آمال المعلمي نائب الأمين العام للحوار الوطني: أكثر من 70% من التوصيات تم تنفيذها

سَعت من خلال عملها ونشاطاتها المختلفة إلى نشر ثقافة الحوار والتعايش بين كافة أفراد المجتمع، وحماية النسيج المجتمعي والحفاظ على اللحمة الوطنية، وتعد مثالًا ناصعًا للسعوديات الوطنيات اللائي تبوأن مناصب قيادية رفيعة، ونجحن من خلالها في تحقيق إنجازات عديدة داخل وخارج الوطن.. إنها السيدة "آمال المعلمي"؛ نائب الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.

وفي حوارها لمجلة "الجوهرة" تطرقت "المعلمي" إلى العديد من المحاور حول مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وقضايا المرأة، فكانت هذه الإجابات الوافية..

*بداية نود التعرف أكثر على آمال المعلمي؟

- أنا سيدة سعودية نشأتُ وترعرعت في خير هذا البلد، تعلمتُ في المدارس الحكومية وتخرجت في جامعة حكومية، واكتسبتُ خبرات ومعارف من خلال عملي في وزارة التعليم السعودية، وانعكس كل ذلك في ما أقدمه الآن عبر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.

وأعتقد أن الإنسان كلما كان مرتبطًا بثقافته المحلية وقريبًا من مجتمعه؛ يكون قادرًا على صناعة التغيير وترك أثر إيجابي في المجتمع، والمحلية برأيي هي بوابتنا للعالمية، فتمسكنا بتراثنا وثقافتنا وعقيدتنا ومنهجنا هو ما يضيف للبشرية وللإنسانية، وليس استنساخ تجارب الآخرين، فمهما حاولنا ومهما سعينا لن نكون بجودة الأصل، وأنا أستغرب لمن يتباهون ويقدمون أنفسهم بأنهم درسوا أو ولدوا أو عاشوا بأمريكا وأوروبا، وكأن ذلك جزء من السيرة الذاتية.

*ما هي أبرز نشاطات مركز الحوار الوطني؟

- نشاطات المركز متعددة، ولعل أبرز ما نركز عليه حاليًا هو حماية النسيج المجتمعي والحفاظ على اللحمة الوطنية، وفي سبيل ذلك نهتم بالحوار بين أفراد المجتمع بكل طوائفه ومذاهبه، ولدينا مشروع "نسيج" للحوار المجتمعي بالمنطقة الشرقية، وهو برأيي من أهم المشاريع الحالية، ويسعى لنشر ثقافة التعايش وتفضيل الوطن، وهو موجه لطلاب الثانويات والجامعات من الجنسين، ويسعى لعمل مشاريع وبرامج خدمية وتطوعية لخدمة المنطقة، برعاية من أمانة الشرقية ووزارة التعليم، وبحمد الله وجد مشاركة كبيرة.

وهناك أيضاً مركز استطلاع الرأي العام، وهو مركز فريد من نوعه وهو المركز الوطني الوحيد لإجراء استطلاعات الرأي العام، كذلك يقوم المركز بإجراء الدراسات والبحوث لوضع مؤشرات لمختلف القضايا، مثل مؤشر التعايش ومؤشر التلاحم، والآن نعمل على مؤشر التعصب الرياضي ومؤشر المرأة، فنحن نسعى من خلال الدراسات البحثية والميدانية لبناء مؤشرات تعيين صاحب القرار.

ولدينا برامج متعددة للشباب، مثل: منصة "إثنينية الحوار" وهي منصة اسبوعية للشباب للحوار، بالإضافة إلى قافلة الحوار، وورش لتمكين الشباب من تحويل مبادراتهم إلى خطط عملية قابلة للتطبيق وإيصالهم للجهات المعنية بتنفيذها، كذلك نعمل على تمكين المرأة للقيام بدورها التنموي في رؤية 2030 وإبراز الصورة الحقيقية للمرأة السعودية، ونسعى لربط النساء في المدن الصغيرة والقرى بالحركة التنموية التي تشهدها المدن الكبيرة وبأهداف رؤية المملكة 2030.

