صبحة بغورة تكتب: أثر المشاحنات الزوجية على الأطفال

صبحة بغورة

ما من أسرة سعيدة في العالم يمكن وصفها بالأسرة المثالية بناء على انعدام وجود مشاحنات بين أفرادها كأساس وحيد للحكم عليها، فالخلافات أمر طبيعي بين الوالدين، وهي تحدث لاختلاف الرأي وتباين الموقف على أمور مصيرية كبيرة، وقد تحدث أيضًا لأبسط الأمور الصغيرة والتافهة، والعبرة تكمن في كيفية تعامل الوالدين مع الموقف الخلافي.

إذ لا يمنع أن يختلف الوالدان مع بعضهما البعض، ويكون الحديث بينهما عن سبب الخلاف بهدوء أولًا، وفي احترام متبادل ثانيًا، وأخيرًا الالتزام بالنقاش الموضوعي الهادف للوصول إلى حل، والقبول به دون تكبر، فنكون هنا -بفضل النضج الفكري- قد تجنبنا تبادل الكلمات الحادة والنزاع، والعكس صحيح.

وتبقى المشكلة الأبرز، ما شعور الأطفال في أثناء المشاحنات؟ وكيف يمكن التنبه إلى ضرورة مراعاة شعورهم؟

معظم الأطفال يشعرون بالقلق والاضطراب عندما يتشاجر الوالدان، الصراخ والأصوات العالية وكلمات الغضب التي قد يستخدمها الوالدان، تجعل الأبناء يشعرون بالحزن والذعر.

هذا الشعور يستبد بالأطفال، ويمتد حتى عندما تتسبب المشاحنة في أن يقاطع الوالدان بعضهما البعض، ولا يتحدث كل منهما للآخر، وينقطع  كل تواصل بينهما، كلها أسباب تؤدي بالأطفال إلى النتيجة نفسها.

ولا تعني كل مجادلة أن الوالدين على وشك الانفصال الوجداني أو الطلاق، فكثير من المجادلات والمشاحنات تكون من قبيل التنفيس من ضغوط مهنية، أو مشاحنات وظيفية بسبب أمور أخرى يمكن أن تؤدي إلى انفلات الأعصاب من حين لآخر.

ولكن قد يجد بعض الآباء أو الأمهات أنفسهم عندما يضطربون يصرخون ويقولون كلمات لا يقصدون معناها، ولا يعنونها بالضرورة، وأحيانًا لا تعني المشاجرة أن أحد الوالدين أو كلاهما قد فقد أعصابه متأثرًا بيوم عمل طويل وشاق نغض عليه الحياة، بعدما أحاطه بهموم عدة ومشكلات كثيرة.

يحدث أن يشعر الأطفال بالحزن إزاء أي من الوالدين في أثناء المشاجرة أو بالغضب من أحد الأبوين في حالة أصاب أحدهما الطرف الآخر بضرر أو ألحق بالأطفال الأذى.

وفي كل الأحوال فإن المشاحنات بين الأبوين تجعل الأطفال في حالة نفسية صعبة ومعقدة، فيعمدون في ظل الصراخ والضجيج وكثرة المشكلات إلى كثرة البكاء؛ لأنها أجواء لا يمكن أن يتحملها أطفال صغار أو مراهقين.

وقد يتعذر عليهم النوم أو الذهاب إلى المدرسة أو الاندماج مع أترابهم، خاصة إذا حضروا مراحل اشتداد حدة الشجار، وسمعوا أحد الأبوين يطلق كلمات غير لائقة أو تصرف بطريقة غير لطيفة وغير مهذبة.

أو لمسوا عن قرب التعامل غير المحترم والبعيد عن اللباقة، وصم آذانهم عن الصراخ وسماع ما ينعت أي منهم الآخر بصفات سيئة وكلمات نابية، التي قد تؤدي في النهاية إلى تطور المشاحنة لمشاجرة باستخدام الأيدي والدفع والضرب.

وهنا لا بد من تدخل الأهل والأقارب للمساعدة وحل المشكلات، التي لا تليق بوضع أطفال يبحثون عن السكينة في منزل خصص ليكون مكانًا للهدوء والراحة.

فصراخ الأزواج والمشادات الكلامية الحادة والانفعالات المتكررة التي لا يحسب لها الزوجان حسابًا، ولا لما تتركه من آثار سيئة على نفوس الأبناء عاطفيًا وجسديًا، دون الالتفات لعيون خائفة تراقب ما يقع من وراء الأبواب، ودون الاكتراث لدموع الأطفال وللأفكار التي يمكن أن تسيطر على عقولهم، وتبقى في ذاكرتهم حتى بعد انتهاء المشكلة.

