«أعمدة الرجاجيل» بالـ«جوف».. بوابة إلى علم الفلك والهندسة في العصر الحجري

أعمدة الرجاجيل بالجوف.. بوابة إلى علم الفلك والهندسة ما قبل التاريخ
أعمدة الرجاجيل بالجوف.. بوابة إلى علم الفلك والهندسة ما قبل التاريخ

يمثل موقع أعمدة الرجاجيل الأثري في منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية شاهدًا هندسيًا وحضاريًا فريدًا يمتد جذوره إلى عصور ما قبل التاريخ، وتحديدًا أواخر العصور الحجرية (ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد). هذا الموقع، بما يحويه من أعمدة حجرية منتصبة، لا يقدم دليلاً على وجود حضارات سابقة فحسب، بل يشير إلى مستوى متقدم من القدرات الذهنية والهندسة المعمارية لدى منشئيه.

أعمدة الرجاجيل بالجوف.. بوابة إلى علم الفلك والهندسة ما قبل التاريخ

أسرار الرجاجيل: مراصد فلكية واستشفائية

بحسب “marefa” كشفت دراسة حديثة أجرتها باحثة الآثار بجامعة الملك سعود، منيرة علي المشوح، أن الأعمدة الحجرية المنتشرة في شمال غرب المملكة. ومن ضمنها الرجاجيل، لم تكن مجرد شواخص، بل كانت تستخدم كمراكز للممارسات الرمزية والعقائدية. ومواقع للاستشفاء ومعالجة المرضى، إضافة إلى كونها مراصد فلكية بالغة الدقة.

وقد تتبعت المشوح ملامح 21 موقعاً للأعمدة الحجرية في المملكة، وتوصلت إلى أن موقع الرجاجيل يصنف ضمن المواقع الأثرية الفلكية النادرة عالميًا، مثل ستونهنج في بريطانيا ونبتا في مصر. هذه المواقع تشترك في خصائص هندسية مذهلة:

  • الاصطفاف الدقيق: جميعها مصنوعة على زاوية مقدارها 180 درجة.
  • التوجه الشمالي-الجنوبي: لديها اصطفاف دقيق تجاه محور الشمال الجنوبي، ممتدة على طول نجم القطب الشمالي “الجدي ضمن كوكبة الدب الأصغر.
  • التزامن التاريخي: تعود غالبية هذه المواقع إلى فترات زمنية متقاربة، يصل عمر بعضها إلى حوالي 9 آلاف سنة قبل الميلاد.
أعمدة الرجاجيل بالجوف.. بوابة إلى علم الفلك والهندسة ما قبل التاريخ

تؤكد هذه الهندسة الدقيقة لتخطيط الرجاجيل مدى التواصل الحضاري المتقدم الذي كان قائمًا في عصور ما قبل التاريخ.

ارتباط الرصد الفلكي بالثورة الزراعية

تشير الباحثة إلى أن الهندسة الدقيقة لموقع الرجاجيل، وتوجهات أعمدته، تعكس فهمًا عميقًا لعلوم الفلك. وقد توصل باحثون أوروبيون إلى أن هذا النوع من المنشآت الأثرية يرتبط بوجود اصطفافات فلكية دقيقة، وهي ظاهرة يصعب تجاهلها، خاصة وأن أغلب هذه المنشآت تنتمي إلى عصر الثورة الزراعية.

في تلك الحقبة، كانت النشاطات الزراعية بأكملها، من تهيئة الحقول وبذر البذور إلى مرحلة الحصاد، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفصول والأنواء (الطقس). لذلك، لم يكن غريبًا أن تظهر آثار واضحة لعلم الفلك تعود إلى تلك المرحلة، حيث كانت الأعمدة الحجرية تعمل كـشواخص شمسية أو مراصد لتحديد أوقات الزراعة والحصاد. وتظهر الشواهد الأثرية في الرجاجيل، مثل الدوائر الحجرية والأعمدة، نماذج واضحة لمراصد ما قبل التاريخ، حيث كانت تستخدم علامات على امتداد محور الرائي لتحديد موضع محدد للراصد نحو الأفق السماوي.

تكوين الموقع ونمط الحياة القديم

يتكون موقع الرجاجيل من حوالي خمسين مجموعة من الأعمدة الحجرية المنتصبة، وهي منحوتة من الحجر الرملي. تتشكل كل مجموعة من ثلاثة إلى سبعة أعمدة، ويصل ارتفاع بعض الأعمدة القائمة إلى أكثر من ثلاثة أمتار بسماكة تبلغ نحو 60 سم.

ويشير هذا الموقع إلى نمط الحياة الذي كان سائدًا في المناطق الداخلية من الجزيرة العربية، الواقعة جنوب صحراء النفود، حيث استمر الوضع الاقتصادي حتى الألف الثاني قبل الميلاد قائمًا بشكل أساسي على رعي الماشية (الماعز والأبقار والأغنام)، بالإضافة إلى الاعتماد على ممارسة الصيد.

إن أعمدة الرجاجيل بالجوف هي إرث حضاري عظيم، يفتح نافذة على عبقرية الإنسان في عصور ما قبل التاريخ وقدرته على تسخير علم الفلك لخدمة الحياة اليومية.

الرابط المختصر :