فاطمة عبدالله الراشد: “إثراء”.. أيقونة عالمية في سماء الظهران يروي عطش العقول بالعلم والمعرفة

يُعد مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” وجهةً ثقافيةً متعددة الأبعاد، تهدف إلى صناعة التحول المجتمعي نحو تنمية المواهب والمعرفة والابتكار والتواصل الحضاري عبر إلهام وتحفيز روّادها من كافة الأعمار والاهتمامات في مجالات الفنون والعلوم والابتكار، ويقدم المركز نموذجًا لأي مؤسسة ثقافية تطمح لأن تكون منبعًا للتفوق والتنوع الإبداعي والثقافي في القرن الـ21، مستعينًا ببرامج إبداعية تلبي تخصصات مختلفة وشراكات وثيقة مع مؤسسات ثقافية محلية وإقليمية ودوليّة.

وفي حوارها لمجلة “الجوهرة” تطرقت المهندسة فاطمة عبدالله الراشد؛ رئيسة المجموعة الاستشارية والخطط الاستراتيجية بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” إلى العديد من المحاور حول المركز ورؤيته ونشاطاته، فكانت هذه الإجابات الوافية..

ـــ نودّ في البداية أخذ فكرة عن “إثراء”.. كيف تأسّس ولمَ؟

كانت فكرة إثراء بلورة وتتويجًا لمفاهيم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية التي عرفت بها أرامكو السعودية منذ تأسيسها، باعتبارها شركة وطنية ذات أبعاد عالمية مؤثرة؛ وذات عمق تاريخي وإرث ثقافي عريق وحافل، وحينما كانت أرامكو تفكر في الاحتفال بمرور 75 عامًا على إنشائها، فكرت في تقديم منجز حضاري بمستوى عالمي يكون له تأثير إيجابي على صناعة الأجيال، وفي نفس الوقت يكون بمثابة المظلة الإبداعية الشاملة لبرامج المواطنة في الشركة.

فتأسّس مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”؛ تخليدًا لذكرى تأسيس أرامكو وتقديرًا لمساهمتها في نهضة وازدهار المملكة، مستلهمةً رؤية المؤسّس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيّب الله ثراه – لبناءِ قوة بشرية وصناعية واقتصادية تُلبّي احتياجات المملكة الفتيّة، وتؤمّن رخاءها وازدهارها وتطوّرها على المدى البعيد.

وقد وَضع الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – رحمهُ الله – حجر الأساس الرمزي للمشروع عند الإعلان عنه في موقع تاريخي على مقربة من بئر الدمام رقم 7 (بئر الخير)، وهو أول بئر أنتج الزيت بكميات تجارية، وبتشريف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ ـ حفظه الله ـ تم تدشين المركز في ديسمبر عام 2016م؛ ليكون”إثراء” بئرًا من نوع مختلف، ينبوع من المعرفة لا ينضب، يروي عطش العقول الشغوفة للعلم والمعرفة.

كونك مهندسة، ساهمت في تنفيذ المشروع . ماذا يمثل المبنى؟ وكيف أصبح معلمًا معماريًّا فريدًا ؟

أنا فخورة كوني عضوًا في فريق عالمي متميز من داخل أرامكو وخارجها ساهم في تطوير هذا المشروع الرائد.
وإذا عدنا للبدايات، كانت أرامكو السعودية حريصة جدًا ضمن رؤيتها للمشروع وأهدافه على أن تؤسس مبنى على درجة عالية من الابتكار، وأن يكون بيئة ملهمة وأيقونة معمارية تُثري المنطقة والمملكة والعالم، لذلك حرصت على استقطاب أكثر المصممين ابداعًا، وأن يتم التصميم من خلال مسابقة معمارية عالمية، شاركت بها عدة شركات من المملكة والعالم، ممن لهم باع في تصميم المراكز الثقافية الكبرى، وقد تم اختيار التصميم الذي تقدمت به شركة “سنوهيتا” النرويجية بناء على عدة معايير، من ضمنها: معايير “الكفاءة الهندسية والوظيفية والمالية والبيئية والتميز الجمالي”، وشركة سنوهيتا معروفة بتصميمها مكتبة الإسكندرية، ودار الأوبرا في أوسلو، وعدة مشاريع عالمية أخرى.

