في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم اليوم. أصبحت وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية مكونًا أساسيًا من مكونات العملية التعليمية والتربوية. لا سيما في المراحل الدراسية المختلفة بدءًا من التعليم الابتدائي وصولًا إلى الجامعي.
كما ساهم هذا التحول في إحداث نقلة نوعية في كيفية تقديم المعرفة وإيصالها للمتعلمين. إذ بات بإمكان هذه الوسائل نقل كم هائل من المعلومات بسرعة ودقة ووضوح. مدعومة بالوسائل التقنية الحديثة التي تعزز من الفهم والتفاعل.
بينما يأتي التلفزيون التربوي في مقدمة هذه الوسائل. حيث أصبح أداة لا غنى عنها في المشهد التعليمي المعاصر. فقد اتجهت العديد من القنوات التلفزيونية إلى تخصيص برامج تعليمية. وتثقيفية تغطي مختلف مجالات العلوم والمعارف. ما أتاح للمتعلمين فرصًا واسعة للاطلاع والتعلم بطرق ممتعة ومؤثرة.
التلفزيون التربوي في خدمة التعليم
كما أصبح التلفزيون وسيلة تعليمية رئيسية بفضل دمجه بين الصوت والصورة والحركة. ما جعله أكثر تأثيرًا من الوسائل التقليدية. كما ساعد على تبسيط المفاهيم العلمية الصعبة، خصوصًا في المواد المعقدة كالكيمياء والفيزياء والعلوم الطبيعية. من خلال تقديم دروس توضيحية وتجارب معملية حية تنقل مباشرة إلى التلاميذ والمشاهدين، بطريقة جذابة ومحفزة.
بينما تبنت الحكومات مفهوم “الجامعة المفتوحة” من خلال إنشاء قنوات تعليمية متخصصة تبث برامجها على مدار الساعة. وتمكنت من إيصال مناهجها التعليمية إلى مختلف أنحاء العالم عبر الأقمار الصناعية والإنترنت. ما رسخ مفهوم “التعليم عن بعد” ووسع نطاق التبادل العلمي بين الدول.
كما شهدت المدارس اعتماد أجهزة الكمبيوتر المحمولة “اللاب توب” كوسيلة أساسية في الصفوف الدراسية. ما ساهم في دعم العملية التربوية وتعزيز التأثير الإيجابي في سلوك التلاميذ وتحصيلهم العلمي.
نموذج جديد للدروس التعليمية
كما تحرص القنوات التربوية على إنتاج دروس نموذجية يتم تقديمها من قبل أساتذة مدربين على التقديم التلفزيوني. حيث تصاغ الدروس بأساليب علمية وترفيهية تراعي اللغة الفصيحة والتمثيل الجيد. كما تعرض في أشكال مشوقة تشد انتباه المشاهد وتضمن تفاعله. ومن الأمثلة على ذلك. الدروس النحوية والصرفية التي تقدم في قالب تمثيلي تعليمي ذكي يساعد التلاميذ على فهم المادة واستيعابها بسلاسة.
بينما تتيح هذه القنوات للتلاميذ والطلبة إمكانية اقتناء أقراص مدمجة تحتوي على هذه الدروس بأسعار مناسبة. ما يقلل من الاعتماد على الدروس الخصوصية، ويمنح المتعلمين مرونة أكبر في مراجعة الدروس في أي وقت.
أما بالنسبة لطلبة الجامعات، فقد تم توفير محاضرات مصورة ودروس تخصصية عالية المستوى. تشمل حتى التخصصات العلمية الدقيقة، مثل الجراحة. حيث تعرض مراحل العمليات الجراحية عبر أقراص رقمية لفائدة طلبة كليات الطب.
التواصل المباشر والتربية على القيم
كما عمدت بعض القنوات إلى تقديم برامج تعليمية حوارية تجمع بين المعلم ومجموعة من التلاميذ في استوديو القناة. لتقديم الدروس بشكل تفاعلي لا يخلو من تمرير قيم تربوية مهمة، كآداب الحديث، وأهمية الإصغاء، وعدم المقاطعة. وإبداء الرأي بشكل مهذب. كما يتم تقديم دروس تجريبية في العلوم داخل الاستوديو يشارك فيها التلاميذ بأنفسهم. ما يعزز من ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على التطبيق.
بينما يمتد أثر التلفزيون التربوي إلى المساهمة الفعالة في محو الأمية. خاصة في المناطق النائية والريفية، حيث يتم بث برامج تعليمية مبسطة تتناسب مع طبيعة تلك المجتمعات، مع مراعاة خصوصياتها الثقافية والاجتماعية. ما يساهم في رفع الوعي اللغوي والمعرفي لدى السكان، ويسهل عليهم اكتساب مهارات القراءة والكتابة بطريقة حديثة وفعالة.
تنمية المهارات والقيم المجتمعية
لم يعد دور التلفزيون التربوي مقتصرًا على تقديم الدروس فقط، بل أصبح أداة توعية مجتمعية، حيث يساهم في نشر الثقافة العامة والآداب الاجتماعية، والتوعية بمخاطر الحياة اليومية مثل الحوادث المنزلية، وأخطار الكهرباء والحرائق، والتنبيه إلى ضرورة العناية بالنظافة الشخصية والعامة، والمحافظة على البيئة. وتُقدم هذه الرسائل بأسلوب درامي جذاب يحترم عقلية الطفل، ويساعده على التمييز بين السلوكيات السليمة والخاطئة.
كما يقدم التلفزيون التربوي محتوى تعليميًا بصريًا عالي الجودة في مجالات متنوعة مثل الفنون التشكيلية، التعليم الصناعي، الإرشاد الزراعي، والتكوين المهني. حيث تنقل الكاميرات المشاهدين إلى الورشات والمواقع العملية. ما يضفي بعدًا واقعيًا على الدروس ويعزز من الفهم العملي المباشر.
أثر نفسي وتحفيز مستمر
كما يمثل الظهور التلفزيوني حافزًا نفسيًا كبيرًا سواء للمدرسين أو للتلاميذ. إذ يشعر المشاركون في هذه البرامج بالفخر والاعتزاز وهم يرون أنفسهم يقدمون الدروس أمام جمهور واسع في عدة بلدان عربية. ما يرفع من معنوياتهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم، ويشجع غيرهم من التلاميذ على الانخراط في التجربة التعليمية التفاعلية.
كما أن البيئة الجاذبة التي توفرها استوديوهات التلفزيون من ديكور، وإضاءة، ومؤثرات سمعية وبصرية، وإخراج فني. تسهم في رفع جودة العملية التعليمية وتقديم محتوى متقن وجذاب يصعب تحقيقه في الفصول الدراسية التقليدية.
أحدث التلفزيون التربوي تحولًا جذريًا في العملية التعليمية، ليس فقط في تقديم المعرفة. بل في طريقة إيصالها وتفاعل المتلقي معها، مما جعله من أهم الأدوات الحديثة في بناء المجتمعات الواعية، ونشر المعرفة، وترسيخ القيم التربوية والاجتماعية، والتأسيس لجيل متعلم ومثقف ومزود بمهارات الحياة الأساسية.