا بإنتاج فيديو عُرض باللغتين العربية والانجليزية، شارك فيه شخصيات مجتمعية فعالة ومعروفة من العائلة المالكة، والوزراء، والمدرسين، والموظفين، والأطفال من كل الأجناس من العمانيين والمقيمين في السلطنة، ما أضاف قيمة وقوة للرسالة الجّلية والواضحة ”أنت لست وحدك، نحن معك في معاناتك“، كان الهدف أن نصل برسالة للجميع أن كلنا معرضون للإصابة بحالة نفسية سواء القلق أو الاكتئاب في مشوار حياتنا.
في السنة الثانية بدأنا ننشر قصص "نحن معك"، وهي قصص حقيقية لأناس يروون تجربتهم مع المرض النفسي، و نحن كجمهور نستمع إليهم ونشاركهم، بعدها قمنا بعمل مسابقات في الفن لكل أنواع الفنون، منها: الرسم، الكتابة، القصص، الشعر، لإنتاج أعمال تسهم في نشر الوعي بالصحة النفسية.
ثم انتقلنا إلى عمل القوافل من "مسندم إلى صلالة"؛ لنشر الوعي بالصحه النفسية في جميع أنحاء السلطنة، كما تم تنظيم عدد من وِرش العمل بهدف تبادل الحوار ونشر التوعية في مواضيع مهمة، مثل: التنمُر والإدمان، إضافة إلى تقديم محاضرات للبالغين وأولياء الأمور؛ لرفع مستوى الوعي حول الصحة النفسية، وقدمنا جلسات علاجية كجزء من تقديم المساعدة والاستشارات الفورية للفئة المحتاجة.
ثم عملنا برنامج مسابقات ولكن بطريقة نفسية، كان عبارة عن مسابقات حول كيف ننشر الوعي بالصحة النفسية، وكان في حكام وجوائز للثلاثة الأوائل .
ثم انتقلنا لموضوع التنمر، وتحدثنا في كل مدارس السلطنة عن التنمر، والآن نحن بصدد أن نعمل مرة أخرى قصص "نحن معك" بطريقه أكبر وفي كل دول الخليج إن شاء الله.
ــ نظمتم عدد من الرحلات النفسية "للنساء فقط"، ما أهمية هذه المبادرة للمرأة ؟
الرحلات النفسية هي للرجال والنساء، لكن ركزنا على النساء بصورة أكبر لإيماننا بأنه إذا كانت المرأة بصحة نفسية وبدنية جيدة، سيكون البيت والأسرة بصحة جيدة كذلك، وقد قمنا إلى الآن بأربع رحلات ثلاثة منها في السلطنة، وواحدة إلى سريلانكا، والآن نحن ذاهبون إن شاء الله إلى زنجبار. وهذه الرحلات النفسية تجمع ما بين الصحة النفسية وجمال الطبيعة والاتزان بين الصحة والتفكير، والتعلم من الثقافات الأخرى، كما نتعلم من الطبيعة الاتزان النفسي بطريقة عملية، وليس فقط من خلال المحاضرات النظرية، من خلال الطبيعة وثقافات الشعوب الأخرى ومن خلال التاريخ، وأيضًا المشي والرياضة والأكل الصحي الجيد، كل هذه الأشياء نهتم بها في هذه الرحلات، وقد رصدنا منها نجاحًا كبيرًا، ونحن مستمرون في هذا الرحلات، ونتمنى أن تشارك معنا نساء من كل الدول، كي يكون هناك تبادل للمعرفة والثقافات، وتتحقق الصحة النفسية الجيدة لكل النساء إن شاء الله.
ــ في ظل الضغوط الحياتية التي تعيشها المرأة؟ كيف تحافظ على صحتها النفسية؟
في ظل الضغوطات الحياتية لابد أن يكون لدى المرأة شئ يسمى الاتزان، وأن تتواجد مساندة من الزوج والأبناء، فلاحظنا كثيرًا أن المرأة لديها روح التحدي والإصرار والرغبة في أن تفعل كل شئ بنفسها، وكلما تطورت الحياة وتقدمت المرأة في عملها، زاد لديها الحس بضرورة إثبات ذاتها بالمزيد من العمل والاعتماد على النفس وإثبات نفسها أمام الرجل، وتسعى لإنجاز كل شئ من واجبات المنزل والأطفال والأهل، وهذا صعب جدًا بالطبع، لا أحد يستطيع فعل كل شئ مرة واحدة، وهذا هو نصف الضغوطات التي تتعرض لها المرأة، وهي سبب رئيس لمتاعب المرأة.