*كيف ترين خطوات تمكين المرأة السعودية حاليًا؟

- منذ تأسيسه ظل مركز الحوار الوطني مراعيًا لتمكين المرأة وتمثيلها بشكل متساوٍ بين الجنسين، وتم تمكين المرأة في مواقع قيادية داخل المركز وفي صنع القرار، مثلًا: منصب مساعد الأمين العام بمركز الحوار الوطني أنا أشغله منذ العام 2004، فنحن سبقنا جهات أخرى كثيرة في تمكين المرأة، ونتطلع للمزيد مستقبلًا.

وبصورة عامة أعتقد أننا تجاوزنا مرحلة التعامل مع المرأة كفئة مستضعفة تحتاج لدعم خاص، وأعتقد أيضًا من تمكين المرأة أن ننظر إليها كعنصر طبيعي من مكونات المجتمع، وأن نتوقف عن مسألة إحصاء عدد النساء في تلك الجهة أو هذه الوزارة وهكذا.

إذا اتفقنا بأن المرأة بدأت في طريق التمكين الحقيقي عبر حزمة من الأنظمة والتشريعات التي ساعدت في تمكينها من حقوقها وتفعيل دورها التنموي؛ فيجب حينها الانتقال إلى مرحلة أخرى من تمكين فئات أخرى في المجتمع، مع استمرارية تطور المرأة، لأن تسليط الضوء على فئة واحدة وتضخيمها قد يخلق عدم توازن في المجتمع.

*بعد عشر سنوات على إطلاق مركز الحوار الوطني، كيف ترين ثماره وأثره على المجتمع؟

- من الأشياء المهمة التي يجب أن يعرفها الناس أو المجتمع، أنها جهود لا يمكن أن تقاس بانتهاء اللقاء الوطني، وهذا ما يجعل مهمتنا أصعب؛ فنحن لسنا جهة تنفيذية أو تشريعية، بل ندير لقاءات وطنية نجمع فيها أطياف من المجتمع للتباحث حول قضايا معينة، ودورنا هو أن نوصل هذه المعطيات والتوصيات إلى صانع القرار، ومن هناك تنتقل إلى جهات أخرى ليس لنا بها علاقة مباشرة لا رقابية ولا تحفيزية ولا تشريعية؛ لتفعيل هذه القرارات.

*ولكن ربما كان البعض ينتظر منكم دورًا أكبر من ذلك؟

- بالفعل في فترة سابقة سبب لنا هذا الأمر كثيراً من الحرج، ويبدو أن سقف توقعات الناس لمخرجات الحوار كان عالي جدًا، بينما كان الهدف الأساسي للحوار الوطني هو نشر ثقافة الحوار، وجمع الأطياف المختلفة في المجتمع السعودي حول طاولة الحوار، وتناول القضايا المجتمعية من منظور وطني يجمعنا جميعا حول طاولة الحوار للنقاش حول قضية معينة، وما ينتج بعد ذلك هو ليس دور الحوار الوطني، بل دور جهات أخرى مثل مجلس الشورى ومجلس الوزراء وغيرها.

*كيف إذن تقيمون أداء الحوار الوطني في الفترة السابقة؟

- بعد مرور عشر سنوات لإطلاق الحوار الوطني، سعينا لعمل دراسة لقياس الأثر الذي أحدثه، وبحمد الله وجدنا أن 72% من التوصيات التي خرجت من الحوار الوطني وجدت طريقها إلى النور.

وأعتقد أن ذلك سببه يرجع للقيادة السياسية في المملكة لأنها على تماس مع الحراك المجتمعي، وهي تعي ما يطلبه الناس وما يشعرون به وما يرغبون في تحقيقه، وتعرف آمالهم وتطلعاتهم.

كل ما في الأمر أن هناك أولويات، وهناك معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية قد تؤخر بعض الأمور وتقدم أخرى.

*ما هي أهم توصيات الحوار التي تم تنفيذها؟

- بشكل عام يمكنني القول إن هناك كثير من توصياتنا تحققت، وأشير تحديدًا إلى اللقاء الثالث الخاص بالمرأة؛ حيث كانت هناك 42 توصية، وقبل خمسة أشهر راجعت هذه التوصيات فوجدت أن ما تحقق أكثر من الـ 42 توصية التي طالبن بها النساء في اللقاء الثالث في العام 2005.

