تعد الأعياد في الإسلام مناسبات عظيمة للفرح والسرور، لكنها تحمل في طياتها أيضًا مسؤولية اجتماعية عظيمة تتمثل في إدخال البهجة والاطمئنان إلى قلوب الفقراء والمحتاجين. فالمسلمون مطالبون بإسعاد إخوانهم المحتاجين في كل الأيام. ويتأكد هذا الواجب في الأعياد بشكل خاص، ليتحقق مبدأ التكافل الذي يرسخ قوة المجتمع وتماسكه.

الأعياد فرصة للتراحم.. صدقة الفطر والأضحية
تقدم الأعياد الإسلامية، عيد الفطر وعيد الأضحى، فرصتان عظيمتان لتحقيق هذا التكافل:
صدقة الفطر.. تطهير وغنى
شرع الله تعالى صدقة الفطر على الأغنياء من المسلمين لتعطى لفقرائهم، تحقيقًا لحكمتين عظيمتين بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأولى هي أنها مطهرة للقلب، والثانية أنها تغني فقراء المسلمين عن السؤال يوم العيد. لهذه الزكاة أهمية كبرى في نشر المحبة والمسرات في المجتمعات. حيث تغمر قلوب المساكين والمحتاجين بالفرحة. وتكتمل بهجة العيد لتشمل جميع الفئات المجتمعية. فالمجتمع الإسلامي كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بينت السنة النبوية المطهرة كيفية إخراج صدقة الفطر بإخراجها من الأطعمة الغالبة في البلد، لضمان الكفاية اللازمة للفقراء. وقد تباينت آراء العلماء حول جواز إخراج القيمة (المال) في زكاة الفطر:
- الجمهور (المالكية، الشافعية، الحنابلة): ذهبوا إلى عدم جواز دفع القيمة، لعدم ورود نص صريح بذلك. ولأنها حق لا تجوز فيه القيمة إلا برضا المالك المعين.
- الحنفية: أجازوا إخراج القيمة، وذلك لكونها أصلح للفقير وأدفع لحاجته. ما يمكنه من شراء ما يحتاج إليه ويناسبه من طعام وغيره.

الأضحية.. توسعة وبركة
شرعت الأضاحي لتوزع على الفقراء والأهل والأقارب، بهدف تحقيق التوسعة والبركة والخير الذي يعود بالنفع على الجميع. بالإضافة إلى ذلك تعزيز المحبة والألفة والشكر لله تعالى على نعمه التي لا تحصى. وقد اختلفت آراء العلماء حول حكم التصدق من الأضحية:
- الجمهور (الحنفية، المالكية، الحنابلة): استحبوا التصدق بثلث الأضحية، مستشهدين بقول الله تعالى: (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج: 36]. ويستحب أن تكون الصدقة من أفضل أجزاء الأضحية، ويطعم منها الفقراء والأغنياء على حد سواء.
- الشافعية والشنقيطي من المالكية: ذهبوا إلى وجوب التصدق من الأضحية، بحيث لا يجزئ المضحي أن يأكل جميع أضحيته. بل يجب أن يتصدق منها. واستدلوا بقول الله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا) [الحج: 28]، مشيرين إلى أن صيغة الفعل تدل على الوجوب ما لم يأت دليل يصرفها للاستحباب.
طرق عملية لمساعدة الفقراء في العيد
لتحقيق فرحة العيد الشاملة، يمكن للمسلمين مساعدة الفقراء والمساكين بطرق متعددة:
- الدعم المالي المباشر: تحديد مبلغ معين من المال، ولو كان بسيطًا، ومنحه للفقراء والمحتاجين.
- توزيع الهدايا والمساعدات: المساعدة في توصيل الأطعمة والصدقات إلى المستحقين من المساكين، ومنحهم الهدايا والنقود.
- كسوة العيد: اختيار الملابس الجيدة وتوزيعها على الفقراء، صغارًا وكبارًا. بشرط أن تكون عن طيب نفس ورغبة في الإحسان.
- غرس قيم العطاء في الأبناء: اصطحاب الأبناء عند شراء الثياب أو توصيل المساعدات للفقراء، لتعليمهم أهمية الحب والعطف والتكافل الاجتماعي الذي يقوي المجتمع.
- التوعية المجتمعية: توعية المجتمع بأهمية الحرص على البذل والتضحية في سبيل إسعاد جميع المسلمين، فالعيد فرحة للجميع. وعلى كل مسلم أن يبذل ما تجود به نفسه من الخير ليسعد ويسعد الآخرين وينال الثواب من الله تعالى.

نشر البهجة والآداب في العيد
تعد بهجة الأعياد بهجة عظيمة تزداد فيها الأرواح جمالًا أخلاقيًا وحبًا ربانيًا. يفرح المسلمون بعد إتمام العبادات. كعيد الفطر الذي يأتي بعد صيام شهر رمضان المبارك، ليكون مكافأة من الله تعالى على أداء الفرائض والعبادات. ومع تعم الخيرات من الله تعالى، على المسلمين أن يتحلوا بالأخلاق والآداب في موسم الأعياد، وذلك بأن:
- يتفقدوا الفقراء والمحتاجين: إكرامهم بما فتح الله تعالى، لئلا يشعروا بالنقص أو الحرمان.
- يتبادلوا عبارات التهنئة: فهذا مما يزيد المحبة والألفة بين المسلمين.
- يصلوا الأرحام: والتواصي بالزيارة والإحسان للأقارب والجيران.
- يتعافوا ويتسامحوا: العفو والصفح عن الإساءات، مصداقاً لقوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22].
إطعام الطعام.. فضيلة قرآنية ونبوية
يعد التبرع بالطعام للفقراء والمساكين من أعظم القربات في الإسلام، وله فضل كبير دلت عليه آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة. فالله تعالى يقول: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 9]. وفي سورة البلد، يقول تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ؛ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ؛ ثمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ؛ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد:14-18].
كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إطعام الطعام في العديد من الأحاديث، منها قوله: «وَأَطْعِموا الطَعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ. وَصَلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نِيَامٌ تَدْخلوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [رواه الترمذي]، وقوله: «اتّقوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة» [رواه البخاري ومسلم]. هذه النصوص تؤكد الأهمية البالغة لإطعام الطعام كسبيل لنيل رضا الله ودخول الجنة.
بهذه الأعمال الطيبة والآداب الرفيعة، تكتمل فرحة العيد بطاعة الله تعالى، وينعم المجتمع بأسره بالخير والبركة والسعادة الشاملة. فكيف يمكننا أن نرسخ هذه القيم النبيلة في نفوس أجيالنا القادمة لضمان استمرارية العطاء؟