صبحة بغورة تكتب: خصوصية المراهقـة عند الفتاة

تحتاج كل فتاة منذ بداية أيامها في عالم المراهقة إلى متابعة مستمرة من الأم التي عليها أن تتهيأ حينها للقيام بدور جديد يتطلب منها الكثير من الحكمة والهدوء؛ لتهوين ما يعتري فتاتها من حيرة وحياء وخوف تجاه التغيرات الفسيولوجية التي تلاحظها في ذاتها، وما يصاحبها من تقلبات مزاجية واضطرابات نفسية تمر بها نحو سن البلوغ.

تحتاج كل فتاة إلى تفسيرات حول أدق خصوصياتها وحول أكثر الأمور حساسية في عالمها المغلق وطبيعي أن لا تجد ما تبحث عنه سوى في حضن أمها صندوقها الآمن والأمين لحفظ أسرارها وخير عون لها على اجتياز تقلبات أصعب فترات حياتها التي ستتشكل فيها مكونات شخصيتها في عالم متغير تلعب فيه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي دورًا مؤثرًا في صناعة الأفكار ورسم التوجهات.

ككل بداية، تكون الأم المثل الأعلى لابنتها، لكن يحدث لدى بعض الفتيات أنه بمجرد أن تصل سن البلوغ تنأى بجانبها عن أمها، ثم تسيطر على سلوكها مظاهر الميل نحو الاستقلالية في الموقف بغير خبرة، والتعبير بكل حرية عن رأيها دون تحفظ أو تبصر، مما يجعل علاقتها بأمها تتوتر إلى حد خلق أجواء تصادم لفظي حاد بينهما، وترديد عبارات تنم عن غرور الفتاة وادعائها بأنها أصبحت ناضجة وبأنها تعرف جيدا ماذا تفعل.

وتتعمد الفتاة إظهار العناد كعدم تقبل النصح ورفض المشورة، وتبقى الأم على فطرتها الأولى تنظر إلى فتاتها بنفس النظرة الأولى عندما كانت طفلة بحاجة إلى مساعدتها، وتخشى دائما عليها لعلمها أنه ينقصها الكثير لتتعلمه وتدركه وأنها ستظل بحاجة ماسة إلى أمها لتحميها من كل ما يؤذيها.

الفتاة من جانب آخر، ينازعها شعور قوي بالاستقلال الذاتي الذي تحتاج معه إلى مسافة حرة لا تفرض عليها القيود والحواجز، ولكن لا تشعرها في الوقت نفسه بالنقص من غياب أمها تماما كما لا تلغي بداية التبلور الطبيعي لشخصيتها، إنها بحاجة إلى مسافة مدروسة لا تبتعد فيها الأم عنها كثيرًا بالحد الذي يفوق المطلوب والذي قد يسبب للفتاة شعورًا سلبيًا عميقًا بالافتقاد للأم الذي قد يدفعها إلى البحث عن شخصية بديلة عنها، ولا تكون قريبة جدًا منها بشكل يمنعها من الاجتهاد الهادئ في تكوين شخصيتها.

إنها مسألة تربوية صعبة التقدير لأن الخطأ فيها يعني أن تغطية فترة المراهقة بمشاعر الأمومة ومظاهر العناية والرعاية والحماية لم تتسم بالمسافة النقدية اللازمة من معايشة الأحداث لضمان فورية تدخل الأم وبدء التعامل مع ما صعب على الفتاة فهمه في وقت مبكر.

وطبيعي أن تحاول كل أم جاهدة أن تمثل القدوة الحسنة لابنتها، وعليها أن تحرص دائمًا ألا تتقاطع يوما تربيتها لها مع استبدادها، وأن تتجنب كل ما قد يضيع نصحها لها وتخفيفها لمتاعبها النفسية.

العلاقة بين الأم وابنتها من أقوى العلاقات، وهي تترك دائمًا الأثر الأكبر في حياة كل فتاة.

وتعد مرحلة المراهقة فترة بناء مضطربة من العمر؛ حيث يمكن أن تؤدي حالة عدم الانسجام الداخلي لدى كل مراهق ومراهقة مع معطيات الواقع الأسري والبيئي الخارجي إلى خلق مشاعر رفض ساخطة، مستنكرة، بل وقد تفكر بأمور وضيعة بوالدتها، ثم تستسلم نفسيتها لتراكم المشاكل والمفاهيم المنحرفة التي تأخذها بعيدًا عن التقاليد وعن الالتزام بالقيم وعن أسرتها، فتدخل مرحلة التمرد على واقعها، مرحلة المعتقدات المتلاطمة والمفاهيم غير الصائبة التي لا ينتج عنها سوى حالات التسيب والانحراف الأخلاقي والزواج السري.