إذًا نحن نحقق التغيير ونساهم في صناعته، ومن خلال المركز الوطني لقياس الرأي العام نقيس نبض المجتمع ونرفع للوزارات المختلفة آراء المجتمع حول قضايا معينة، وبعض هذه الجهات تطلب منا القيام بعمل استطلاع رأي عام بخصوص قضية معينة لاستبيان توجهات الناس حولها، وكثير من الاستطلاعات التي قمنا بها كان لها أثر كبير في صناعة القرار، مثل استطلاع الرأي حول قيادة المرأة للسيارة، واستطلاع التحرش الجنسي وأسبابه، واستطلاع أثر خطبة الجمعة في المصلين، وغيرها.

*هل كانت للمرأة السعودية بصمة في تعزيز التلاحم المجتمعي ونشر ثقافة الحوار؟

- مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، هو أول جهة رسمية أتاحت للمرأة المشاركة في قضايا الشأن العام السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية وغيرها، ونحن في المركز حريصون على مشاركة وتمثيل المرأة مناصفة مع الرجل، ودور المرأة في التنشئة والتربية على ثقافة الحوار دور كبير بحكم طبيعتها كأم، وهناك اهتمام كبير من الأمهات والشابات على حضور برامج التدريب على ثقافة الحوار، مثل برامج الحوار التربوي، والأسري، والعلمي، والحضاري، والرياضي.

وقد طفنا في بداية انطلاق الحوار الوطني على أكثر من 45 مدينة ومحافظة في كل أرجاء المملكة، وذلك من أجل توطين التدريب ونشر ثقافة الحوار، وكنا نشكل فريقًا يتكون من ثلاث سيدات ورجلين، ثم تطورت تلك الجهود لتصبح هناك أكاديمية متخصصة للتدريب على الحوار، وبعدها تطورت الأكاديمية لتعمل إقليميًا تحت مظلة اليونسكو، ثم تطورت أكثر وانتقلت إلى شراكة مع منظمة الكشافة العالمية، وترجمت حقائب الحوار إلى عدة لغات أجنبية، وإلى لغة "برايل" للمكفوفين ولغة الإشارة للصم، وانتشرت في كل أنحاء العالم.

وهنا لا أنسى عبارة أعتز بها جدًا قالها لي رئيس منظمة الكشافة العالمية في تلك الفترة "جون غيغن"، حيث قال: "عرفت المملكة دولة مُصدّرة للبترول، والآن أراها مُصدّرة للحوار".

ومؤخرًا تم تكريم مجموعة رسل السلام التي قدمت مليار ساعة تطوعية بدأت نواتها من مركز الحوار الوطني، وذلك من قِبل ملك السويد "كارل جوستاف"؛ الرئيس الشرفي للكشافة العالمية، وقد سعدت بذلك وبتكريمي شخصيًا من ملك السويد على جهود المركز في إعداد برامج دولية لنشر السلام في العالم.

*هل مركز الحوار الوطني هو مركز سياسي في المقام الأول أم اجتماعي وثقافي؟

- هو مركز وطني معني بقضايا المجتمع واهتماماته في جميع المجالات، فأحيانًا يكون اهتمامه نحو قضايا سياسية مطروحة على الساحة، مثل اللقاء الوطني الثاني في العام 2003 الذي كان عن المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها المملكة، وأيضًا هناك قضايا خدمية تمت مناقشتها مثل قضايا التعليم والصحة، وقضايا فكرية وثقافية مثل الإعلام والشباب والمرأة.

وعمومًا تنوع القضايا في اللقاءات الوطنية هو انعكاس لاهتمامات المجتمع وتطلعاته، فنحن نناقش كل القضايا المطروحة على الساحة المجتمعية، والأهم هو أننا نحرص دائمًا على أن نكون منصة وطنية سعودية مئة في المئة للتعبير عن رأي المواطن السعودي.

*هل تساهم مواقع التواصل الاجتماعي في نشر ثقافة الحوار، أم أن أثرها يكون سلبيًا؟

- وسائل التواصل الاجتماعي هي واحدة من وسائل الإعلام الحديث، وهي منبر مهم للمجتمع، والآن أصبح كل شخص مراسل صحفي عبر جواله الخاص، وهو يستطيع أن يصور وينقل الخبر ويعلق عليه ويبث رسالته عبر هذا المنبر المتاح للجميع.