ويمكن فهم الفكرة المعمارية للمشروع من 3 أبعاد رئيسية:

البعد الأول: الارتباط بالطبيعة البيئية والجيولوجية للموقع في الظهران، الذي يتسم بالتكوينات الجبلية والصخرية، ما يشير إلى الارتباط بالصناعة البترولية التي هي أساس الأعمال في أرامكو، فكلمة “بترول” تعني الطاقة التي في الصخور؛ لذا جاءت فكرة الشكل المعماري كمجموعة من صخورٍ هائلة الحجم يستند بعضها على بعض في تكوين فني مُبهر، وكل صخرة من هذه الصخور تمثل مرفقًا ثقافيًا مهمًا، فهناك صخرة تحتوي المكتبة، وأخرى تحتوي المسرح، وثالثة تحتوي قاعة المعرض، ورابعة تحتوي مختبر الأفكار الذي هو مركز الإبتكار، وخامسة نسميها برج المعرفة وهي الصخرة التي تحتضن مركز التعلم مدى الحياة.

وهذه الصخور المعمارية غنيةً بالطاقات البشرية، في تماثلٍ رائعٍ مع الطاقة النفطية التي أودعها الله في صخورنا، وتمثّل هذه الصخور مجتمعة تكاملاً معماريًا حيويًا يحتضن صرحًا مهمًا من صروح المعرفة والثقافة.

البعد الثاني: هو العامل الزمني، فالمشروع تم تصميمه من الداخل عبر ثلاث مستويات؛ الأول: يمثل الأدوار الواقعة تحت مستوى سطح الأرض، وترمُز إلى أصالة الماضي وتحتوي المرافق المرتبطة بالحفاظ على إرث الماضي، مثل قاعات المتحف ومعرض تاريخ الشركة.

الثاني: مستوى الطابق الأرضي، وهو يرمز لنهضة الحاضر، وبه مرافق مثل متحف الطفل والمسرح، والسينما والقاعة الكبرى لعرض الحضارات العالمية.

أما المستوى الثالث، فهو يرمز للمستقبل الواعد، ويضم مرافق ثقافية مثل برج المعرفة الشامخ على ارتفاع نحو 100م، ومركز الإبتكار والمكتبة.

البعد الثالث: هو أن إثراء بمعماره الفريد وأشكال وأحجام وتراصّ وديناميكية التكوينات الصخرية المنحوتة في قلب صحراء المملكة، يمثل التنوع والتناغم والتعاضد الذي يربط شعب المملكة العربية السعودية ببقية شعوب العالم، راسمًا لوحةً عصريةً على تلال الظهران، وتنطبق على تصميم إثراء مقولة “الكل أكبر من مجموع الأجزاء.”

وأعتقد أن أرامكو السعودية بالتعاون مع “سنوهيتا” نجحت في تطوير تصميم عصري مُميّز لإثراء يعكس مهمّته كمنارةٍ للمعرفة في سماء الظهران، حيث يوفّر مساحة لتلبية شغف المواهب الوطنية وتمكينها والإسهام في تحفيز تقدّم المملكة على المستوى العالمي، ولذلك فإنّنا نركّز على تشجيع الابتكار وإلهام العقول وتمكين أفراد المجتمع بالفكر والمعرفة.

ــــ ماهي أهم أهداف المركز ؟

رسالة المركز تسعى للإسهام النوعي بحيث يحقق أثرًا ملموسًا في 3 مجالات هي: المعرفة العلمية والثقافية، والإبداع الذي يجمع العلوم والفنون والتقنية وريادة الأعمال، والتواصل الحضاري، بما يشمله من فكر وحوار والاحتفاء بالتنوع الثقافي في المملكة والعالم.