ويجب أن تعي كل امرأة أن التكوين الجسدي لها يختلف عن تكوين الرجل، فعليها أن توازن بين الأمور، وأن تعترف بأنها لا تستطيع أن تفعل كل الأشياء، ولا بد من فئات مساعدة، وبهذا نرفع نصف الضغوطات عنها، وتكون بصحة نفسية جيدة.
ــ المرأة العاملة .. كيف تتقي مخاطر الضغوط التي قد تتعرض له من وراء العمل؟
المرأة العاملة دائمًا في سباق مع الرجل، رغم أنه في أحيان كثيرة لا يوجد داع لهذا السباق، ونرى أن المرأة عندما تكون رئيسة تكون أقسى من الرجل لتثبت قوتها وقدرتها، وننصحها بأن هناك طرق أفضل لإثبات الذات بعيدًا عن الضغوطات النفسية، ولابد لها من توزيع المهام على المرؤوسين، وألا تصر على فعل كل شئ بنفسها، ويجب أن تعرف حقوقها والتزاماتها، وتنظم وقتها بين العمل والأسرة، وتولي نفسها الاهتمام وأن توفر الوقت للراحة والهدوء وتحافظ على صحتها واتزانها النفسي.
ــ هل الصحة النفسية تؤثر على الجمال؟
بالطبع، الصحة النفسية تؤثر على جمال الإنسان، فالوجه هو مرآة للصحة النفسية والجسدية، فالسهر والأرق والخوف والقلق كلها تظهر على الوجه، فالهالات السوداء مردها قلة النوم، والحبوب التي تظهر في الوجه سببها القلق، كما أن الضغوطات تؤثر على تناول الطعام بطريقة خاطئة، مثل أن نأكل بشراهة فنصاب بالبدانة، أو لا نأكل فنصاب بالأنيميا والنحافة، وبالتالي تتأثر صحتنا النفسية.
كما أن كثيرًا ممن يلجأون لجراحات التجميل بدافع عدم الثقة في النفس وجمال الوجه، ما يؤثر على الجمال الطبيعي للإنسان.
ــ نظمتم أول مبادرة شبابية "الهمني" ما الهدف منها؟ وما مدى نجاحها؟
هذه المبادرة من المبادرات الناجحة، جاءت من منطلق أننا دائمًا ننتظر أن يتخرج الشباب ويكبر ويلتحق بالعمل، ثم نأتي لنحدثه عن الإلهام والقيادة وريادة الأعمال، فقررنا إطلاق مبادرة "الهمني"؛ لنخاطب طلاب المدارس الثانوية والجامعات من خلال مدربين محترفين وشخصيات مجتمعية من أصحاب قصص النجاح الحقيقية لإلهام الطلاب، وإكسابهم شغف ريادة الأعمال والقيادة، وإن شاء الله سنطلق دورة جديدة من "الهمني" خلال هذا الصيف.
ــ الطفل العربي .. شديد الذكاء لكن سرعان ما يخفت أو يختفي هذا التوهج .. لم؟ وكيف يمكن لنا علاج هذا؟ وإعداد قادة المستقبل؟
أرى أن النظام الدراسي غير محفزة للأطفال، والمناهج نظرية أكثر، وطرق التدريس تعتمد على التلقين والحفظ وليس الفهم والتحليل والاستنباط، وإذا لم يحفظ الطفل فهو فاشل، كما أننا نعتمد على جانب واحد من العقل وهو الجانب العلمي، متناسين أنه قد يكون التلميذ غير متميز في مواد الرياضيات والعلوم لكنه مميز جدًا في المواد الأدبية أو الفنية.
