من قلب المسجد النبوي والقبة الخضراء إلى قلب الحجرة النبوية كانت رحلتنا الروحانية. حيث تظل الحجرة النبوية، ذلك المكان الذي ضم بين جدرانه أطهر بقاع الأرض، سرًا يكتنفه الغموض والرهبة. ورغم ما ورد في كتب التاريخ من وصف وتفصيل، إلا أن الاقتراب من هذا المكان المقدس يظل حلمًا يراود قلوب المسلمين.
في هذا المقال، ننقل لكم مشاعر فياضة لأناس نالوا شرف دخول الحجرة النبوية، حيث عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلم الروح في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها.
يصف الكاتب الصحفي عمر المضواحي، الذي اهتم بالكتابة عن الحرمين الشريفين، في حديثًا له عبر احدى وسائل الاعلام ،لحظات دخوله الحجرة النبوية بالرهبة والخوف، لكن شوقه لرؤية المكان الذي نبأه عنه شيوخ مكة دفعه للمضي قدمًا. يقول المضواحي: “غمست وجهي محدقًا من بين فتحات الحجرة.. كنت خائفًاً حتى الموت، لكن شيئا ما دفعني للنظر”.
شاهد المضواحي قناديل معلقة بسقف الحجرة، تشبه تلك الموجودة في جوف الكعبة، هدايا قديمة من الذهب والفضة تعكس مراحل من التاريخ الإسلامي. كما اختلس نظرات لحجرة السيدة فاطمة الزهراء، وتأمل المكان الذي شهد معظم حياة الرسول الكريم.
صناع كسوة الحجرة النبوية
خلال تحقيقه الصحفي عن كسوة الحجرة النبوية، التقى المضواحي بمن نالوا شرف المشاركة في نسج هذه الكسوة التي تعود إلى قرون مضت. يذكر المؤرخ حسين سلامة في كتابه “تاريخ الكعبة المعظمة” أن العباسيين كانوا يصنعون كسوة الكعبة في مدينة تنيس المصرية، المعروفة بمنسوجاتها الثمينة.
وبعد استيلاء الدولة العلية على مصر، اختصت بكسوة الحجرة الشريفة والبيت الداخلي. بينما اختصت مصر بكسوة الكعبة الخارجية.
استمرت صناعة الكسوة في عدة دول إسلامية حتى أمر الملك عبد العزيز آل سعود بإنشاء مصنع كسوة الكعبة في مكة المكرمة. ليقوم المصنع بصنع الكسوتين لأول مرة في التاريخ في أرض الحرمين الشريفين.

وصف الحجرة النبوية
تقع الحجرة النبوية في الجزء الجنوبي الشرقي من المسجد النبوي، وتحيط بها مقصورة نحاسية صفراء. يبلغ طول المقصورة 16 مترًا وعرضها 15 مترًا، ويوجد بداخلها بناء خماسي الأضلاع بارتفاع 6 أمتار بناه نور الدين زنكي. يضم البناء قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبري أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
يوجد في شمال المقصورة النبوية مقصورة أخرى نحاسية، ويربط بينهما بابان. تحيط بالحجرة النبوية 4 أعمدة تحمل القبة الخضراء التي تميز المسجد. أما الروضة الشريفة، فتقع بين المنبر والقبر، ويبلغ طولها 22 مترًا وعرضها 15 مترًا.

