في عالم تسكنه الخيوط والأقمشة والألوان، استطاعت هنيدة الصيرفي، مصممة الأزياء السعودية، أن تحيك قصة نجاح لا تشبه سواها، جمعت فيها بين الأصالة والمعاصرة، وبين الانتماء والجرأة في التعبير.
اسمها اليوم يقترن بالأناقة السعودية المتجذرة، وبالقدرة على تحويل التراث إلى موضة عالمية تشدّ الأنظار وتخطف القلوب.
من جدة إلى باريس
ولدت هنيدة الصيرفي في مدينة جدة، وترعرعت في أسرة تهتم بالفن والثقافة، وكانت والدتها مصدر إلهامها الأول في عالم الذوق واللباس.
بينما لم يكن حلم الأزياء بعيدًا عنها، بل بدأ في طفولتها حيث كانت تبتكر ملابس لدمى صغيرة. قبل أن يتحول هذا الشغف إلى قرار أكاديمي جريء، اتخذته عندما قررت السفر إلى باريس لدراسة تصميم الأزياء.
هناك، وفي عاصمة الموضة، التحقت الصيرفي بأعرق معاهد التصميم، حيث تلقت تدريبًا أكاديميًا على يد كبار المصممين. واطلعت على مدارس فنية متعددة، لكنها اختارت أن تبقى وفية لذوقها العربي – السعودي، وأن تجعل من ثقافتها مادة خامًا تُلهمها في كل تصميم.
الهوية في الخيط والإبرة
بينما منذ انطلاقتها، تبنّت هنيدة الصيرفي نهجًا فنيًا متميزًا يعتمد على استحضار الرموز الثقافية السعودية. وتحويلها إلى تصاميم عصرية تناسب المرأة المعاصرة.
فهي لا تقدم مجرد ملابس، بل روايات تُروى بالقماش؛ تستلهم من الأبواب القديمة في جدة التاريخية. من النقوش الحجرية في مدائن صالح، ومن الألوان الصحراوية التي تصبغ غروب المملكة.
كما تقول في أحد لقاءاتها: “أؤمن أن الأزياء ليست فقط فنّاً يلبَس. بل هي صوتٌ يعكس هوية المرأة وبيئتها، وأنا أحرص أن تحمل كل قطعة أصممها شيئًا من السعودية”.
محطة باريس.. اختيار اليونسكو
عام 2018 كان مفصليًا في مسيرة هنيدة، حين اختارتها منظمة اليونسكو لتصميم زي خاص لسفيرة المنظمة في باريس.
بينما لم يكن هذا التقدير تكريمًا لموهبة فحسب، بل إقرارًا عالميًا بقدرة هنيدة. على استخدام الموضة كأداة ثقافية تعبر عن التراث وتقدمه بطريقة راقية وأنيقة.
التصميم الذي قدمته آنذاك تميز باستخدام أقمشة فاخرة مستوحاة من البيئة الصحراوية السعودية. بنقوش ناعمة تدمج بين الفن الإسلامي والخط العربي، ما منح العمل لمسة جمالية معاصرة بروح تراثية أصيلة.
الأسرة.. منبع الدعم والإلهام
في كثير من المناسبات، تعود هنيدة إلى الحديث عن تأثير أسرتها، خاصة والدتها، على شخصيتها الفنية. وقالت إنها تعلمت من والدتها تقدير التفاصيل، وقوة التعبير من دون ضجيج، والتأنق بوقار.
كما شكلت أسرتها بيئة حاضنة لموهبتها، شجعتها على التجريب، وساندتها في خطواتها نحو العالمية.
هنيدة اليوم.. علامة تجارية بلسان سعودي
كما تعدّ علامة “Hindamme” التي أسستها هنيدة، اليوم، من أبرز العلامات التجارية السعودية في مجال الأزياء الراقية. وهي تشارك في عروض ومناسبات دولية، وتحظى بتقدير واسع من شخصيات عالمية، وفنانات ارتدين من تصاميمها على السجادة الحمراء.
ورغم هذا النجاح، لا تزال هنيدة وفية لرسالتها: أن تكون مرآة للمرأة السعودية القوية، المتصالحة مع جذورها والمنفتحة على المستقبل.
سيدة تحيك تاريخها بإبرة ذهبية
هنيدة الصيرفي ليست فقط مصممة أزياء؛ هي راوية حكاية، حكاية وطن عبر فستان، وتاريخ مدينة عبر تطريز، وملامح امرأة سعودية عبر قماش. وفي كل تصميم، تقول للعالم: “هنا المملكة.. وهنا المرأة التي تصنع الفرق.”




















