في عصر التواصل الرقمي أصبح تقديم الذات بأفضل صورة ممكنة دافعًا اجتماعيًا وثقافيًا قويًا، خاصةً على الإنترنت.
ومع ذلك تشير الأبحاث المتزايدة إلى أن فلاتر التجميل والتطبيقات الرقمية. وهي أدوات تحرير متخصصة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتغيير ملامح الوجه، تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا على الصحة النفسية، لا سيما بين فئة الشباب.

الانتشار وتأثير الفلاتر
بحسب “psychologytoday” أصبح استخدام فلاتر التجميل، مثل: “فلتر النحافة” على تيك توك أو “فلتر الوجه المثالي” على إنستجرام، ظاهرة واسعة الانتشار.
وتشير التقارير إلى أن ما يزيد على 90% من الشباب في دول مثل: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يستخدمون هذه الفلاتر على تطبيقاتهم، فيما استخدمها مئات الملايين على منصات ميتا (فيسبوك وإنستجرام).
وكشفت دراسة أجرتها جامعة مدينة لندن على عينة من الشابات (متوسط أعمارهن 20 عامًا) عن أن 90% منهن يستخدمن الفلاتر لتعديل صورهن، وكان الدافع وراء ذلك هو الشعور بالضغط (94%) للظهور بطريقة معينة، ووصف أكثر من نصفهن هذا الضغط بأنه شديد.
وتشمل التعديلات الشائعة: توحيد لون البشرة، وتبييض الأسنان، وتصغير الجسم، وإعادة تشكيل الأنف والفكين.
فخ المقارنة السلبية وتدني احترام الذات
تؤكد الأبحاث أن الشباب الذين يعانون من تدني احترام الذات وسوء صورة الجسم هم الأكثر ميلًا لاستخدام الفلاتر. هذا السلوك يعزز الاعتقاد السلبي بأن مظهرهم “ليس جيدًا بما يكفي”.
بينما أظهر بحث لمشروع “دوف لتقدير الذات” أن 80% من الفتيات استخدمن تطبيقًا لتغيير مظهرهن في الصور بحلول سن الثالثة عشرة.
وفي تجربة مباشرة أدى عرض صور لنساء نحيفات إلى زيادة المزاج السلبي وعدم الرضا عن شكل الجسم والوجه لدى المشاركات. كما أن عملية التقاط وتحرير صور السيلفي نفسها أسهمت في زيادة هذه المشاعر السلبية.
وخلص الباحثون إلى أن الوقت المستغرق في التحرير يتنبأ بدرجة زيادة عدم الرضا عن شكل الوجه. هذا يعني أن الاستثمار في تعديل صورة الذات على وسائل التواصل الاجتماعي هو ممارسة ضارة غالبًا. وكلما زادت الممارسة زاد الضرر.

العواقب النفسية الخطيرة
لم تعد الشابات يقارن أنفسهن بصور المشاهير أو الأقران “المثالية” فحسب، بل أصبحن يحكمن على ذواتهن من خلال صورهن المفلترة وغير الحقيقية.
هذه المقارنة المستمرة تضعف الثقة بالنفس وتؤدي إلى:
- السعي وراء معايير جمال غير واقعية: المقارنات الاجتماعية تدفع المستخدمين نحو معايير جمال غير قابلة للتحقيق.
- الانفصال عن الذات الحقيقية (تشييء الذات): يحدث انفصال بين المظهر الحقيقي والصور المعدّلة المشتركة، وهو ما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية خطيرة، مثل: اضطراب تشوه الجسم (Body Dysmorphic Disorder).
- زيادة القلق الاجتماعي والعزلة: إذا اختلفت الصورة على الإنترنت بشكل كبير عن المظهر الحقيقي قد يخشى الفرد مقابلة الناس وجهًا لوجه. ما يفاقم القلق الاجتماعي ويساهم في العزلة.
نصائح لتطوير عادات فلترة صحية
قد يكون التوقف عن استخدام الفلاتر صعبًا في عالم يحكم على المظهر، لكن يمكن تطوير عادات صحية لإدارة الاستخدام والحفاظ على الصحة النفسية من خلال:
- الاستخدام الواعي للصور الشخصية:
- راقب حالتك المزاجية أثناء وبعد عملية التحرير والنشر.
- اسأل نفسك: هل يحسن النشر والمقارنة صحتي النفسية أم يقللها؟
- التفكير في الرسائل الذاتية:
- تذكر أن فلترة الصورة ترسل رسالة غير واعية بأنك “لا تبدو جيدًا بما فيه الكفاية” كما أنت.
- التفكير في الأنشطة الاجتماعية البديلة:
- استبدل الوقت المستغرق في التحرير والنشر بأنشطة خارجية أو تفاعلات مباشرة؛ فالأبحاث تظهر أن الصداقات الواقعية تزيد من السعادة والرفاهية أكثر من العلاقات عبر الإنترنت.
- احتضان الذات الحقيقية:
- مارس التعاطف مع الذات وتقبل “عيوبك” كجزء. ما يجعلك فريدًا.
- جرب تأمل المرآة لمدة 10 دقائق يوميًا لتعتاد رؤية وتقبّل ذاتك الحقيقية كما هي.



















