صبحة بغورة تكتب: مصروف البيت في شهر رمضان

قد لا تغادرنا ونحن نتنسم عبق أيام شهر رمضان، شهر الخير والبركات تلك الصورة النمطية الراسخة في أذهان الكثيرين عن هذا الشهر، وهي أن رمضان مرادف للجوع والعطش، وأنه في الذاكرة الجماعية موسم التعب والكسل، والأكل، والنوم طويلا بالنهار ثم السهر، وأنه أيضا شهر المصاريف التي تحسبت له الأسر والعائلات قبلها بوقت كاف وأعدت العدة لاستقباله استقبالا مثاليا، وضبطت عقارب الساعة على وقع شهر الصيام ماديا ومعنويا تعظيما لمكانته وتبجيلا لقيمته.

وتستقبل الأم شهر رمضان بسرور وتسعى لتوفير الأجواء الرمضانية في بيتها، وتوفير المستلزمات المنزلية من أدوات ومواد التنظيف البيت المختلفة.

ومن أجل ضمان متعة وقوفها في المطبخ لاستعراض ما تمكنت من معرفته حول مهارات الطبخ وطرق إعداد الأصناف الجديدة من المأكولات والمشروبات، فهي تتحمل عن رضا الكثير من المسؤوليات، وتواجه العديد من الأعباء التي لاشك تشكل في مجموعها ضغوطا بدنية ونفسية تفرض عليها حتمية تقسيم وقتها بين العمل وبين المهام المنزلية وما بينهما؛ إذ عليها أن تجعل من شهر رمضان المعظم فرصة للتخلص من العادات القديمة التي لازمتها طوال العام وعلى رأسها كيفية تحقيق التغذية السليمة والصحية لها ولعائلتها.

معادلة صعبة؛ لأن العادات الغذائية الأسرية المتوارثة لقضاء هذا الشهر تجعل من المحرج العدول عنها أو تجاهلها خاصة إذا كانت الأسرة على موعد لاستقبال أحدهم على مائدة الإفطار وإلا جرى اعتبار ذلك تقصيرًا معيبًا في واجب الضيافة، وعلى الأم أن تتحمل عبء توفير كل ما يضمن أن يكون الاستقبال مثاليًا ويرتقي إلى ذروة المحبة باقتناء لوازم الجديد من أطعمة المائدة ومفروشاتها التقليدية، وتسيطر ثقافة التغيير على معظم العائلات كل رمضان؛ حيث ترفع شعار التجديد والتنظيف منذ منتصف شهر شعبان كرمز لطهارة المكان ونقائه.

ينتاب البعض شعورًا عميقًا بأنه لا يحسن التصرف في المال، ويطرأ هذا الشعور على نفس كل فرد، حتى يبلغ حد الهوس خلال شهر رمضان، وهي في الحقيقة حالة نفسية مرضية يعرف أن أصحابها يكثرون من الإسراف وصرف المال دون وجه حق، وهو ما يضعهم سريعًا في حالة عسر مالي أو صعوبات مادية كثيرة.

ويحتاج الأمر إلى توفر اعتبارات شخصية خاصة في أيام شهر رمضان الكريم، إلى الحكمة في الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى المال، وإلى قدر كبير من الرشادة في تقدير أهمية المال، وفي كل الأحوال يعتمد الأمر أيضًا على المفهوم السائد حول الدين أو القرض لأنه ليس بالأمر السهل وليس بالأمر الذي يمكن التهاون فيه، لذلك وجب حسن التصرف في المال في الحدود الممكنة، دون إسراف وتبذير أو الصرف ببذخ بدعوى إطفاء جوع وعطش الصيام، وبغير بخل وتقطير، بزعم قلة ما في اليد.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: لكل أسرة.. نفحات إيمانية في رمضان

وقد تكون ربة البيت هي أول من يواجه معضلة تحقيق التوازن بين الدخل والمصروف خاصة إذا اعتمدت كليا على ما يوفره الزوج وحده من مال قد لا تعلم في الحقيقة وعلى وجه التحديد قدره، فيصعب عليها وضع الأولويات وتحديد الأسبقيات في الصرف.