ويرتكز “إثراء” على استراتيجية تعتمد على 3 محاور رئيسة مترابطة، كل محور يوصل إلى المحور الذي يليه:

1ـ توفير تجارب ملهمة تثير الفضول والاهتمام والشغف من قبل ضيوف المركز بدءًا من الأعمار الصغيرة إلى المتقدمة، ونتوقع عدد زوار في حدود 1,5 الى 2 مليون زائر سنويًا، وهذا رقم غير مسبوق في المراكز الثقافية في منطقة الشرق الأوسط، فعلى مدى جيل كامل (نحو 25 سنة) يكون قد زار “إثراء” وتفاعل معه نحو 50 مليون شخص، ونسعى لأن يكون لنا حضور ومحتوى مميز في الإنترنت أو ما يسمى بالفضاء السيبراني، كما ننفذ مشاريع وبرامج تواصل داخل المملكة وخارجها، مثل البرنامج الإثرائي في الحد الجنوبي، وبرامج جسور السعودية في الولايات المتحدة.

2ـ حينما يستثار فضول الزوار ولا سيما من فئة الشباب ويتم تحفيز الشغف لديهم، نحرص على إيجاد فرص لتطوير مهاراتهم عبر ادراجهم في برامج إثرائية، ونركز على المهارات الناعمة كمهارات القيادة والتواصل والتعاون والبحث، ومهارات التفكير والإبداع والابتكار، التي تصقل قدراتهم وشخصياتهم بحيث يصبحون أشخاص أكثر فاعلية وكفاءة في العمل والحياة ولهم إسهام إيجابي في العالم، وكذلك نسهم في تنمية بعض المهارات الفنية، مثل التصنيع الرقمي وصناعة الأفلام والصناعات المرتبطة بالمتاحف والفنون والمسرح وصناعة المحتوى، وبشكل عام نركز على مجالات الصناعات الإبداعية.

3ــ بالنسبة للمشاركين المتميزين في المحور الثاني، نحرص على أخذهم في برامج مكثفة لصقل مهاراتهم وبناء قدراتهم بشكل أعمق، وفي هذا المستوى نحرص على أن يشاركوا في صنع وإنتاج محتوى محلي ليكونوا منتجين لا مستهلكين فقط.
ونأمل أن يسهم “إثراء” في تحفيز وتمكين ألوف المبدعين والعلماء والقياديين بحيث يكونون سندًا لتنمية الوطن وتحقيق رؤيته، وأن نباهي بهم العالم.

ـ ما دور المركز في دعم المواهب؟

دعم المواهب وتمكينها هدف أساس من أهداف المركز، ويتم ذلك من خلال المبادرات المحليّة والعالمية، حيث يُعتبر “إثراء” منصّةً للإبداع، تلتقي فيه المواهب للتعلّم ومشاركة الأفكار وتنمية القدرات من خلال البرامج والمشاريع التي يقوم بها المركز كي يصبحوا روّادًا للمملكة تزامنا مع مسيرة التحوّل إلى اقتصاد قائم على العقول وعلى المعرفة.

وفي “إثراء” نبني مجتمعًا من المبدعين والمبتكرين، ونوفّر مساحةً لتعزيز التواصل الحضاري والثقافي مع العالم.

صرحُ المعرفة

ـ ما دور المركز في تحقيق رؤية المملكة 2030؟

“إثراء” مبني على فكر صناعة التحول والريادة فيه، فالعالم من حولنا يتغير بتسارع كبير، والمملكة أصبحت أيضًا تتحول بشكل كبير.

وحينما تم الإعلان عن رؤية المملكة 2030؛ كان التوافق مذهلًا بين الرؤية التأسيسية والأهداف والتطلعات لإثراء في مجال المعرفة والثقافة والإبداع، وبين العديد من مجالات الرؤية التي تستهدف أن تكون المملكة نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، ولا شك أن رؤية المملكة 2030 رؤية غير مسبوقة في طموحها واتساعها وتكاملها لصنع تحول إيجابي يحقق للمملكة الريادة استنادًا على نقاط القوة لديها.

