حوار: لمياء حسن
صوت عابر لكافة حدود الزمان والمكان، حلَقت من زمن الفن الجميل بجناحي الأصالة والتفرٌد؛ لتمر بالعديد من المحطات الهامة في مسيرتها الغنائية، حتى تربّعت على عرش الأغنية الطربية في عصرنا الحديث، غزت القلوب الواحد تلو الآخر، بإتقانها للعديد من اللهجات، سارت على درب العظماء، وسعت لإضافة اسمها على حائط التاريخ الفني العربي، من تونس الخضراء تألقت، وإليها وهبت كل عشقها، إنها العفوية التي لازالت تُحافظ على روح الطفلة بداخلها؛ ليكتُب الحب سطوره الذهبية في حياتها، وتتأثر مسيرتها به فكانت “سيدة الطرب” التي امتلكت أعرق المسارح بعنفوان أدائها المتميّز، “يسرا محنوش”؛ النجمة التونسية الشابة التي كان لـ “الجوهرة” حوارًا معها من القلب، تحدّثت فيه عن بدايتها، وعشقها للفن، بالإضافة إلى آرائها الخاصة.
– كيف بدأ حبكِ للفن؟
لقد خُلق حبي للفن منذ نعومة أظافري؛ وُلدت في عائلة فنية، لأم مطربة وأب شاعر، وعندما كنت صغيرة، اعتدت الغناء قبل أن اتعلم كيفية الكلام، كنت أقوم بعمل جمل لحنية بصوتي، وعندما كنت في الثالثة من العمر، ظهرت بالتلفزيون التونسي؛ حيث قمت بالغناء والتلحين في آنٍ واحد.
-ما هو رأيكِ في برامج اكتشاف المواهب؟
أرى أن برامج اكتشاف المواهب فرصة رائعة لوصول المشاركين في فترة قصيرة للغاية، إلى أكبر عدد من المشاهدين؛ لكن في الوقت ذاته، فإنني اعتبر أن تلك البرامج تعتبر سلاحًا ذو حدين، فلابد أن يعرف المشترك كيفية التعامل مع النتيجة أيًا كانت، تجنُبًا التعرٌض للأذى النفسي، فهو يقضي مدة طويلة يواجه فيها عالم الشهرة، وتعم حالة كبيرة من الفرح حوله، ثم يكتشف عدم قدرته على استثمار ذلك النجاح، الأمر الذي يعود بالسلب عليه سواء شخصيًا أو فنيًا.
لكنني أعتقد أن برامج اكتشاف المواهب منصة مذهلة، ساهمت في تقديم العديد من المواهب المميّزة في الوطن العربي.
-كيف هيأتِ نفسكِ للمشاركة في “ذا فويس”.. وكيف أثر ذلك على مسيرتك؟
لقد بحث القائمون على برنامج اكتشاف المواهب “ذا فويس” بنسخته العربية عني، واستطاعوا الوصول إليّ عبر صفحتي الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ـــــ التي لازالت احتفظ بها بالمناسبة ــــ، وحرص البرنامج على تقديم فرصة ثانية إلى المواهب المثيرة للاهتمام.
من جهتي، شاركت في الموسم الرابع من برنامج “سوبر ستار العرب”، وحققت شهرة واسعة سواء في داخل تونس، أو خارجها؛ لكنني لم اتمكّن من استغلال الفرصة بطريقة جيدة، ولم أستطع أن استثمر النجاح، لأنني كنت صغيرة في العمر، لكنني في برنامج ذا فويس أصبح لديّ الخبرة الكبيرة، والدراية، والوعي، وقد تأثرت مسيرتي الفنية بالإيجاب عندما عرفت كيفية استغلال النجاح، وكان شيئًا حتميًا لي أن استغل تلك الفرصة، والشهرة الكبيرة التي حققتها، وقررت أن لا أضيعها كما حدث معي في برنامج سوبر ستار.
وبالنسبة لي؛ فلا يوجد فرق بين البرنامجين، كل له مكانة خاصة في قلبي؛ فلولا الأول ما كنت عرفت كيف اتصرف في الأخير.
-حدثينا عن أهم لحظة في مسيرتك لن تنسيها؟
هناك العديد من اللحظات الهامة التي مرت في مسيرتي الفنية، من أهمها برنامج ذا فويس، عندما قامت لجنة التحكيم الـ4، بالاستدارة لي، وقمت باختيار فريق الفنان العراقي الكبير “كاظم الساهر”.
وتعد لحظة وقوفي على المسرح، وإخباري بأنني تصدّرت المبيعات في قرطاج للعام 2018، والتي تعتبر من أكثر اللحظات المؤثرة في حياتي.
