قاهرة السرطان أنيسة حسونة لـ«الجوهرة»:شفاني الله من المرض الخبيث لكن لم أنتصر عليه تمامًا

– أحقق انتصارات يومية ببقائي على قيد الحياة
– إنهاء عقدي بمؤسسة “مجدي يعقوب” كسر خاطري
– زوجي أحاطني بحبه ورعايته وكان متفائلًا بشفائي
– عشتُ حالة من الصدمة والإنكار في بداية تشخيص المرض
– الزوج “خزانة المشاعر” التي تحصد منها المرأة ما وضعته
– مشروع كتابي التالي عن تجربتي كجَدة

لم تكن يومًا امرأة عادية، فقد وهبت جزءًا كبيرًا من حياتها لمساعدة الجميع، خصوصًا مرضى القلب؛ من خلال عملها مديرًا تنفيذيًّا لمؤسسة “مجدي يعقوب للقلب”، بالإضافة إلى كونها نائبة في مجلس النواب المصري، وتوليها منصب الأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، إلى جانب العديد من الأنشطة الاجتماعية والإنسانية، التي تقوم بها “أنيسة حسونة”.

هذه المرأة صاحبة التجربة الملهمة، التي حوّلت محنة إصابتها بالسرطان فجأة منذ عامين، إلى منحة، فواجهت هذا المرض الخطير بإقدام وشجاعة، بمساعدة عائلتها والمحيطين بها، حتى أصدرت كتاب “بدون سابق إنذار” الذي حقق رواجًا كبيرًا، وأصبحت تجربتها في مقاومة المرض درسًا للجميع.

تحدثت أنيسة في حوارنا معها عن تجربتها وعائلتها، ونصائحها، وتغير نظرتها للحياة، بعد شفائها، لكنها تقول إنها لم تشعر بالنصر الكامل بعد!

وإلى نص الحوار..

كيف كانت نشأتك؟

أنتمي لعائلة من الطبقة الوسطى، كان والدي -رحمه الله- مثلي الأعلى، وكان يعمل في السلك القضائي، ثم تدرج في المناصب القضائية، ثم التنفيذية، حتى تولى وزارة العدل في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وما زلنا للآن- نحن بناته- نعيش على سمعته الطيبة. وكانت والدتي -رحمها الله- طبيبة أطفال متميزة، فكانت تؤدي عملها بوزارة الصحة، وترعانا بمنتهى الحنان والحزم.

حقق كتابك “بدون سابق إنذار” رواجًا واسعًا وأثار ردود أفعال واسعة.. متى جاءتكِ فكرته؟

بعد معرفتي بإصابتي بمرض السرطان، وبدء مرحلة العلاج المؤلمة، شجعني زوجي وبناتي على الكتابة عن هذه التجربة الصعبة، لعلها تفيد غيري من المريضات، وتعطيهن الأمل والقدرة على المقاومة، وفي نفس الوقت تترك ذكرى لأحفادي عن جدتهم، ومقدار حبها لهم، فبدأت، نهاية عام ٢٠١٦، في كتابة قصتي.

صرحتِ من قبل بأن سبب صدور الكتاب هو طريقة تعامل المجتمع مع مرض المرأة، فكيف ذلك؟

ما كنت أقصده هو أن المرأة هي عمود الخيمة في الأسرة، فعادةً ما تكتم ألمها ومعاناتها عندما تمرض؛ حتى لا تقلق أسرتها؛ لذلك طالبت بأن تكون الأسرة والمجتمع والدولة أكثر تعاطفًا ورعايةً للمرأة عندما تصاب بالسرطان -لا قدر الله- أو غيره.