وسوف يسعى “إثراء” كونه منصة تستقطب ملايين الناس خلال السنوات القادمة إلى دعم جهود المملكة في سعيها الحثيث نحو تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية، مُركّزًا بشكل خاص على الإبداع في المجالات الثقافية، من خلال توفير فرص غير مسبوقة للطلاب والباحثين والمبدعين، ليساهم كل منهم في هذه المبادرة التي تصبو إلى التقدّم الحضاري في البلاد، واستكشاف الطاقات الفكرية والإبداعية، وبناء جسر بين المملكة والعالم لإبراز ثقافتها محليًا وعالميًا نحو مجتمع المعرفة.
وسوف تثري هذه المبادرة الواعدة مستقبل اقتصاد المعرفة في المملكة العربية السعودية، الذي يتّسق بشكل وثيقٍ مع أهداف وطموحات رؤية المملكة 2030، التي أساسُها العلم والثقافة وجودة الحياة في المجتمع، وفي نفس الوقت تركز على إطلاق القطاعات الواعدة ومنها الصناعات الابداعية والثقافية.

مجالات التأثير

ـــ مجتمع المعرفة، أحد الأهداف المهمة للمركز.. كيف يتحقق هذا ؟

(إثراء) المجتمع السعودي والعالمي بإشعال الرغبة في المعرفة والتعلم، هو أحد الأهداف المهمة للمركز من خلال تركيزه على ما يسمى بـ STEAM وتعني مجالات العلوم والتقنية والهندسة والفنون والرياضيات، والاطلاع على كل ماهو جديد في العالم، هنا يقدّم العِلم باعتباره فنّاً يُمكنه جذب جميع الأعمار عبر وسائل تعليميةٍ عمليةٍ وجماعية تدمج بين التعليم والترفيه.

خلق فرص اقتصادية

ــ ما هو دور المركز في تعزيز الاقتصاد الوطني؟

هناك أربعة جوانب يسعى إثراء للإسهام فيها وسيكون لها بإذن الله أثر إيجابي على الاقتصاد.

الجانب الأول، هو إسهام إثراء في تنمية رأس المال البشري الوطني وهذا له ارتباط مباشر بالاقتصاد.

الجانب الثاني، يعتبر من أهم مقومات تنمية أي اقتصاد معاصر، وهو الاستثمار في تنمية الابتكار والفكر الإبتكاري والبيئة المساندة للإبتكار والمنظومة الداعمة له والمهارات المرتبطة بذلك، ولدينا في إثراء مختبر الأفكار، وهو مساحة لتوليد أفكار جديدة غير تقليدية وتطوير تلك الأفكار والوصول بها إلى نماذج ومنتجات تجريبية، حيث يتم تقييم جدواها الاقتصادية والفنية بما يجعلها منتجات قابلة للتسويق.

ويحتوي المختبر على 60 عمل إبداعي يحكي قصة الإبداع والابتكار، ومكتبة تعرض 1600 مادة مصنعة ذات مزايا ابتكارية، تُقام فيها 300 ورشة عمل سنويًا لتعريف المهتمين في مجالات الابتكار والتصميم؛ لتكون مرجعًا في توليد أفكارهم ومشاريعهم الإبداعية، حيث ينتج المختبر 50 نموذجًا سنويًا لابتكارات سعودية عبر برامج متخصصة بالشراكة مع جهات متخصصة عالمية.

الجانب الثالث، هو اهتمام إثراء بتنمية الصناعات الابداعية والثقافية التي تتقاطع مع مجالات الفنون والعلوم والثقافة والأعمال والتكنولوجيا، وهي الصناعات التي توفّر محتوى مهم لإثراء وبرامجه، كما توفر العديد من فرص العمل للمواطنين بشكل مباشر وغير مباشر.

الجانب الرابع والأخير، هو أن إثراء يعتبر إضافة مهمة في المنطقة كمعلم حضاري رائد ووجهة سياحية بمستوى عالمي تجتذب أعدادًا كبيرة من الزوار، وسيكون له مردود إيجابي بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد.

التطوّع والمسئولية الاجتماعية

ــ ما هو دور المركز في تعزيز ثقافة التطوع ؟

أعتقد سيكون إثراء هو المؤسسة الثقافية الرائدة على مستوى المملكة في تنمية ثقافة التطوع عبر برامج نوعية وبيئة مريحة ومنظمة، ونتوقع مئات الألاف من ساعات التطوع سنويا من قبل شباب وفتيات الوطن.
ونحن نحرص على توفير برامج تدريبية للمتطوعين، لما لها من تأثير كبير في تنمية المهارات القيادية والسلوكيات الإيجابية وبناء مجتمع قويّ ومتماسك، لذا فإن “إثراء” يوفر فرصًا للعمل التطوعي بوصفه العمل الأساسي للمواطنة، حيث يُعتبر وسيلةً لبناءِ المهارات الشخصية وتوفير الخبرات العمليّة، ودعم القيم الأساسية للمشاركة المدنية، لا سيما لفئة الشباب.