لذا أرى أن طرق التدريس يجب أن تتغير في مدارسنا لتكون أكثر تحفيزًا وأكثر متعة وأكثر إبداعًا وابتكارًا، بحيث تجعل الطفل أكثر شغفًا وتعطشًا للدراسة، ويجب أن تجاري العملية التعليمية هذه الثورة التكنولوجية السريعة والمتلاحقة، والتي تصبغ الأجيال الجديدة، فنرى الأطفال أكثر ذكاءً وتعاملًا معها، ودور المدرسة أن تخلق منهم صناع للتكنولوجيا لا متعاطين لها فقط، كما نحن الكبار، كما يجب أن تكون مناهج وبرامج القيادة في المدرسة لتعليم الأطفال منذ الصغر لنصنع قادة المستقبل، لكي يسهم الأطفال في صنع مستقبل أكثر إشراقًا لوطنهم إن شاء الله.
ــ المرأة العربية تعيش حالة التشتت بين هويتها العربية والثقافة الوافدة في الملابس والأكل والاهتمامات .. ما تأثير هذا عليها وعلى الأسرة والمجتمع؟
بالفعل المرأة العربية تعاني تشتتًا بين القديم والجديد، بين الهوية العربية والثقافات الوافدة، بين ماتربت عليه من عادات وتقاليد صارمة ومحافظة وبين نمط الحياة الغربية الأكثر انفتاحًا، وطوال الوقت هي في وجه مقارنة وصراع بين الذات والآخر.
وأنا أرى أن الإعلام له دور كبير جدًا في هذا التشتت، فهو يملي على المرأة أنها لابد أن تتحدث بشكل معين، وتظهر بشكل معين، وترتدي ملابس معينة، ولا يتحدث عن الصحة النفسية وأهميتها بطريقة جميلة ومبتكرة.
ويجب علينا جميعًا من خلال كل وسائل الاتصال بما فيها الإعلام أن نكسب المرأة العربية الثقة في هويتها العربية وفي ذاتها وتاريخها وحضارتها وعاداتها وتقاليدها المجتمعية وأيضًا في لغتها وملابسها وكل ما يتعلق بها، وليس معنى كلامي أن نعتزل الثقافات الأخرى، ولكن لنأخذ منها الأشياء التي تناسبنا وتنفعنا، ونتجنب الأشياء التي لا تناسبنا أو تفيدنا.
ويجب أن نتوقف المرأة عن المقارنة سواء مع قريناتها أو مع ما تشاهده على الشاشات أو الإنترنت، وأيضًا يجب على الرجال الذين يقولون لزوجاتهم: انظري لهذه ولذاك، أن يتوقفوا عن هذا تمامًا، لأنه يفقد المرأة الثقة في النفس، ويتسبب في متاعب نفسية كبيرة، وتكون عواقبه وخيمة على الأسرة والمجتمع.
ويجب أن يعي الكل أن صحة المجتمع العربي تبدأ من الصحة النفسية للمرأة العربية، فيجب أن نهتم بصحة المرأة، وهي فتاة وزوجة، وهي حامل وهي أم وجدة.
ــ أين تقف المرأة العمانية؟ وهل أخذت حقها الكامل من التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟
أقول بكل فخر وصدق؛ الحمد لله في ظل وجود صاحب الجلالة السلطان قابوس؛ وإيمانه بقدرات المرأة العمانية، فهو يمثل المرأة العمانية بأنها الجناح الآخر للطير الذي يحلق في السماء من أجل عمان، وبدونها لن يحلق الطائر عاليًا.
المرأة العمانية أخذت حقوقها الكاملة، وفي طريقها للمزيد، فهي متواجدة وحقوقها متواجدة ليست على الورق ولكن في الواقع، فها هي المرأة وزيرة وسفيرة ونائبة وسيدة أعمال ومبدعة وطبيبة ومهندسة ومسئولة.
وأدعو المرأة العمانية للعمل والتقدم وإثبات الذات، والأخذ بتلابيب الفرص المتاحة في ظل الدعم والمظلة السياسية الكبرى من جلالة السلطان.
ــ حصلتم على العديد من الجوائز والتكريم.. ما أهمها وأحبها بالنسبة لكم؟
الحمد لله حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات من السلطنة ومن دول عربية شقيقة، منها: امرأة العام، المرأة المثابرة، والمرأة المثابرة لحماية الطفل، وهي نتاج حملة لحماية الأطفال من التحرش، وحصلت على دكتوراه فخرية تقديرًا لمبادرات شبابية ومجتمعية.
هذه الجوائز جميلة جدًا، ومحفزة لأن أعمل أكثر وإنجاز مهمات أكثر، وتلقي المزيد من المسئولية والواجبات تجاه المجتمع العماني والعربي.