حينما يتحول الحب إلى ضغط خفي.. “أريد أن يكون ابني أفضل” هل نقولها بوعي؟

في كل بيت، تتردّد عبارة تحمل في ظاهرها الحب والاهتمام، لكنها قد تخفي في باطنها عبئًا نفسيًّا ثقيلًا: “أريد أن يكون ابني أفضل”.

وتقال بنبرة الحنان أحيانًا، وبنبرة القلق أحيانًا أخرى، لكنها في النهاية تلامس وجدان الطفل بطرقٍ مختلفة. فهل ندرك، حقًا، ماذا تعني هذه الجملة في أذن صغيرٍ يسمعها كل يوم؟ وفقًا لما ذكرته “healthline”.

الحب.. بين النية الطيبة والنتيجة المؤلمة

الأم أو الأب حين يقولان: “أريدك أن تكون أفضل”، لا يقصدان الأذى؛ بل يدفعهما الحبّ والخوف على المستقبل. لكنّ الأطفال لا يسمعون النوايا؛ بل يسمعون الكلمات. حين تتكرر هذه العبارة بصيغة المقارنة أو التوبيخ، تتحول تدريجيًا من رسالة دعم إلى إعلانٍ خفيّ بعدم الرضا.

حينها، يبدأ الطفل في الشعور بأنه مهما فعل، لن يكون كافيًا، أن كل نجاح يحتاج نجاحًا أكبر ليحظى بالقبول. وهنا يبدأ الضغط الداخلي الذي يولّد القلق، وفقدان الثقة بالنفس، أو حتى التمرّد الصامت.

أطفال اليوم.. يعيشون في سباقٍ لم يختاروه

وتقول الدكتورة نجلاء السلمي؛ أخصائية التربية: “الأبناء اليوم محاصرون بتوقعات عالية من الأسرة والمدرسة والمجتمع. يريد الجميع منهم أن يكونوا “الأفضل” دون أن يفسر أحد ماذا تعني الأفضلية أصلًا”.

هذا الضغط المتواصل يجعل الطفل يعيش داخل دائرة مقارنة مستمرة: لماذا زميلي متفوق أكثر؟ لماذا أختي أكثر التزامًا؟ لماذا لا أصل لما يريده والداي؟ وتصبح النتيجة جيلًا يركض نحو الكمال بدل السعادة، ويحاول إرضاء الآخرين قبل أن يكتشف ذاته.

البديل الإيجابي.. حين يتحوّل النقد إلى رعاية

القضية ليست في الرغبة بأن يكون الابن أفضل؛ بل في الطريقة التي نعبّر بها عن تلك الرغبة. يمكن للجملة ذاتها أن تكون بناءً أو هدمًا، تبعًا لنغمتها وسياقها. فهناك فرق بين “أنا عايزاك تكون أفضل، لأنك مقصّر”، و”أنا مؤمنة إنك تقدر تكون أفضل، وأنا هكون جنبك لحد ما نوصل”. الأولى تحمّله ذنبًا، والثانية تمنحه ثقة.

حين نبدّل صيغة اللوم بصيغة المشاركة، يتحوّل الطفل من “موضع اتهام” إلى “شريك في التطور”.

لغة الحب.. أقوى من لغة الضغط

الحبّ لا يعني التساهل، لكنه لا يحتاج القسوة ليثبت ذاته. في التربية الواعية، هناك قاعدة ذهبية: “أثنِ على الجهد، لا على النتيجة”. حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ۝).

فبدلًا من قول: “لماذا لم تأخذ الدرجة الكاملة؟” قولي: “أنا فخورة بمجهودك، المرة الجاية هنراجع سوا ونحاول نوصل لهدفنا”.

هكذا يتعلّم الطفل أن القيمة في المحاولة، لا في الكمال. وأن الإخفاق ليس عيبًا؛ بل جزءًا من النموّ والتجربة.

وفي النهاية، ليست المشكلة في الحلم بأن يكون أبناؤنا أفضل، فالأمنيات جزء من فطرتنا كآباء وأمهات. لكن الخطر يبدأ حين نحمّلهم ثقل طموحاتنا غير المنتهية، أو نربط حبنا لهم بالإنجاز فقط. فلنكن عونًا لهم، لا عبئًا عليهم. ولنستبدل السؤال القاسي: “لماذا لم تكن أفضل؟” بالسؤال الدافئ: “كيف أقدر أساعدك تبقى أفضل؟”.

عندها فقط، سنرى أبناءً لا يسعون لإرضائنا، بل يسعون ليصبحوا نسخهم الأجمل، بثقةٍ ومحبةٍ ووعي.

الرابط المختصر :