الفنانةِ التشكيليَّةِ السعودية عُلا حجازيّ : الرسمُ شفاءٌ لي من ضجيجِ الحياةِ.. وأبتعد لأختلقَ عالمًا لونيًّا

لوحاتي جزء من روحي ولديّ شغف بالترحال نحو المجهول

النجاحُ طفلٌ لا يكبرُ.. ومحاولاتي لا تنتهي

حوار: هند حجازي

ألوانٌ متناثرةٌ، أنغامُ الزمن الجميل، صوتُ ضحكةٍ تسودُ المكانَ، للبوحِ فِي كلِّ مكانٍ، رسوماتٌ حينمَا تمرُّ عليهَا كأنَّكَ تقرأُ قصةً صامتةً بأوراقٍ منفصلةٍ، حينهَا تدركُ أنَّك داخلُ عالمِ الفنانةِ التشكيليَّةِ عُلا حجازيّ.

لُقِّبَت بـ “ابنة بطوطةِ الفنِّ التشكيليِّ”، و”ذات الرداءِ الأحمرِ”؛ لاستخدامِهَا المتكرِّرِ للونِ الأحمرِ في معظمِ أعمالِهَا، ولوحاتِهَا التِي اتَّسمتْ بطابعٍ طفوليٍّ.

خريجةُ جامعةِ الملكِ عبد العزيز، حاصلةٌ علَى بكالوريوس لغةٍ عربيَّةٍ، ودبلومٍ تربويٍّ في علمِ النفسِ، ودرستْ فنَّ الجرافيك في جامعةِ “كينسجتون آند تشيلسي” في لندن، وفِي حوارٍ خاصٍّ لـ”الجوهرة” نتعرَّفُ عنْ قربٍ علَى عالم الفنانةِ عُلا حجازيِّ:

معروفٌ عنْكِ أنَّكِ تمتلكِينَ روحًا مرحةً محبَّةً للحياةِ، هلْ هذَا انعكسَ علَى أعمالِكِ؟

العملُ الفنيُّ جزءٌ من روحِ الفنانِ، وهكذَا كانتْ أعمالِي الفنيةُ التشكيليَّةُ على اختلافِ أنواعِهَا: “الخشبيَّاتُ، الورقيَّاتُ، الأقمشةُ، الطباعةُ”، وغيرهَا من موادّ استخدمتُهَا في حالاتٍ مزاجيَّةٍ متعدِّدةِ، كلّها تعبِّرُ عن شخصيَّتِي.

الرسمُ بالنسبةِ لي شفاءٌ من ضجيجِ الحياةِ، أبتعدُ لأختلق عالمًا لونيًّا، وحينَ أصل لمبتغَايَ، أعرضُهَا في الصالاتِ الفنيَّةِ، فأعودُ معهَا طفلةً، فالنجاحُ طفلٌ لا يكبرُ.

دائمًا ما نلاحظُ أنَّكِ في رحلةِ بحثٍ واستكشافٍ.. عن ماذَا تبحثِينَ في كلِّ مدينةٍ تزورينهَا؟

شعورٌ بالفقدِ المعرفيِّ يرافقُنِي، أبحثُ عنْ سدِّ هذَا النقصِ بالمدنِ الغريبةِ، أرتحلُ لألتقطَ أشياءَ لا أعرفُهَا، أستمتعُ بالتعرُّفِ علَى الأمكنةِ البعيدةِ، أسجِّل بذاكرتِي صورًا عنهَا، تتحوَّلُ بمرورِ الوقتِ لأفكارٍ منفذةٍ تشكيليًّا.

رحلتُكِ الأخيرةُ للهندِ.. ماذَا أضافتْ لعُلا الفنانةِ والإنسانِ؟

رحلتِي الأخيرةُ للهندِ “نيودلهي، تاج محل، كيرلا”، حضاراتٌ لمْ أعتدْهَا مِن قبلُ، عرَّفتنِي أكثرَ علَى فنونِهَا، وزادتنِي شغفًا بالترحالِ نحوَ المجهولِ.