وعموما نقول، إن وفرة المال لا تعني أن نبذر في الصرف، وأنه لابد للإنسان أن يشعر بقيمة الأشياء، فالإنسان الذي لا يشعر بقيمة المال وبقيمة الأشياء، ربما لا يحسن التصرف فيها.

يقال أن ربة المنزل كوزير المالية للأسرة، باعتبارها المسؤولة عن وضع ميزانية الأسرة وضبط مصاريف المنزل وعملية الإنفاق وشراء متطلبات العيش من طعام وشراب وملبس الأطفال وسداد فواتير الكهرباء والغاز والماء، وربما أمكنها توفير بعض المال لمواجهة متطلبات طارئة، وهو أمر نادر الحدوث في شهر رمضان، والقيام بهذه المهام يحتاج في كل الأحوال إلى تمتع الزوجة بعقلية حسابية ومهارات خاصة في جودة التقدير وحسن التعامل مع الباعة، وبأن تتخلى بداية عن حالة السلبية عند تعرضها لحالة غش في نوعية السلعة أو مبالغة في سعر سلعة ما، وأن تتحلى بالشجاعة الكافية لتتمسك بحقها وترفض الاستغلال ولا تتردد في مقاطعة البائع الجشع المستغل لحاجة الصائمين في رمضان.

دور المرأة في التخطيط الجيد لميزانية الأسرة دور كبير وهام ولا غنى عنه، لأنه يؤدي إلى تحديد وترسيخ قيمة كبيرة في حياة أفراد الأسرة، وهي بكل تصرفاتها ولفتاتها وأحاديثها تؤكد على كيفية ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف وتحقيق التوازن المالي الذي يبعث على الاطمئنان، لأنه ليس أشق على العائلات من أن تنساق وراء شهوات البطن التي تهيج أكثر ما تهيج في أيام رمضان.

الكثيرون في شهر رمضان، يجدون صعوبة بالغة في مقاومة شهوات النفس وفي كبح جماح رغبتهم الملحة في الاقتناء غير البصير لكل ما لذ وطاب تحت وطأة شدة الصيام ومعاناة الشعور بألم الجوع أو قسوة الإحساس بالعطش، فيجدون أنفسهم بعد أيام قلائل أمام أحد الأمرين: حالة إفلاس وشيكة تدفعهم إلى التقشف الاضطراري، وبالتالي التخلي عن ما ألفته النفوس من أنماط استهلاكية معينة وما درجت العادات والتقاليد عليه، أو اللجوء إلى الاستدانة وهو أمر ليس بالمتوفر ولا باليسير لأن الأعباء المالية تكون عادة ثقيلة بما يكفي على كل العائلات.

ونخلص من كل هذا، إلى أن طبيعة الإنفاق السخي والأقرب إلى التبذير المقيت خلال أيام شهر رمضان ليست هي من تجعله شهرًا معظمًا، ولكن الاعتدال في الإنفاق والرشادة في التصرف وعدم الإسراف هو من يجعله مباركًا على الأسرة وعلى المجتمع، فالحكومات تبذل في حدود المتاح لها وفي إطار ما يمكنها من أجل ضمان توفير مختلف صنوف المواد الغذائية في الأسواق تحسبا لشهر رمضان، وطبيعي أن يتم استيراد كميات كبيرة منها خاصة التي تنتج محليا وهذا يعني ارتفاع فاتورة الاستيراد.

ومن الحكمة، أن لا نجد من يرمي بقايا الطعام في المزابل العمومية، ولا نرى رغيف الخبز ملقى بالمئات في الشارع، وهي حالة ما زالت شائعة للأسف في المجتمعات الإسلامية، ورمضان كريم.

اقرأ أيضًا: صحتك في رمضان.. نصائح للإقلاع عن التدخين