وتقييمي لهذه الوسائل أنها أمر جيد وهي تشكّل إضافة كبيرة للمخزون والتراث الإنساني، فنحن الآن نكتب تاريخنا بأنفسنا لأجيال لاحقة تقرأه عبر تغريداتنا، ومشاهدة حياتنا كيف كنا نعيش، وكيف نفكر، وكيف كان الطابع العام للمجتمعات، وكوننا ندون تاريخنا بأنفسنا فهذا أكثر انصافًا من أن نترك الآخرين يكتبون عننا من وجهة نظرهم، وهذا بالطبع يحملك مسؤولية كبرى؛ لأن ما تقوله وتكتبه في تلك الوسائل يُسجل عليك ويدون للتاريخ.

وبالنسبة لتأثير هذه الوسائل على نشر ثقافة الحوار، أرى أنها في الأساس هي انعكاس لثقافة الشخص تجاه الحوار، ويظهر ذلك من خلال تغريداته ومشاركاته، وللأسف هناك من يتبع أسلوب "اضرب واهرب" من خلال الاختباء وراء حسابات وهمية.

ما يسعدني في هذا الموضوع هو تطور نظام مكافحة الجرائم الالكترونية بالمملكة، واهتمام الدولة الكبير بمحاربة هذه الجرائم وفق القانون.

*ألا تعتقدين بأن هناك قيود مجتمعية تواجه المرأة بالرغم من تمكين الدولة لها؟

- لا أنفي أن كل النساء في وطني ممكنات، ففي عقود سابقة كانت هناك مجموعة من النساء تمكنت لأنها وُجدت في بيئة مواتية ودائمة ووجدت دعمًا أسريًا كاملًا، بينما لم تجد أخريات مثل هذا الدعم، ولكن بالتأكيد هناك فروق فردية، فهناك من تمكنت ولم يكن يتوفر لها أي دعم، والعكس أيضًا.

ولكن بصورة عامة فإن ما نعول عليه هو أن تكون الحكومة راعية بمجموعة أنظمة وقوانين تحفظ حق كل مواطن، وأن تكون المرأة مواطنة كاملة الأهلية مثلها مثل الرجل، ثم بعد ذلك تتم معالجة القضايا الأسرية بالتوعية والحوار المجتمعي، وبالتأكيد لن يتم ذلك بالتمرد أو بكسر قواعد المجتمع وبالخروج عن الأسرة، أو بالاستعانة بأطراف خارجية، فهذه الأشياء لا تخدم ولا تحقق أي هدف وانما تسيء للمرأة والفتاة السعودية، فنحن نعتز بوطننا ونفتخر بمجتمعنا، ولن نكون معول هدم في أيدي الآخرين.

*حصلتِ على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، ما هو التكريم الأحب إلى قلبك؟

- الدروع والجوائز كثيرة، ولكن هناك ما مس قلبي أكثر، منها مؤخرًا تكريم ملك السويد لنجاح برنامج "رسل السلام" حيث أحسست بأنه تكريم شخصي لي.

وهناك شهادة تكريم أعتز بها جدًا، وهي من بنتي، حيث سُئلت في مقابلة بجامعتها بأمريكا: من قدوتك في الحياة؟ فأجابت: أمي، وكان هذا أكبر تكريم لي، لأن عملي كان على حساب بيتي وأبنائي منذ صغرهم وكنت أشعر بالتقصير تجاههم، وبالرغم من ذلك يرون أنني قدوتهم، فهذا أسعدني كثيرًا وأكد لي بأن نجاح أي إمرأة لا يكون إلا بدعم مَن هم حولها. أيضاً من الشهادات التي أعتز بها كثيراً، ما قاله لي صديق أمريكي بأن زوجي "يُقدِّر ما أقوم به".

وعلى المستوى الوطني، حصلت على جائزة سيدتي للتميز والإبداع ضمن 15 سيدة تم تكريمهن، وكانت سعادتي كبيرة لفئة الجائزة وهي العمل الاجتماعي الإنساني.

ومن الدروع التي أعتز بها، تكريمي من قبل "ثلوثية" جعفر الشايب في القصيم، وكانت بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وقدمت فيها ورقة عمل حول منظومة حقوق الإنسان.

وبالرغم من لقاءاتنا بقيادات المملكة، إلا أنني لا زلت أطمع وأتمنى أن يحصل لي شرف لقاء الملك سلمان وتتاح لي فرصة لقائه، وأعتقد أن هذا هو التكريم الذي لازلت أنتظره.