الصدمة التي يسببها مرض كالسرطان تكون قوية، فكيف استقبلتِ الخبر؟

لم أصدق في البداية، وكنت أظن أن هناك خطأً ما في الفحوصات والتحاليل، وظللت بيني وبين نفسي أتساءل: كيف حدث هذا؟ ولماذا أنا؟

وعشت فترة في حالة “إنكار”، وكأني قد أصبحتُ “أنيستين”: “أنيسة” الأولي، التي أحبها؛ لأنها كانت دائمًا مُشرقة ومقبلة على الحياة، والأخرى “أنيسة” المريضة، التي اقتحمت حياتي فجأة، وأحزنتني، وأكره وجودها معي.

هل تركُكِ مؤسسة “مجدي يعقوب للقلب” كان سببًا في إصابتك بالحزن والمرض؟

لم أترك المؤسسة، فقد عملت بها منذ إنشائها، وكانت جزءًا جوهريًّا من حياتي لثماني سنوات، ومنحتها كل طاقتي وجهدي، ولكني أُجبرت على تركها بطريقة غادرة كسرت قلبي، وكانت من أسباب مرضي؛ إذ قرر مجلس الأمناء إنهاء عقدي قبل موعده بـ٢٢ شهرًا، مع امتناعهم عن صرف مستحقاتي حتى هذه اللحظة، وأذكر أنني، بعد إبلاغي بهذا القرار، ذهبت وحيدة إلى الفندق منكسرة الخاطر، محبطة.

متى تسلل إليك اليأس خلال رحلة العلاج؟

بعد العملية الجراحية التي استغرقت ١٢ ساعة، فبدلًا من أن أتحسن وأخرج من المستشفى خلال أسبوع- كما كان متوقعًا، لاستكمال العلاج الكيماوي- حدثت تعقيدات جانبية بعد العملية، أجبرتني على البقاء في المستشفى ٤٢ يومًا. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فعند عودتي إلى المنزل، حدث تلوث كبير بالجرح، أدى إلى فتحه مرتين، ودخولي المستشفى؛ ما أوصلني إلى حالة يأس عميقة ومحزنة.

حدثينا عن اللحظات التي شعرتِ فيها بالانتصار؟

لم أشعر بالانتصار بعد؛ لأن رحلة العلاج ما زالت مستمرة، ولكني تعلمت أن أصبح راضية بقضاء الله، وأن أسعد بالأيام أو الشهور القليلة الباقية، وأستمتع بالمنح والمتع الصغيرة للحياة يومًا بعد يوم، فمصيري في يد الله، سبحانه وتعالى، وأنا أحقق انتصارات يومية ببقائي على قيد الحياة في كل يوم جديد، أستمتع فيه بوجودي بين مَن أحبهم ويحبونني.

دعم زوجي

حدثينا عن دور زوجك في رحلتك مع المرض؟

دوره رئيس وداعم، فلم يفارقني، أحاطني بحبه، ورعايته، وكان متفائلًا بأنني سأُشفى برحمة الله، وكان يراجع أطبائي، ويتابع علاجي بجميع تفاصيله. أتذكر جيدًا دعمه لي بمنتهى الحب دون يأس، ورعايته الطبية لي، وكأنه طبيب بارع، فلم أكن لأقدر على احتمال هذه المحنة الطويلة دون حبه، وحب بناتي الحبيبات.

هل ترين أن للزوج دورًا في نجاح علاج زوجته.. أو العكس؟

نعم بالتأكيد، فالزوجة يمكنها أن تتحمل ألم جلسات العلاج الكيميائي، ومصاعب الجراحة، وكل الآلام الجسدية، ولكن بدون حنان ومشاعر الزوج المحُبة ورعايته المستمرة، تفتقد القوة اللازمة للمقاومة، فالمرأة دومًا تعيش في سعادة مهما تكُن الظروف، ما دام هناك حب متبادل مع زوجها، ويجمعهما الاحترام والارتباط والمشاعر الطيبة.
وأنا أعُد الزوج “خزانة المشاعر والذكريات”، كلما وضعت المرأة فيها مشاعر إيجابية وتركت رصيدًا جيدًا، سيُرد إليها أضعافًا مضاعفة وقت الحاجة، وسيكون خير معين.