ـــــ وما نصيب المرأة من أنشطة واهتمامات المركز؟

نحن حريصون على الإسهام في تمكين المجتمع بشقيه النسائي والرجالي وتعزيز الفرص المتاحة فيه.
ويعتمد المركز في استراتيجيته وبرامجه على القدرات العقلية والإبداعية أكثر من اعتماده على جنس معين، فلا يوجد لدينا تصنيف أو انحياز لجنس عن آخر، وكل البرامج موجهة للجميع، وإن كان هناك برامج متخصصة لطبيعة المرأة.
وقد صُمّمت أقسام البرامج في “إثراء” بهدف تحفيز حب الاستطلاع وتوفير الفرصة وتحدّي المواهب في مجالات العلوم والفنون، كي يصبحوا روّاد المملكة في مسيرة التحوّل إلى اقتصاد المعرفة.

ومنذ تأسيس المركز، شاركت فيه المرأة جنبًا إلى جنب مع الرجل، ونسبة مشاركة الفتاة والمرأة في برامج وأنشطة المركز تتراوح بين 35% و50 %، ويلعبن دورًا كبيرًا في تقديم الفعاليات والأنشطة المختلفة.

منصّةٌ للتعلُّم

ـــ مكتبة “إثراء” من أكبر المكتبات في المملكة.. بم تتميز؟ وما الذي تضيفه؟

من الطريف أن أذكر أن فكرة “إثراء” بدأت بإنشاء مكتبة ثم تطورت إلى إنشاء مركز ثقافي متكامل؛ لذلك فالمكتبة هي منطلق المشروع الإثرائي وهي بوابة الفكر والبحث والمعرفة.

والمكتبة في “إثراء” تعتبر غير تقليدية، حيث حرصنا أن نتخيل كيف تكون مكتبات القرن الـ21 خاصة في ظل انتشار التقنيات الرقمية للوصول إلى المعرفة، وعلى الرغم أنها تعتبر مكتبة ضخمة تصل طاقتها الاستيعابية إلى نصف مليون كتاب وتحتوي في رفوفها التي يصلها الزوار على 220 ألف كتاب باللغتين العربية والإنجليزية، إلا أن ما يميزها ليس الحجم فقط بل أيضا فكرتها بأن تكون مكانًا عامًا، وبيئة جذابة بتصاميم عصرية فريدة، وأن تكون المكان المفضل للحوارات والنقاشات المعرفية والفكرية، ومن هنا كان في المكتبة مقهى كبير يساعد الزوار على قضاء أوقات ممتعة في الحوارات الثقافية والاجتماعية، ونحن نأمل أن هذه الحوارات تؤدي إلى توليد وإنتاج المعرفة ليس فقط استهلاكها، فالأفكار تتولد حين يتحاور الناس.
وفي رأيي لو كان المتنبي حيا وزار مكتبة إثراء لوجدها أعز مكان في الدنيا.

وتتميز المكتبة بتقنياتها الرقمية ومستوى الخدمة فيها، والبرامج المرتبطة بها، مثل مسابقة “أقرأ” وهي المسابقة الوطنية للقراءة التي تنظمها أرامكو السعودية من خلال “إثراء” ويشارك فيها أكثر من 20 ألف سنويًا من مختلف أنحاء المملكة، ما يعزز فرص التواصل مع مختلف شرائح المجتمع من خلال البرامج التفاعلية والأنشطة التي تناسب مختلف الفئات العمرية.

برج المعرفة

عالم تفاعلي

ــ ماذا عن المتحف ؟ وما يمكن أن يقدمه من أنشطة ؟

إثراء يضم عددًا من المتاحف وقاعات العروض ولكن المتحف الرئيس تم تصميمه ليكون نصفه بمحتوى ثابت، والنصف الآخر بمحتوى متغير باستضافة معارض زائرة وتطوير معارض متنوعة.