عدَّةُ جوائزَ حصلتِ عليهَا.. مَا الجائزةُ الأكثرُ أثرًا بنفسِكِ؟

جائزةُ أبهَا الثقافيَّةُ، جائزةُ الأميرِ خالد الفيصل، أثَّرتْ بنفسِي كثيرًا، لأنَّها أوَّلُ جائزةٍ أفوزُ بهَا، أتتْ الجائزةُ بعدَ تحدٍّ ضدَّ الاستسلامِ، ومن خلالِهَا انتبهَ الكثيرُونَ لوجودِي التشكيليِّ كفنانةٍ لهَا بصمةٌ خاصَّةٌ لا تشبهُ غيرَهَا، كمَا حمَّلتنِي مسؤوليَّة بأنْ أعملَ بجدٍّ أكثرَ؛ لأكونَ دومًا الأفضلَ.

ارتباطُكِ بالذكرياتِ وانتماؤكِ للماضِي.. هلْ هُو سببٌ لتميُّزِ أعمالِكِ؟

ليستْ كلُّ أعمالِي مرتبطةً بالماضِي أو بالذكرياتِ، ربمَا كانتْ جزءًا من مشروعِ قدَّمتُه في معارضِي الشخصيَّةِ، فقدْ اشتغلتُ أيضًا على السجاجيدِ الممزوجةِ بالحروفيَّاتِ والأشعارِ العربيَّةِ، كلُّ مَا قدَّمتُه كانَ من القلبِ، وحرصتُ علَى أنْ أكونَ متميِّزةً متأنيَّةً في كلِّ ما أقدِّمُه، فظهرتْ أعمالِي في الشكلِ الذِي ارتضيتُهُ لهَا.

عندمَا تمسكِينَ الفرشاةَ لتستعدِّي للرسمِ.. مَا أولُ لونٍ يشدُّكِ وتبدأينَ بهِ لوحتكِ؟

الأبيضُ، يغمرُنِي بلطفهِ، أنثرُهُ فوقَ لوحةٍ بيضاءَ نزدادُ بياضًا، وننطلقُ بعدَهَا لونًا وغناءً.

حدِّثينَا طريقتِكِ غيرِ التقليديَّةِ بعرضِ رسومات بـ”حبلِ الغسيلِ”؟

“حبل غسيل”، فكرتُهُ انبثقتْ في مدينةِ شيكاغو عام 2018، عندمَا عثرتُ علَى خاماتٍ، أستطيعُ تحويلُهَا لمنشوراتٍ تُعلّقُ علَى حبالِ الغسيلِ.

ومن حُسنِ حظِّي، حينَ تلقيتُ دعوةً من صاحبةِ جاليرِي “الفنِّ النقيِّ” الأميرةِ أضواء بنت يزيد، للمشاركةِ في “تراثنا حبنا ٥” في مدينةِ الملكِ عبد العزيز التاريخيَّةِ في الرياض، تخيَّلتُ “أكياسَ الخيشِ” معلَّقةً علَى حبالِ السقفِ، ومتدلِّيةً لتترابطَ في شكلٍ جماليٍّ معاصرٍ علَى جدرانِ بيتِ الطينِ، وبعدَ نجاحِ التجربةِ، أعملُ حاليًّا علَى تطويرِ الفكرةِ ليمتدَّ الحبلُ فيسعَ عدَّة مدنٍ.

كانتْ لكِ مشاركةٌ معَ معهدِ مسكٍ للفنونِ بمنطقةِ العُلا، في مشهدٍ تفاعليٍّ بينَ الفنِّ التشكيليِّ وسِحرِ الطبيعةِ، احكِ لنَا عنْ تلكَ التجربةِ؟

ورشةٌ “تجلَّتْ”، كانتْ ختامَ مهرجانِ “شتاءِ طنطورة” في العُلا، بمشاركةِ نخبةٍ من الفنانِينَ التشكيليينَ من كل أنحاءِ المملكةِ، قضينَا ٣ أيامٍ بينَ الآثارِ والمنقوشات، زرنَا تاريخنَا القديمَ، وتعرَّفنَا على التطوراتِ المستجدةِ في العُلا، رسمنَا لوحاتٍ تحاكِي العُلا، وهي من ممتلكاتِ معهدِ مسكٍ، ستقدَّم مِن قِبلهَا كهديةٍ للهيئةِ الملكيةِ في محافظةِ العُلا.

