في عالم يتسارع التقدم العلمي والتكنولوجي على نحو غير مسبوق، تبرز المعرفة والتعلم كأحد الأصول، التي يمكن أن يمتلكها الإنسان. إن المعرفة ليست مجرد مجموعة من الحقائق والمعلومات، بل هي القوة التي تمكن الأفراد من فهم العالم حولهم، واتخاذ القرارات الصائبة، والمساهمة في بناء مجتمعات مزدهرة ومستدامة.
تعد المعرفة أداة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة على الأصعدة كافة، فهي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وفتح آفاق جديدة للإبداع والابتكار.
وفي هذا السياق، يصبح الحديث عن المعرفة، وأبعادها، وتحدياتها، وكيفية تعزيزها ضرورة ملحة. فيوضح الأستاذ الدكتور ممدوح بن سعد الدوسري؛ أستاذ علم الاجتماع التربوي، لنا كيف يمكن للمعرفة أن تكون مفتاحًا للتقدم والازدهار.
أكد الدكتور “الدوسري” أن مفهوم المعرفة يشير إلى المعلومات التي يستوعبها الإنسان عن طريق الدراسة أو التعليم، ولكنه أشار أيضًا إلى أن المعرفة ليست محصورة في الكتب والمناهج الدراسية فقط، بل تشمل التجارب الحياتية والتفاعلات الاجتماعية والممارسات اليومية، التي يخوضها الإنسان. هذه التجارب مجتمعة تُكوِّن خلفية معرفية، تعزز فهم الفرد للعالم من حوله، وتساعده في اتخاذ قرارات مستنيرة.
بناء شخصية الإنسان
وقال “الدوسري” إن المعرفة ركيزة أساسية في بناء شخصية الإنسان وتطوير قدراته. فتمنحه الأدوات اللازمة لفهم الواقع والتفاعل معه بفاعلية. ومن خلال المعرفة، يستطيع الإنسان تحليل المعلومات، واتخاذ القرارات الصحيحة بناءً على هذا التحليل.
كما أن المعرفة تمكن الإنسان من التكيف مع التغيرات المستمرة في المجتمع والعالم، سواء أكانت تكنولوجية أم اقتصادية أم اجتماعية. وأضاف أن من خلال المعرفة، يمكن للإنسان تحقيق طموحاته وأهدافه في الحياة؛ حيث تفتح المعرفة الأبواب أمام فرص جديدة، وتوسع آفاق التفكير والإبداع.
وأوضحت الدراسات أن المعرفة لا تقتصر أهميتها على الفرد فقط، بل تتعداه لتشمل المجتمع ككل. المجتمعات التي تستثمر في التعليم، وتوفر فرصًا للتعلم والتطوير لأفرادها، قادرة على الابتكار والتقدم.
وأكد “الدوسري” أن من أبرز أدوار المعرفة في بناء المجتمع هو التنمية الاقتصادية؛ حيث تعد المعرفة محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية، فالمجتمعات المتعلمة قادرة على تطوير صناعاتها، وزيادة إنتاجيتها، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
الاستقرار الاجتماعي
ونبه “الدوسري” إلى أن المعرفة تسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر نشر قيم التسامح والتفاهم والتعاون بين أفراد المجتمع. وأكد أن المجتمعات التي تقدر المعرفة، وتشجع البحث العلمي، تقود الابتكار والتقدم التكنولوجي؛ ما يسهم في تحسين جودة الحياة للجميع.
ومع ذلك، أكد الدكتور “الدوسري” وجود تحديات كثيرة تواجه نشر المعرفة وتعميمها. من أبرز هذه التحديات الأمية. التي تشكل عائقًا كبيرًا أمام انتشار المعرفة في الكثير من المجتمعات، خاصة الدول النامية.
وأشار أيضًا إلى أن الفقر يحد من قدرة الأفراد على الوصول إلى التعليم والمعرفة؛ ما ينشئ فجوة معرفية بين الأغنياء والفقراء.
كما أضاف أن بعض الثقافات المجتمعية تقف عائقًا أمام اكتساب المعرفة. مثل: التقليل من أهمية التعليم، خاصة بالنسبة للنساء.
خطوات لتعزيز المعرفة
وأوصى الدكتور “الدوسري” بضرورة اتخاذ خطوات لتعزيز المعرفة، ونشرها على نحو فعال. من بين هذه الخطوات الاستثمار المستمر في التعليم بمراحله كافة، مع التركيز على الجودة والشمولية.
وأكد على أهمية دعم وتشجيع البحث العلمي كوسيلة أساسية لتعزيز المعرفة وفتح آفاق جديدة أمام المجتمع. مشيرًا إلى ضرورة توفير فرص التعلم المستمر مدى الحياة؛ ما يشمل التدريب المهني، وبرامج التعليم عن بعد، لضمان أن يكون الأفراد قادرين على التكيف مع التغيرات المستمرة في سوق العمل والمجتمع.
وفي الختام، شدد الدكتور “الدوسري” على أن المعرفة أساس تقدم الأفراد والمجتمعات. ومن خلال تعزيز التعليم ونشر الثقافة العلمية، يمكننا بناء مجتمع قوي ومتقدم قادر على مواجهة تحديات العصر، وتحقيق مستقبل أفضل للجميع.