تحدثتِ عن رحلتك للعلاج في ألمانيا.. هل هناك العلاج أفضل؟

لاحظت أن كفاءة الأطباء متساوية في مصر وألمانيا، وهذا ليس رأيي، ولكن شهادة الأطباء الألمان، وإن كان ثمة اختلاف فهو في تقسيم التخصصات بشكل مختلف وأكثر تفصيلًا، فهناك “تخصص التخصص”، كما أن أطقم التمريض لدينا تحتاج إلى جهد وعمل ودعم؛ لتصل إلى مستويات أفضل.

الدعم النفسي

هل للمحيطين بنا دور في رحلتنا لمقاومة الأمراض؟

للمحيطين بالمريض دور هام في الدعم النفسي دائمًا، ومن أجل هذا اخترت عنوان الفصل الأخير من كتابي “بأمر الحب”، وذكرت فيه حادثة عائلة الرئيس جون كينيدي، وكم كانت محل اهتمام وسائل الإعلام! وكان طفلاه “جون وكارولين” الأشهر؛ بسبب قصتهما.

وبعد أن فقدت “كارولين” شقيقها “جون”، وكان الوحيد المتبقي من عائلتها، استضافها برنامج أوبرا وينفري وقتها، وقالت إنه يجب علينا أن نحرص دائمًا على إخبار أحبائنا كم نحبهم كل يوم، فلا أحد يضمن وجودنا، أو وجودهم في اليوم التالي.

وأنصح المحيطين بمريض السرطان بأن يغمروه بمشاعر الحب، التي يحتاج إليها للصمود في المعركة ضد هذا المرض الخبيث، فقد أكد لي جميع الأطباء داخل وخارج مصر أن الحالة المعنوية شديدة الأهمية، ولها أثر إيجابي في تحسين الحالة الصحية.

دعم مرضى السرطان

هل لديكِ خطط لدعم مرضى السرطان؟

بالطبع، إلى جانب زياراتي للعديد من المريضات والأطفال المرضى؛ لدعمهم معنويًّا، فإنني أعاون في الترويج للتبرع للمشروعات الخيرية التي تعالج مجانًا هذا المرض الخطير، وأبذل قصارى جهدي لأساعد مشروعات رعاية الصحة الخيرية، خصوصًا في مجال علاج السرطان، وبالأخص للنساء.

ما الذي أحياه السرطان داخلك؟

الإيمان بقضاء الله وقدَره بشكل أكبر، والرضا به، وزيادة اهتمامي بمَن يعانون من هذا المرض، بكل الوسائل المتاحة، والاستمتاع بكل منَح الحياة التي يُنعم بها الله علينا، وشكر الله وحمده على ذلك يوميًّا.

صرحتِ من قبل بأنه إذا عادت الإصابة -لا قدر الله- سترفضين العلاج.. لماذا؟

كان رأيي في ذلك الحين مبنيًّا على الآلام المبرحة، والمعاناة الشديدة التي مررت بها، وحزن أحبائي لما أضطر إلى احتماله في أثناء العلاج، فلم أكن أرغب آنئذٍ في أن نتعرض لذلك جميعًا مرة ثانية، إذا كان الشفاء ميؤوسًا منه.

ولكني الآن أرغب في المقاومة، والكفاح للنجاة، من أجل عائلتي وزوجي وبناتي وأحفادي.

حدثينا عن ردود أفعال مريضات السرطان بعد صدور كتابك.. 

تلقيت الآلاف من الرسائل بأنني قد عبّرت بصدق عن معاناتهن، وأنهن استفدن مما ورد في الكتاب، فيما طلبت الكثيرات منهن أن أقوم بزيارتهن والحديث معهن بشكل شخصي ومباشر، وقد فعلت ذلك، كما قالت لي أخريات إن الكتاب قد شجعهن على مصارحة مَن حولهن بمرضهن، وطلب الدعم منهم.

