تتسارع أيام وليالي شهر رمضان المبارك، وقد انقضى ثلثاه، ولم يتبق منه سوى الثلث الأخير، الذي يضم العشر الأواخر، وهي أفضل ليالي الشهر وأعظمها، وفيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن رمضان هو خير الشهور وأفضلها، فإنهم قد اتفقوا كذلك على أن العشر الأواخر منه هي أفضل ما فيه وأعظم لياليه؛ فهي فضل الفضل وخير الخير.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر فهي أفضل العشر بل أفضل ليلة في الوجود.
خصائص العشر الأواخر وحال النبي صلى الله عليه وسلم فيها
في هذا السياق، تحدث الدكتور يسري عبد المولى من علماء الأزهر الشريف لـ”الجوهرة”، فقال: لقد ميز الله تعالى العشر الأواخر من رمضان بخصائص لا توجد في غيرها، واختصها النبي صلى الله عليه وسلم بأعمال لم يكن يفعلها في غيرها، ومنها:
كثرة الاجتهاد:
كما تابع د. عبد المولي، قائلًا: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يجتهد في العشر الأواخر أكثر من غيرها، ويحيي الليل بأنواع العبادة، ويوقظ أهله للصلاة والذكر.
تقول “عائشة”، رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره). رواه مسلم.
وكان يحيي فيها الليل كله بأنواع العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن، تقول “عائشة”، رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجَدَّ وشدَّ المئزر) رواه مسلم.
الاعتكاف:
وأضاف: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يعتكف في العشر الأواخر حتى توفاه الله، والاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة والتقرب إلى الله تعالى.
ففي “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله. ثم اعتكف أزواجه من بعده). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الاعتكاف فيها حتى قبض.
علاوة على ذلك، أوضح، أن الاعتكاف معناه العزوف عن الدنيا والانقطاع للعبادة وتخلية النفس عن التشاغل بغير الطاعات والقربات. فلا ينبغي أن يشتغل بشيء يفوت عليه قصده. ولا يجعلن معتكفه مقصدًا للزوار الذين يفسدون عليه خلوته وجواره. وإن كان خرج من الدنيا وانقطع عنها فلا وجه لأن يأتي بالدنيا حتى يدخلها معتكفه. ومما ينبغي للمعتكف أن يتقلل من الطعام والشراب حتى لا يثقل عن العبادة والطاعة.
اغتنام جميع الوقت:
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغتنم كل لحظة في هذه الليالي، ويحث أصحابه على ذلك. عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: وأيكم مثلي! إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) متفق عليه.
وأردف: لا شك أن المقصود هنا الغذاء الروحي، والفتوحات الربانية، وليس الطعام والشراب الحِسي. وإنما نهاهم عن الوصال حتى لا يضعفوا عن العبادة والاجتهاد في الطاعة. وإلا فإن كل ذلك كان منه اغتنامًا للوقت. وعدم تضييع شيء منه، ولو في طعام أو في منام فصلى الله عليه وسلم أعظم صلاة وأتم سلام.

ليلة القدر
وأوضح د. “يسري” أن ليلة القدر هي ليلة عظيمة مباركة، أخفى الله تعالى موعدها عن العباد ليكثروا من العبادة، ويجتهدوا في العمل، ويستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار، فقال سبحانه: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3).
وأشار إلى أنه في هذه الليلة تقدر مقادير الخلائق على مدار العام، فيكتب فيها الأحياء والأموات. والسعداء والأشقياء، والآجال والأرزاق، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} (الدخان:4).
وتابع: فيها تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويرفع الحجاب، ويستجاب فيها الدعاء ويتحقق الرجاء. ليلة انطلاق الإسلام ونزول القران، ليلة سلام، فالله يريد للعالم السلام والأمان، سلام المجتمع، وسلامة القلوب والنفوس. وسلامة العلاقات بين الناس {سلام هي حتى مطلع الفجر} (القدر:5).
وقد أخفى الله عز وجل، علم تعييين يومها عن العباد، ليكثروا من العبادة. ويجتهدوا في العمل. فيظهر من كان جادًا في طلبها حريصًا عليها. ومن كان عاجزًا مفرطًا، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب في سبيل الوصول إليه.
تحري ليلة القدر
وأكد د. عبد المولى، أنه يستحب في هذه الليلة العظيمة تحريها في العشر الأواخر من رمضان. وهي في الأوتار أرجى، فقد ثبت في “الصحيحين” أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى. في سابعة تبقى، في خامسة تبقى).
وهي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري.
ثم هي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) رواه أبو داود.
كما نصح عالم الأزهر، الراغبين في تحصيل هذه الليلة المباركة بالاجتهاد في هذه الليالي والأيام، وأن يتعرضوا لنفحات الرب الكريم المنان، عسى أن تصيبهم نفحة من نفحاته لا يشقى العبد بعدها أبًدا.
وإذا كان دعاء ليلة القدر مقبولًا مسموعًا مستجابًا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء والتضرع وسؤال خير الدنيا والآخرة.
فيما قد سألت عائشة، رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه أحمد وغيره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في تحري ليلة القدر. فهي ليلة مباركة تقدر فيها مقادير الخلائق، والعمل فيها خير من ألف شهر.
وواصل ناصحًا: استدركوا في آخر شهركم ما فاتكم من أوله، وأحسنوا خاتمته فإنما الأعمال بالخواتيم، ومن أحسن فيما بقي غفر له ما قد مضى، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي. وأروا الله من أنفسكم الجد في تحري الخير في هذا الثلث الأخير، واغتنموا ما فيه من الخير الوفير. وتعرضوا لنفحات الغفور الحليم، الرحيم القدير. فإن المغبون حقا من صرف عن طاعة الرب، والمحروم من حرم العفو. والمأسوف عليه من فاتته نفحات الشهر، ومن خاب رجاؤه في ليلة القدر.
فضل ليلة القدر
- ليلة القدر خير من ألف شهر.
- فيها تقدر مقادير الخلائق على مدار العام.
- تفتح الأبواب، ويسمع الخطاب، ويستجاب الدعاء.
- فيها تنزل الملائكة والروح، وتعم الرحمة والسلام.
ماذا تفعل في ليلة القدر؟
- الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى.
- سؤال الله تعالى العفو والمغفرة.
- الاجتهاد في العبادة من صلاة وذكر وقراءة قرآن.
- تحري ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وخاصة الليالي الوترية.
واختتم حديثه لـ”الجوهرة”، قائلًا: علينا أن نستدرك ما فاتنا في أول الشهر، وأن نحسن خاتمته، فإن الأعمال بالخواتيم. ونجتهد في تحري ليلة القدر، ونكثر من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، عسى أن يتقبل منا أعمالنا، ويغفر لنا ذنوبنا، ويجعلنا من عتقائه من النار.