الحجرة النبوية.. أقدس البقاع
تعتبر الحجرة النبوية، الواقعة في الجزء الشرقي من المسجد النبوي بالمدينة المنورة، من أقدس البقاع في قلوب المسلمين. فهي بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يقيم فيه مع زوجته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وقد أكرم الله تعالى عائشة بأن جعل حجرتها مدفنًا للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
كان باب الحجرة النبوية يفتح على الروضة الشريفة، وهي المنطقة الواقعة بين المنبر والقبر النبوي. وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، دفن في حجرة عائشة، وكان قبره في الجزء الجنوبي من الحجرة. وقد وردت آثار وأحاديث تشير إلى أن الملائكة تحف بالقبر الشريف ليلًا ونهارًا، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
ظلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقيم في الجزء الشمالي من الحجرة، ولم تضع ساترًا بينها وبين القبر الشريف. وعندما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه، دفن خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ورأسه مقابل كتفيه الشريفين. ولم تضع عائشة ساترًا بينها وبينهما، قائلة: “إنما هو زوجي وأبي”. وعندما توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، دفن خلف أبي بكر، ورأسه مقابل كتفيه. وعند ذلك، وضعت عائشة ساترًا بينها وبين القبور الشريفة، لأن عمر ليس محرمًا لها.
شهدت الحجرة النبوية العديد من الإصلاحات والترميمات عبر التاريخ. ففي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تم استبدال الجريد الذي كان في البيت بجدار. وفي عهد الوليد بن عبد الملك، أعاد عمر بن عبد العزيز بناء الحجرة بأحجار سوداء، ثم بنى حولها جدارًا خماسي الأضلاع.
ومنذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بالحجرة النبوية والقبة الخضراء. وتحافظ على البناء التاريخي للمسجد النبوي، وتعمل على ترميمه وصيانته بشكل دوري. كما تحرص على رعاية القبة الخضراء وطلائها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

مشاعر فياضة وأمنية
في المسجد النبوي، يستشعر الزائر طيب روائح الصحابة، ويكاد يسمع أحاديثهم وأصواتهم. لكن ما يحزن القلب هو أن هذا التراث العظيم لم يتم تدوينه بشكل كامل، وأن تفاصيل كثيرة لا تزال حبيسة صدور قلة من الناس.

تاريخ القبة الخضراء
بدأ تاريخ القبة الخضراء في عهد الملك قلاوون الصالحي عام 678 هـ، حيث بنيت في ذلك الوقت بهيئة مربعة من الأسفل ومثمنة من الأعلى، واستخدم في بنائها الخشب وألواح الرصاص لحمايتها من الأمطار، وغُطيت بثوب من المشمع.
شهدت القبة عدة تجديدات وإصلاحات على مر العصور، ففي عهد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون، تم تجديدها، وفي عهد السلطان شعبان بن حسن بن محمد عام 765 هـ، أُحكمت ألواح الرصاص التي كانت قد اختلت. وفي عهد السلطان قايتباي عام 881 هـ، أُصلحت القبة مرة أخرى.
وفي عام 886 هـ، شب حريق في الحرم النبوي، فأمر السلطان قايتباي بتجديد بناء الحرم والقبة الخشبية، وتم ذلك عام 887 هـ. استخدم في البناء الجديد الآجر، وأُقيمت دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وزينت القبة بأحجار سوداء منحوتة، وبلغ ارتفاعها 8.88 مترًا. ثم بنيت فوقها قبة أخرى، واستُخدم الجبس الذي جلب من مصر في تثبيت الأحجار. وقد أدى هذا البناء إلى تضييق الجدار الشرقي للمسجد، فتم هدمه وتوسيعه باتجاه مصلى الجنائز.
إعادة البناء
بعد اكتمال البناء، ظهرت تشققات في أعالي القبة، فأمر السلطان قايتباي بهدم هذه الأجزاء وإعادة بنائها بالجبس الأبيض، وتم ذلك عام 892 هـ. وفي عهد السلطان الغازي محمود العثماني، ظهرت تشققات أخرى، فأمر بهدم أعالي القبة وإعادة بنائها، وتم وضع حاجز خشبي بين القبتين لحماية قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ظهرت شقوق في أعلى القبة، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فأمر بتجديدها، وتم هدم أعاليها وإعادة بنائها بإتقان. وفي عام 1253 هـ، أمر السلطان عبد الحميد الثاني بصبغ القبة باللون الأخضر بدلاً من الأزرق، وكان هو أول من فعل ذلك. ثم جاء، أمر الملك عبد العزيز آل سعود بإصلاح بعض التشققات داخل الحجرة النبوية.
يوجد في القبة شباك يقع فوق قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان خدم الحرم يفتحونه يوم صلاة الاستسقاء. ووردت روايات تاريخية تشير إلى أن فتح هذا الشباك كان من سنن أهل المدينة في أوقات الجدب.