لا يجيد كثيرون التعامل مع مرضى السرطان.. فما نصائحك لهم؟

أن يكونوا متعاطفين للغاية، وأن يعربوا باستمرار عن حبهم للمريضة أو المريض، وأن يشجعوهم على مقاومة المرض، والنظر إلى الجوانب الإيجابية للحياة، وأن رحمة الله فوق كل شيء، وأن يقدروا أن حالتهم النفسية تتأرجح أحيانًا؛ بسبب التأثيرات الضارة للعلاج الكيميائي، أو الجراحة، ومن ثم فالمرافقون يجب أن يكونوا قادرين على استيعاب ذلك، ودعم المريض في جميع الأحوال.

كيف ترين المكانة التي تتبوأها المرأة العربية؟

أرى أنها مكانة جيدة، فقد قطعت شوطًا كبيرًا نحو التقدم في شغل المناصب القيادية ومراكز اتخاذ القرار؛ وذلك بدعم من القيادات السياسية العليا في مختلف الدول العربية، كما أن هذه المرأة قد أثبتت جدارتها بما حصلت عليه، وما زال أمامها الطريق طويلًا لتحقق جميع الآمال والطموحات.

والحقيقة أنني شخصيًّا، طوال مسيرتي المهنية، لم أعتمد سوى على مؤهلاتي وكفاءتي وجديتي في إتقاني للعمل، وكنت محظوظة في وظائفي المختلفة؛ لأنني تعاملت مع رؤساء يقدّرون هذه الصفات.

ما الذي تتمنين تغييره في المرأة العربية لتنال مكانتها المناسبة ؟

المرأة العربية جوهرها أصيل، ومعدنها صلب، وقادرة على التعامل مع جميع المواقف، والتغلب على جميع الصعاب، وتدعم عائلتها في جميع اللحظات، ولا أرغب في تغييرها، ولكن أتمنى أن تساند المرأة الناجحة غيرها من النساء الأقل حظًّا؛ بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية ما، وأن تعمل النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية على تغيير العقلية الذهنية السائدة، التي تنظر إلى ما تحصل عليه النساء من مزايا، وفقًا لمنهج “الاحتياجات” وليس “الحقوق”.

إذا أردتِ توجيه رسالة إلى عائلتك، فماذا تقولين؟

أثق بأن الله سيحفظهم برعايته، كما أدعو لهم دائمًا، أما المستقبل فهو بيد الله، سبحانه وتعالى. عندي ابنتان “سلمى ومها”، وحرصت أنا ووالدهما على أن تحصلا على أفضل تعليم؛ لأنه سلاحهما الأساسي في الحياة، وقد أنعم الله علينا بأربعة أحفاد، ما زالوا في مرحلة الطفولة الجميلة “فتاة وثلاثة ذكور”، وهم جميعًا، كما أطلقت عليهم في كتاباتي “مكافأة نهاية الخدمة”، وأدعو الله أن يحفظهم وزوجي العزيز، وبذلك أتركهم في رعاية الله الذي خلقهم، وهو أرحم بهم منا جميعًا، وأستمتع بكل لحظة أقضيها معهم، وأخبرهم يوميًّا بأني أحبهم، وأتمنى عندما تحين اللحظة أن يتذكروني كجدتهم المحبة المبتسمة.

هل هناك مشروعات كتابة قادمة؟

أحب الكتابة وأستمتع بها، فالكتابة تسمح لي بالحديث إلى نفسي، والحديث للآخرين، وأكتب دوريًّا مقالات سياسية واجتماعية في مطبوعات مختلفة، وأفكر أن يكون كتابي التالي عن تجربتي كجدة مع أحفادي؛ لأتركه ذكرى مرحة لهم ولجميع الجدات، وأتطلع لإعادة طباعة كتاب والدي “شهادتي” عن حياته المهنية، وأضيف إليه فصولًا جديدة.

الرابط المختصر :