-ما هو النمط الموسيقي المُفضّل لديكِ؟
أنا من عشّاق الطرب بصفة خاصة؛ لكنني أحب كل الأنماط الموسيقية الجميلة في الوقت ذاته، لقد نشأت على حب الموسيقى والأغنيات؛ حيث اعتدت الاستماع إلى مطربي العالم، أمثال: سيلين ديون، ماريا كاري، وستيفي ووندر، بالإضافة إلى الكثير من عملاقة الغناء العربي من السيدة فيروز، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، كما أفضّل الأغنيات الطربية بامتياز؛ لذلك فإنني استمع دائمًا إلى كوكب الشرق أم كلثوم.
– ما هي التحديات التي يواجها الفنان خلال الفترة الحالية خاصة في ظل التردي الذي أصاب بعض الأغنيات؟
لا توجد تحديات بعينها؛ فالفنان بصفة عامة يمر بأوقات تنحدر فيها مستويات الأغنيات، ولن أقول إلى الحضيض، لكنها تنجرف إلى الأسفل، إلا إننا مع الاختلاف، أنه الشيء الذي يصنع الفارق، ومن الجميل أن نرى أشياءً مختلفة باستمرار، من شأنها أن تُلبي أذواق الناس.
وإجمالًا، أنا لست ضد أنواع معينة من الأغنيات رغم إنها لا تروقني شخصيًا؛ لكن لابد وأن نكون منفتحين، وأنا أدعم الاختلاف بكل طرقه، ويتوجب على الفنان أن يقوم بغناء ما يحبه.
-كيف تختارين أعمالكِ الغنائية؟
أحب أن اختار أعمالي الغنائية بعناية فائقة، وتأنٍ بالغ؛ فأنا اتمتع بصفة ـــ قد تزعج فريق عملي ــــ وهي إنني أتأخر كثيرًا، وأمر بوقتٍ طويل، لعمل الاجتماعات، والاستماع إلى آراء المقربين مني، ولابد من وجود حب كبير في العمل؛ حتى يغدو مناسبًا للفنان ولجمهوره.
-من هو مثلكِ الأعلى؟
اعتبر والدتي مثلي الأعلى وقدوتي في الحياة بصفة عامة، كما اتطلع دائمًا إلى نجوم من أمثال أم كلثوم، ستيفي ووندلا، والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذي أحبه للغاية.
وحاليًا، فإنني اعتبر الفنان كاظم الساهر مثلي الأعلى، وكنت أتمنى الغناء معه، وحققت ذلك الحُلم.
-كيف ترين الفيديو كليب؟ وما أهميته للفنان؟
إن للفيديو كليب أهمية كبرى؛ نظرًا لكوننا في عصر الصورة، والصوت معًا، وهنا فإنني لا أقصد جمال الصورة، بل أهميتها البالغة في توصيل المشاعر، والأحاسيس إلى المتلقي، إذ إنهم حينما يرون الفنان نفسه، يصبح الأمر في غاية الأهمية.
-كيف تصفين إحساسكِ بعد الوقوف على أكبر المسارح.. وما المسرح الذي تحلمين بالوقوف عليه؟
إنني أعيش من أجل ذلك الإحساس؛ فهو الأجمل على الإطلاق بالنسبة للفنان الذي خُلق فنانًا حقًا، يشعر في تلك اللحظة أن الجمهور قد حضر خصيصًا للاستماع إليه، ويلمس محبتهم حينما يبدأون في ترديد الأغنيات معه، وذلك ما حدث معي في كافة المسارح سواء العربية، أو العالمية التي التقيت خلالها الجاليات العربية.
وهناك الكثير من المسارح الكبيرة التي أحلم بالغناء عليها، إلا أنني أتمنى الغناء في فلسطين.
-كيف تستطيعين التوفيق بين اللهجات العربية المختلفة؟
أعتقد أن الفنان التونسي بصفة عامة، يتميّز بإتقانه لجميع اللهجات، وبالنسبة لي؛ فإنني أحب اللهجات المختلفة، وعندما أسافر في العاصمة اللبنانية بيروت فهم يتحدثون بلهجتي والعكس، وفي مصر فإنه يختلط عليهم الأمر، ولا يدركون في بعض الأحيان أنني تونسية، وهم يعشقون لهجة بلادي للغاية، وبذلك الاندماج فإنني أعشق تقديم كل اللهجات العربية.
-هل تفكرين في إعادة التراث التونسي من جديد إلى الساحة العربية؟
أتمنى ذلك حقًا؛ لأنني اعتبر إعادة التراث التونسي إلى الساحة الفنية مهمًا بالنسبة لي، وأنا من الفنانين الذين قمت بذلك مسبقًا، عندما قدّمت أغنيتين حملتا الطابع التونسي من كلمات، إلى اللحن والإيقاع، وتم تقديمهما على طريقة الفيديو كليب.