إن أسوأ ما تتعرض له الأسرة من هزات عنيفة عندما يدب الخلاف بين الزوجين، ويصل إلى طريق مسدود، ويقف الأبناء بينهما في حيرة من أمرهم، يقفون وقد انشطرت قلوبهم إلى قسمين أحدهما يدعى الأب، والآخر يسمى الأم، يرونهم يتنازعان في لحظة جنون.

ويرتكب الزوجان  جرمًا في حق الأبناء بارتباطهما في سن صغيرة من العمر، ولم يكونا بعد مسؤولين عن تصرفاتهما مسؤولية كبيرة، بالإضافة إلى عدم قدرتهما على تحمل وفهم أعباء الحياة الزوجية وواجباتها، وبالتالي لم يتحملا مواجهة أول مشكلة اعترضتهما، ولما عجزا عن إيجاد صيغة للتفاهم لحماية بيتهما والتضحية من أجل أبنائهما وقعت المشاحنات والخلافات.

حدوث جدل ووقوع مشاحنات بين وقت وآخر يمكن أن يكون أمرًا صحيًا، طالما جرى بنضوج وتعقل، وإذا كان يساعد الأشخاص في إخراج ما بالصدور من ضيق، وما بالنفوس من مكنونات يصعب أن يظل أسيرها.

والمهم أن يتمكن أفراد الأسرة من التعبير عن مشاعرهم، وما تجيش به أنفسهم من أحاسيس مختلفة، وما يشغل بالهم من أفكار، حتى ولو كانت غير متوافقة مع الآخرين، وليست على هواهم.

الاختلاف المعبر عنه بتعقل وبنضج لا بد أن يؤدي في النهاية إلى فهم أفضل للآخر؛ ما يؤدي إلى تقارب أكبر بين الأفراد الأسرة، فإن كل فرد عليه واجب أن يحاول جعل الحياة أفضل للجميع، وإذا وقعت المشاحنات يكون أساس كل جهد لحلها الحب والتفاهم والجهد المخلص والتفهم، فـبها وحدها يمكن للأسرة حل كل مشكلاتها مهما كانت.

مفهوم الحياة في كل المجتمعات يكمن في التواصل بالحوار، لا في الصراخ، وللأسف أكثر المشكلات الأسرية التي تقع بين الزوجين هي الزواج المبكر، والاختلاف في المستوى الثقافي والاجتماعي والعلمي، وإفراط الزوجة في محاسبة الرجل على كل الأمور؛ ما ينشئ جوًا من عدم الثقة بينهما، وكثيرًا من التوتر والقلق وعدم التوافق.

وينعكس أثر ذلك على الأبناء من الناحية النفسية والسلوكية، وفقدانهم الإحساس بالطمأنينة، وإصابتهم بضعف الشخصية واهتزازهم عصبيًا، وانعدام تفاهم الأسرة يسبب ترسبات مؤلمة في نفوس الأطفال، ويجعل نموهم النفسي بطيئًا، ويولد الشخصية الخائفة، التي تهاب كل شيء.

في مسيرة الحياة اليومية لا يراعي الكثيرون تقدير خطأ ما يصدر عنهم من هفوات، ولا يلتفتون إلى أثرها على الآخرين، والمفروض أن يكون الحرص شديدًا على مراقبة ما يتعلق بانعكاس التصرفات على تربية الأبناء، وعلى الجانب العاطفي للبنات خاصة.

ومن ذلك شعور البنت  في غمرة انشغال والديها بالخلافات الناشبة بينهما بعدم محبة والديها لها، ويمكن أن تنشأ من الطفولة معقدة إلى الكبر، ويسبب لها ذلك إرباك شديد في الحياة الزوجية.

يميل الكثير من الأطفال إلى تقليد والدهم حتى في صراخه وصياحه، ويعتقد الطفل أن الصراخ سلاحه لتحقيق ما يريده، والشائع أن نتيجة ما يحدث بين الوالدين من نزاع أو مشاجرة على مسمع الأطفال، أن ينشأ الأطفال على عدم محبة الغير والغيرة والحسد أو الغيبة مقلدين ما شبوا عليه.

السعادة الزوجية لا تتحقق إلا إذا انسجم الزوجين على نحو مقبول، وجرى ترسيخ الفكرة الصحيحة عن الحياة الأسرية السعيدة عند  الأبناء، وأهمية تكاتف الطرفين للحفاظ على كيان الأسرة وتربية الأولاد.

 

الرابط المختصر :