صبحة بغورة تكتب: الطفل المستأسد

كثير ما يترك الوالدان أبناءهما يتشاجرون فيما بينهم ويصرفون النظر عنهم وهم أمامهم، فلا يتدخلون لفض نزاعهم؛ بل يتركونهم على حالهم ويراقبونهم فقط لمنع تصعيد مستوى الشجار إلى مرحلة الخطر.

 الطفل المستأسد

وهدف الوالدان من وراء ذلك، هو جعلهم يعتمدون على أنفسهم في اكتساب مهارة حل مشاكلهم بأنفسهم، وبرغم أنه من الناحية التربوية موقف صحيح إلا أنه أحيانا لا يخلو من نتيجة تخالف ما كان مأمولا في الواقع؛ حيث تبرز خلال المشاجرات وبعدها ظاهرة استئساد أحد الأطفال على إخوته وجيرانه وزملائه في المدرسة خاصة إذا تغاضى المدرس بعض الشيء عن شغب التلاميذ ولو في إطار محدود داخل الصف؛ إذ تتجمع تدريجيًا عناصر قوة الشخصية والميل إلى الهيمنة في بضعة أطفال خاصة ذوي الأجسام الكبيرة فيستأسدون على زملائهم ويمارسون عليهم سلطة طفولية ولكنها قائمة على التخويف والتهديد .

يتحمل الكبار مسؤولية أساسية في تشكل هذه الظاهرة التي تعد في حد ذاتها نتيجة غير مرغوبة تسببوا هم في بروزها وفي ما ستؤدي إليه من تداعيات سلوكية سلبية على المستوى الاجتماعي.

الحقيقة أن الطفل المستأسد في هذه الحالة ضحية عدم الوعي بأولويات العمل التربوي السليم سواء في البيت أو المدرسة أو الحي؛ حيث ستبرز ما يترتب عليه الحال على المدى الطويل عندما يكبر الطفل وتكبر معه مشاكله الاجتماعية حين يفقد قدرته على التفاعل الاجتماعي والتعامل الودي مع الآخرين ويصبح عاجزا عن التعبير عن مشاعره وعن حاجاته.

ويمكن أن يمتد أثر ذلك إذا لم يتم إصلاح هذا الخلل في شخصية الطفل المستأسد في مرحلة مبكرة لأنه سيظل في حالة معاناة عاطفية وإخفاق مزمن في علاقاته الاجتماعية وخاصة علاقته الزوجية ، لذلك ليس هناك من سبب يسوغ الغبطة التي يشعر بها الأب عندما يرى ابنه ذا سطوة على زملائه في المدرسة وأبناء جيرانه وعلى إخوته في المنزل .

كما يتحمل الكبار مسؤولية ما ينتج عن استئساد أبنائهم على الأطفال الآخرين الذين يتعرضون لهذا السلوك العدواني، لأنه إذا لم يتم التعامل بنظرة ثاقبة من أجل التدخل السريع وبشكل حازم لوضع حلول جذرية فسوف تتعمق جذور المشكلة خاصة على المستوى النفسي؛ حيث ستتشكل مشاعر الدونية والاستسلام في نفوسهم ويصبحوا بعد ذلك أفرادا خانعين في مجتمعهم.

وما يزيد الأمر سوءًا، أن يكون الطفل مقموعًا أيضا في البيت وفي المدرسة، فالتربية السليمة هي التي تضمن للطفل مساحة واسعة للتعبير عن رأيه بكل حرية وصراحة وتكسبه الكثير من الشجاعة الأدبية الكافية ليعبر عن رفضه كل ما يضره سواء كان هذا الرفض والمعارضة موجها إلى زميل مستأسد أو أخ مهيمن، وعلى الوالدين تشجيع ذلك بترك المجال أمام طفلهما للتعبير عن قدرًا معينًا من الرفض لإرادتهما بما قد ينمي لدى الطفل شخصية مستقلة قادرة على تقييم الأمور والتحلي بالمسؤولية.

والطفل الذي يتعلم كيف يعبر عن مشاعره وعن احتياجاته ويحترم حاجات ومشاعر الآخرين هو شخص متوازن، لا يمكن أن يكون مستأسدًا أو ضحية لاستئساد الآخرين ، وتبدأ خطوات بناء الشخصية المتوازنة لدى الطفل من إعطائه الحرية في اختيار الألعاب التي يرغب فيها والملابس التي يفضلها وأنواع الطعام الذي يشتهيه أكثر، وربما قد تكون بعض خياراته خاطئة أو غير مناسبة من وجهة نظر الكبار،و في هذه الحالة ينبغي التصرف على أساس توخي مبدأ الإقناع والحرص على إظهار الحجة وفق قاعدة أن الضرر الذي يورثه سوء الاختيار هو أقل بكثير عن الضرر الذي يسببه القمع العنيف والسخرية على شخصية الطفل مستقبلًا.

وكلما تدرب الطفل على الثقة بنفسه وبمشاعره وكلما تمتع بالتقدير المناسب؛ فإنه سيكون أكثر مقاومة لأساليب هيمنة الآخرين المستأسدين على تصرفاته ومحاولات سيطرتهم على مواقفه، كما سيكون أكثر احترامًا لكبار السن خاصة الذين يعاملونه بلطف، فالطفل الواثق من نفسه هو مشروع شخصية ناجحة في عملها وفي مشوار تحقيق أهدافه في الحياة.

إذا كانت المدرسة تبقى في كل الأوقات مهمة في وضع الطفل على طريق النجاح، فإن الأبجديات الأولى للتربية تبدأ من بواكير الوعي لدى الطفل الذي سيكتسب في المرحلة البدائية بمنزله وفي السنوات السابقة لمرحلة الالتحاق بالمدرسة مهارات حيوية وصفات كبرى، مثل: الحزم في إبداء الرأي، التعامل بكل جدية مع مختلف الأمور، تنمية مقدرته على البت في المشاكل التي تعترضه، وتدريبه على اتخاذ الحلول المناسبة وحده أولًا ثم تعليمه كيف يعبر عن حاجته ويطلب المعونة في الوقت المناسب، وتوعيته بأهمية إدارة ظهره للكثير من أسباب إثارة الانزعاج الروتينية في الحياة والاستفزازات التي لا تستحق التعامل معها، والأهم تعليمه كيف يواجه الطفل المستأسد بشجاعة مهما كانت النتيجة.

وذلك لا يعني أن ينجر الطغل للعراك معه، وإنما رفض الخضوع لهم ولو بالاستعانة بشخص كبير وموثوق مثل المدرس بالمدرسة، ويجب التأكيد دائمًا على مساوئ السلوك العدواني وأساليب الهيمنة والتمييز، والتذكير بفن قبول الآخر والتعامل معه وفق قواعد الاحترام، وعلى كل مربي أن يبين للطفل مرارًا وتكرارا الإنجازات الشخصية التي تمكن من تحقيقها عندما اعتمد على قدراته الذاتية وتعمد مقارنتها بتلك التي تحققت بعد التواكل على الآخرين.

                                                                                                                           صبحة بغورة                                                                                  متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: علمي طفلك عادات وتقاليد عيد الأضحى 2020