-كيف بدأتِ خطوة التلحين.. وكيف جاءت فكرة أحدث أعمالك “عمّان القلب”؟
لقد بدأت التلحين منذ الثالثة، عندما طلبت مني المذيعة عبر التليفزيون التونسي أن أقوم بالغناء، ووقتها فإنني لحّنت في اللحظة ذاتها، لكنني قررت الابتعاد عن مجال التلحين، وعندما عدت إليه واستمعَ إلى ألحاني الجمهور، فقد لاقت إعجابًا كبيرًا.
وهناك الكثير من الأعمال القادمة التي ستكون من تلحيني، وهذا الأمر لا يعني بالضرورة الابتعاد عن التعاون مع ملحنين آخرين، بل إنني أتشرف بالتعامل مع كبار صناع الأغنية في الوطن العربي.
بالنسبة إلى أغنية “عمّان القلب”، فقد جاءت نتيجة لعشقي للمملكة الأردنية، ولدي أصدقاء كثيرين هناك، منهم الشاعر الكبير يوسف عطية الذي وضع الكلمات، وكانت من ألحاني.
-ما شعورك تجاه لقب “سيدة الطرب”.. ومن هي ملكة الطرب بالنسبة إليكِ؟
اعتز بذلك اللقب كثيرًا، فإن من أعطاني إياه هو القيصر كاظم الساهر، الذي حصل على لقبه من الكبير نزار قباني، وهكذا هي الحياة كل شخص يُعطي لقبًا للآخر، كما أنني افتخر به لأن الجمهور دائمًا ما يناديني به.
ومن وجهة نظري، فإن أم كلثوم هي ملكة الطرب رغم عدم حبي للألقاب.
-ما هو طموحك.. وما الذي تسعين لإضافته إلى الساحة الغنائية؟
اتطلع دائمًا إلى التواجد المستمر في قلوب الجماهير، فهم عائلتي التي أتمنى أن تكبر، كما أنني أطمح إلى إضافة المزيد من الفن الراقي التي تتعطش إليه الساحة الفنية العربية، وبات غير موجودًا إلا قليلًا، حتى نعود إلى الاستماع إلى الأغنيات الراقية مثل زمن الفن الجميل.
-أين الحب من حياتك.. وهل تؤثر الحالة العاطفية للفنان على اختياراته الغنائية؟
أنا أتنفسه، وهو ما يؤثر بالضرورة على إخراج فن جميل إلى الجماهير.
-صفي لنا تعاونكِ مع المخرج فادي حدّاد؟
اعتز بالتعاون مع المخرج اللبناني فادي حدّاد؛ فقد كان جميلًا التعامل معه، وهو أول من قدّمني إلى عالم الأغنية المصوّرة “الفيديو كليب”، وستظل تلك التجربة راسخة في ذهني دائمًا.
-ما هو رأيك في الأغنية التونسية؟
الأغنية التونسية من أجمل، وأرقى الأغنيات، وأنا أعشقها بأتم معاني العشق، وليست لأنها لغة بلادي، بل لأنها تستحق الحب.
-من هي يسرا محنوش الإنسانة التي لا يعرفها الجمهور؟
في عصر مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن الجمهور بات يعرف كل شيء عن الفنان، عن طريق العديد من القصص التي يتم عرضها عبر موقع إنستغرام؛ فإنهم يعرفون عني كل شيء، سوى أدق الأشياء الخاصة مثل تقلٌب المزاج، علمًا بأنني كالطفلة الصغيرة التي تؤثر فيها الكلمات، كما أنني أعشق السفر.
-ما هو جديدك الغنائي؟
أعكف حاليًا على التحضير لألبوم جديد في مصر، لكنني سأقوم بإطلاق أغنيات منفردة قبل إصداره.
ومن المقرر أن أطرح أغنية عراقية قريبًا بعنوان “يا روحي يا دادا”؛ والتي قمت بغنائها على مسرح قرطاج للمرة الأولى من ألحاني، وكلمات المبدع كريم العراقي، وتوزيع فضل الفالح، كما استعد لطرح أغنية باللهجة اللبنانية.
-ما هي الأغنية المفضلة لديك من أرشيفك الفني؟
إنني أميل كثيرًا إلى أغنية “أنا عمري”، بالإضافة إلى أغنيات: “واسكت بس”، “بفكر فيك”، “صاحبة السعادة”، ومن الممكن أن أقول كل أعمالي الغنائي لأنني أحبهم جميعهم.
– كيف لفنانة كبيرة مثلكِ أن تقوم بدورها المجتمعي؟
أعتقد أن الدور المجتمعي يتمثّل في دعم الإنسانية بصفة عامة، وأتمنى حقًا من الله ألا يحرمني من هذه النعمة، وأن يكون لي دورًا إيجابيًا في حياة أي شخص، كما أنني افتخر للغاية بكوني امرأة تونسية عربية.
-كلمة أخيرة للجمهور
أحبهم كثيرًا، وأتمنى من الله ـــــ عز وجل ــــ أن يسعدهم، ويجعل حبي في قلوبهم يكبر باستمرار.