ومن أجل تجنب وقوع كل ذلك، لابد أن يعي كل والدين أن فترة المراهقة التي تمر بها ابنتهما، هي نفسها التي مرا بها في حياتهما، وهي أهم مراحل النمو في حياة الفتاة؛ لذا على كل أم أن تدرك خطورتها وتراقب ابنتها بدون أن تشعرها بذلك، وأن تتقرب وديا منها من منطلق الصداقة المتبادلة بينهما، وأن تتجنب كل ما يمكن أن يسبب لها إحراج أو نفور كتوبيخها علنًا وأمام الآخرين، والشكوى المستمرة لوالدها من تصرفاتها والبوح بأسرارها للغرباء.

ومن شروط المتابعة الصحيحة لتصرفات الفتاة عن بعد، تبليغ النصح بطريقة غير مباشرة، والابتعاد عن توجيه الأوامر الصارمة أو تعمد السخرية من سلوكها وتسويف مشاعرها، وتفادي أسلوب المقارنة بينها وبين قريناتها، وعدم معاقبتها من أول خطأ بل التوضيح لها أن محاولة إخفاء الخطأ والابتعاد عن الأهل أشد من الخطأ نفسه؛ كي تعتاد الصراحة والوضوح مع أهلها. من أفضل السبل لتقريب المسافات الفكرية بين الفتاة وأمها، هو تثقيف النفس باستمرار، فمن جانب الأم عليها أن تتعلم أحدث الوسائل التكنولوجية التي يستخدمها الجيل الجديد؛ لتكون قريبة من تفكير ابنتها وتتمكن من فهمها أكثر، وأن تتمتع بقدر كبير من ضبط النفس وتقويم السلوك؛ ليتسنى لها القيام بدورها في معالجة ما قد تلاحظه على الفتاة من الغرور منذ الصغر قبل فوات الأوان حتى لا تتحول إلى حالة من التكبر في مرحلة عمرية لا تنفع معها أي محاولة للإصلاح.

وهنا يجب التفريق بين مفهوم الثقة بالنفس الناتج عن أدبها وتحصيلها الدراسي الجيد واهتمامها بحسن مظهرها وتنظيم غرفتها وعلاقتها الطيبة بالناس، وبين صفة الغرور والتكبر، ومن المفيد تشجيعها على التواضع والمعاملة الحسنة بمفهوم الصحيح، ومن شأن إهمال هذه الاعتبارات أن تقع مشادات كلامية بين الأم وابنتها المراهقة بسبب ملابسها وتسريحة شعرها ومكياجها الزائد.

ويمكن هنا أن يلعب الأب دورًا للتهدئة بالتوجيهات الهادئة الطيبة، والتخلي أمامها عن نبرة الأوامر الأبوية الحادة وأن يُبدي قدرًا معقولا من التفهم وسعة الصدر، حينها لن تجد من هو أفضل من أبيها لتفتح له قلبها وتخبره بما يشغل بالها وتقبل منه النصح والإرشاد، وكلما تركها تبدي وجهة نظرها بكل حرية وصراحة ودون توبيخ كلما كانت أكثر صراحة بما تواجهه في حياتها اليومية من مشاكل خاصة ذات الصلة بالشأن العاطفي، والتحرر من حبس الأفكار المتضاربة والآراء المضللة.

الفتاة المراهقة تحتاج إلى العديد من الفرص لتتعلم من أخطائها قبل الاحتكاك بالمجتمع وقبل أن تجد نفسها مضطرة لحل مشكلاتها دون مؤازرة من أحد؛ لذا يجب التأكيد عليها بعد طلبها الاستشارة أن تفعل ما تعتقد أنه في صالحها.

التفاهم والتسامح بين الأهل أساس جوهري لبناء علاقات أسرية طيبة، وكم علينا أن نعاني لفك ألغاز العلاقة بين الأهل والأبناء وأن نسعى لفهم كيفية تحقيق التوازن في علاقة غير متوازنة، وأن نحاول التقريب بين طرفين مختلفين كليا في مستوى الأفكار وطبيعة المفاهيم وفي نمط الحياة في عصر شديد التقلب ودائم التغير.

 

                                                                                                                    صبحة بغورة                                                                               متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

 

اقرأ أيضًا.. صبحة بغورة تكتب: الطفل المستأسد