مَا أهمُّ المعارضِ التي تحرصِينَ علَى المشاركةِ فيهَا داخل وخارج المملكة؟

أحبُّ المشاركةَ في معظمِ المعارضِ المحليَّةِ، علَى أنْ تكونَ منظَّمةً بشكلٍ راقٍ، أمَّا خارج المملكةِ، فبسببِ صعوبةِ السفرِ، أحرص علَى أنْ تكونَ مشاركاتِي متنوِّعةً كي لا أقعُ في فخِّ التكرارِ.

هناكَ بعضُ المقولاتِ لكِ استوقفتنِي: “أرسمُ وأخترعُ قصصًا، وأمتلئُ بعوالمَ لونيَّةٍ، لستُ فارغةً، ولا أنشرُ ألمًا”.. فهلْ الرسمُ أصبحَ رفيقَكِ تحكِينَ لهُ ويحكِي لَكِ؟

منذُ وُلدتُ والفرشاةُ بيدِي، كلُّ مَا كنتُ أدَّخرُهُ من مادةٍ في صغرِي، كنتُ أنفقهُ في شراءِ الأدواتِ الفنيَّةِ، أو التسجيلِ في دوراتِ فنونٍ.

كبرتْ لوحتِي مَعي، تحمَّلتنِي في تقلُّباتِ الظروفِ، عنادِي، وإصرارِي علَى أنْ أكونَ اسمًا مهمًّا في التاريخِ التشكيليِّ، ضحكنَا معًا، رقصنَا، غنينَا، لوَّنَّا المستحيل، أحمر، أزرق، نيلي، حكاياتُ حماياتٍ من غدرِ الغدِ، اكتملتْ وامتلأتٍ بهَا.

“لا أرسمُ لوحاتٍ طفوليَّةً، بلْ بداخلِي طفلٌ يراقبُنِي وأنَا أكبرُ”.. هلْ هذَا ردٌّ علَى البعضِ الذينَ يصنِّفُونَ فنَّ عُلا حجازيّ أنَّ فيهِ لمحةً طفوليَّة؟

فعلاً أنزعجُ حينَ يقولُونَ عُلا حجازي فنانةٌ ترسمُ رسوماتٍ طفوليَّةً، أشعرُ بأنَّهم كانُوا علَى عجلٍة من أمرِهم، فلم يتأمَّلُوا لوحتِي جيدًا.

اللوحةُ عندِي لا أرسمُهَا اعتباطًا، بلْ فيهَا جهدٌ فكريٌّ وعضليٌّ، أدرسُ أبعادَهَا، وخطوطَهَا حتَّى أقتنعَ بهَا، فبعدَ خبرتِي الطويلة صرتُ أنَا المتحكِّمة في لوحتِي.

ازدحمتِ الساحةُ الفنيَّةُ التشكيليَّةُ بعديدٍ مِن الفنانِينَ الشبابِ.. برأيِكِ مَا الذِي يميِّزُ، أو ينقصُ أعمالهمْ؟

“السوشيال ميديا” صنعتْ أبطالاً وهميِّينَ، من الشبابِ كثيرِي النشاط.

والتطوُّرُ التشكيليُّ ومعاصرةُ الأحداثِ تكنولوجيًّا مهمَّةٌ إنْ كانتْ مدروسةً، لذلكَ تلمعُ أسماءٌ فنيَّةٌ ثمَّ تختفِي، وحتَّى تبقَى قويَّةً ومؤثِّرةً وبارزةً عليهَا الاستمرارُ والاشتغالُ علَى الأعمالِ المتفرِّدةِ.

كيفَ ترينَ مستقبلَ الفنِّ التشكيليِّ برؤيةِ 2030؟

الفنُّ السعوديُّ منذُ بداياتِهِ قويٌّ، ويزدادُ الاهتمامُ بهِ برؤيةِ 2030 باعتبارهِ جزءًا مهمًّا من ثقافةِ الوطنِ.

اختارِي إحدى لوحاتِكِ الأقربِ إلى قلبكِ، وقُصِّي لنَا قصَّتَهَا؟

مَا لمْ أرسمْهُ هُو الأقربُ لِي، أسافرُ بحثًا عن جديدٍ أتنفسُ منهُ، أنطلقُ فكرًا، أبعثرُ بينَ حنايَا الروحِ عنْ لوحةٍ مختبئةٍ يخرجُ بعضُهَا، أفرحُ، وبعدَهَا أعودُ قلقةً.. محاولاتٌ، لا تنتهِي!

الرابط المختصر :