والمتحف يحاول التصدي لمشكلة ثقافية وهي أن الغالبية الكبيرة من أبناء الوطن، ولا سيما الجيل الجديد معرفتهم قليلة نسبيا بالمملكة وما تزخر به من إرث حضاري عريق وتنوع طبيعي وثقافي.

أما زوار المملكة فهم في الغالب الأعم يتشوقون لرؤية محتوى جيد يعطيهم صورة ذات مصداقية عن المملكة، وبشكل عام يوفّر المتحف رؤية بانورامية لإعادة اكتشاف الثقافة السعودية والعالمية.

ــ ماذا عن متحف الطفل ؟ ودوره في تنمية الطفل السعودي؟

هو الأول من نوعه في السعودية، وهو مخصّص للأطفال حتى سن الثانية عشر، وسيكون المتحف مكانًا لتطوير مهاراتهم المعرفية والشخصية من خلال المعارض والأنشطة والتجارب التعليمية المسليّة التي تساعدهم في اكتشاف ذاتهم وهويتهم وبناء ثقتهم وشخصياتهم.

ولكونه مصممًا للأطفال فإن محتواه يبعث على الجاذبية والمرح، ومصمم وفقا لأفضل الممارسات العالمية في متاحف الأطفال، كما يضم متحف الأطفال قاعات لدورات إثرائية تعزز اكتشاف الطفل لنفسه والعالم المحيط.
ونحرص في “إثراء” ضمن السياسات المنظمة أن يكون الطفل مصحوبا بأهله بحيث تكون الاستفادة متبادلة وتعزز العلاقة بين الطفل وأهله.

ثقافات متعدّدة

ـــ وما دور المركز في دعم الترفيه ونشر الثقافة الفنية؟

هناك اهتمام كبير بالفنون، فلدينا مسرح “إثراء”، وهو من أكبر المسارح إذ يحتوي على 900 مقعد، ويستضيف نحو 30 عرضًا محليًا وعالميًا، ويستهدف آلاف الزوار سنويًا من مختلف أنحاء العالم، ما يجعله نافذة على العالم لتوسيع آفاق الزوّار،حيث يعرض أعمالًا سعودية وعروضًا فنيّة من جميع أنحاء العالم، كما له دور تعليميّ وتدريبي يهدف إلى تنمية المعرفة والمهارات من خلال تطوير الكتّاب المسرحيين والمخرجين والممثلين السعوديين، والحرف الأخرى المرتبطة بالمسرح مثل: تصميم الديكورات، والإضاءة، والأزياء، وإدارة خشبة المسرح.

كما أن المركز يضم قاعة السينما التي تضم 300 مقعدًا، وتعرض أفلامًا سينمائية سعودية وأفلامًا وثائقية من مختلف أنحاء العالم، والعديد من هذه الأفلام يكون من انتاج “إثراء” أو بدعم منا، بما يسهم في رعاية وتنشئة المواهب الشابة الواعدة في المملكة بالمجال السينمائي.
بشكل عام نأمل أن يكون للمسرح والسينما في “إثراء” إسهام ملموس في تنمية الصناعات المحلية الإبداعية والوصول بها إلى مستويات عالمية بحيث نستهلك ونصدر منتجاتنا الثقافية والإبداعية ونتفاعل مع العالم بشكل أكثر تأثيرًا.

ـــ اتجهت أنظار العالم للمركز لاستضافته أعمال القمة العربية الأخيرة .. ما أثر ذلك عليكم؟

يُلقي الكثير من المسؤولية علينا جميعًا كعاملين للحفاظ على المستوى المميز، فلقد كان اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – “إثراء” ليستضيف القمة العربية الـ 29 تكريما للمركز وللثقافة بشكل عام تشريفًا لنا جميعًا ،

والمركز إضافة لقيمته الثقافية والتاريخية، فإن به القاعة الكبرى التي تعد تحفة معمارية ونقطة اتصالنا، ونافذة “إثراء” على العالم، حيث تبلغ مساحتها 1600 متر مربع، وهي مؤهلة لاستضافة المعارض والفعاليات الكبرى الزائرة من حول العالم.

الرابط المختصر :