تعد صناعة الفخار واحدة من أقدم الصناعات التي اعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية. وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الصناعات قد اختفت مع مرور الزمن، فإن بعضها لا يزال يحتفظ بمكانته في التراث الشعبي، ويستمر في وجوده، ومنها صناعة الفخار السعودي، التي تحظى بتاريخ طويل في السعودية.
انتشار الفخار في السعودية
لا تزال بعض المناطق في المملكة تعتمد على صناعة الفخار وتستمر في استخدامها، وإن كان ذلك بشكل محدود. كما تعتبر منطقة هجر الأحساء، وبالتحديد قرية القارة التي تقع على بعد 15 كيلومترًا من مدينة الهفوف، من أبرز المناطق التي اشتهرت بصناعة الفخار منذ الزمن القديم. هذه الصناعة إلى جانب بعض الصناعات الحرفية الأخرى، تعد جزءًا من التراث الأصيل لأهل هجر الأحساء الذين يتوارثونها من جيل إلى جيل. حيث يتمسك سكان المنطقة بهذه الصناعة بسبب ارتباطها العميق بالتراث، وكذلك بسبب توفر المواد والأدوات اللازمة لتصنيع الفخار.
تعد عائلة الغراش من أبرز العائلات المعروفة في مهنة صناعة الفخار في السعودية، إذ ما زالوا ينتهجون نفس النهج الذي بدأه آباؤهم وأجدادهم. وتحافظ هذه العائلة على هذه الحرفة عبر المصنع المتاخم للجبل الذي يستقطب العديد من السياح من مختلف الدول مثل قطر والبحرين، الذين يزورون هذا المكان بشكل دوري.

صناعة الفخار في السعودية
تختلف أنواع الطين المستخدم في صناعة الفخار من منطقة إلى أخرى في السعودية. ففي منطقة الأحساء، يتم استخدام طين الصلصال الذي يوجد بالقرب من المصنع. وهو مزيج من مواد مختلفة بألوان ثلاثة: الأصفر، الأخضر، والأحمر. يتم خلط هذه الأنواع من الطين للحصول على عجينة الفخار. وهناك ثلاث مراحل رئيسية لصناعة الفخار في الأحساء:
التشكيل اليدوي: حيث يتم عمل كل قطعة بشكل فردي بواسطة اليد وتسمى هذه المرحلة “التشكيل”.
استخدام القوالب الجاهزة: في هذه المرحلة، يتم صب العجينة في قوالب مسبقة التحضير.
استخدام العجلة الدوارة: يتم وضع العجينة على عجلة دوارة. حيث يتم تشكيلها يدويًا أثناء دوران العجلة.
أما عن عملية تجهيز طين الفخار، فإنها تبدأ في مصنع متاخم للجبل. حيث يتم تحضير الطين في بركة دائرية قطرها يتراوح بين ثلاثة إلى ثلاثة ونصف متر، بجانبها ثلاث برك مستطيلة الشكل.
ويتم جلب الطين من ثلاثة أنواع هي: الأخضر، الأحمر، والأصفر. كذلك يتم خلط هذه الأنواع مع الماء في البركة لمدة ساعتين، ثم يدخل العمال في البركة لإزالة الشوائب وخلط الطين بشكل جيد. بعد ذلك، يتم توزيع الطين على البرك الثلاث باستخدام مصفاة توضع على فتحة البركة. ويترك الطين حتى يتماسك، ومن ثم يتم أخذ كميات منه لتشكيله وصناعة الأدوات.
بعد تشكيل الطين، يتم وضعه في الأفران أو ما يسمى “القمائن”. حيث يتحول الطين إلى حالة صلبة بعد تعرضه للحرارة.

الفخار السعودي في العصر الحديث
على الرغم من أن صناعة الفخار كانت في الماضي حرفة تراثية، فإن الفتاة السعودية مروج الشاطري استطاعت تحويل هوايتها في التعامل مع الطين منذ صغرها إلى حرفة وفن مستقل.
فقد أسست مركز “كيراموس” ليكون أول مركز سعودي متخصص في تعليم فن الخزف والتدريب على صناعته. وتؤمن الشاطري أن صناعة الفخار ليست فقط تراثًا قديمًا، بل هي جزء من الهوية الثقافية السعودية التي يجب الحفاظ عليها وتعزيزها.
تعمل السعودية حاليًا على تطوير صناعة الفخار والحرف اليدوية القديمة؛ حيث تحظى هذه الصناعات باهتمام متزايد من الحكومة والمجتمع المحلي.
ومن خلال استخدام تقنيات حديثة وألوان طلاء مميزة للرسم على الفخار، تم تحويل صناعة الفخار إلى حرفة تراثية معاصرة. هذا التحول ساهم في توسيع قاعدة ممارستها؛ حيث أصبح بإمكان الحرفيين بيع أعمالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ما أتاح للمنتجات الفخارية السعودية الانتشار في أسواق جديدة.
لقد أثبتت هذه الجهود أن صناعة الفخار ليست مجرد حرفة تقليدية. بل هي فن تشكيلي رائع يعكس إبداع اليد البشرية وعمق التراث السعودي.