ذكرى وفاة "برنس السينما المصرية".. و"أستاذ الشر"

بكل سهولة تستطيع أن تلمح مَسحة الحزن تحت عينيه، وبئر الألم داخلهما، و"التكشيرة" التي أصبحت جزءًا من ملامح وجهه في أثناء تمثيله، ما خدع الجميع بأنها من أدوات عمله كفنان عبقري في تقديم أدوار الشر، لما يتمتع به من نبرة صوت حادة ميّزته عن أقرانه في الوسط الفني، ولكن حقيقتها تكمن وراء سر كبير لا يعلمه إلا المقربون من (عادل أدهم)، برنس السينما المصرية.

في ذكرى وفاته، تستعرض (الجوهرة) أبرز محطات حياته منذ ولادته حتى يوم وفاته..

وُلد "أدهم" في 8 مارس عام 1928، بحي الجمرك البحري بالإسكندرية، كان والده موظفًا كبيرًا بالحكومة، ووالدته تركية الأصل، ورثت عن أبيها شاليهين في سيدي بشر، من بعدها انتقلت الأسرة للإقامة هناك، كان عادل حينها ما زال في المدرسة الابتدائية، يمارس رياضة ألعاب القوى ثم اختار رياضة الجمباز، وكان متفوقًا فيها بين زملائه، كما مارس رياضات السباحة، والملاكمة، والمصارعة، لدرجة أن أُطلق عليه لقب "البرنس"، بعد أن ذاع صيته في الإسكندرية.

(أنور وجدي) قال له: "أنت لا تصلح للتمثيل إلا أمام المرآة"

بعد تفوقه في الرياضة، اتجه أدهم إلى التمثيل، ولكن رغم عبقرية الفنان الراحل (أنور وجدي)، وعينه الثاقبة وعقليته الإنتاجية الجبارة، فإنه كاد يُفقد السينما العربية موهبة البرنس (عادل أدهم)؛ إذ اختبره وبعد مشاهدته وهو يمثل قال له: "أنت لا تصلح للتمثيل إلا أمام المرآة"، فما كان من (أدهم) إلا أن اتجه للرقص بفرقة (علي رضا)؛ لأنه كان قد تعلم الرقص بمدرسة يونانية، ما أهله للنجاح في تقديم العديد من الأعمال الفنية مع الفرقة.

تزوج يونانية.. وعلم أن لديه ابنًا بعد 25 عامًا

تزوج في بداية حياته بجارته اليونانية في الإسكندرية (ديمترا)، التي جاءت لزيارة بعض أقاربها، ثم توطدت العلاقة بينهما، وبعد فترة تزوجا وعاشت معه في مصر، وبحكم أنه كان عصبيا متقلب المزاج، فكان يحتد عليها في بعض الأحيان، وذات ليلة عاد (أدهم) متأخرًا واحتد عليها وهي حامل في شهورها الأولى، فطلبت الطلاق فضربها ليغلق النقاش وذهب للنوم، لكنه عندما استيقظ وبحث عنها لم يجدها في المنزل، وأبلغ الشرطة عن تغيبها حتى فوجئ باتصال من صديقة زوجته تقول له: "عادل، لا تبحث عن ديمترا لأنها سافرت".

سخر منه ابنه الوحيد.. ورفض الاعتراف به أو مرافقته إلى مصر

أصيب بصدمة بعد غياب زوجته، وسافر وراءها إلى اليونان بحثًا عنها، ولكنها اختفت، وبعدما فشل في العثور عليها عاد إلى مصر، وبعد مرور عدة سنوات نسي القصة، ولكنه علم من صديقة (ديمترا)، بعد 25 عامًا، أن زوجته أنجبت ولدًا صورة طبق الأصل منه، ما جعله يشعر بالحنين لرؤية ابنه الوحيد، لكن الابن رفض الاعتراف به ومصافحته، وسخر منه قائلًا: "بعد 25 عاما تتذكرني؟ أنت زبون عندي اليوم"، فشعر أدهم بالدوار من وَقع هذه الكلمات، وطلب من ابنه أن يعطيه فرصة، ولكن ابنه استأذنه بالذهاب لأنه مشغول، ورفض مرافقته إلى مصر.

شارك في العديد من الأفلام ولكن كـ(راقص)

لم ييأس أدهم من تكرار محاولاته لدخول عالم التمثيل، بل نجح في المشاركة في فيلم "ليلى بنت الفقراء"، الذي ظهر فيه كـ(راقص) في مشهد صغير جدا، وذلك في عام 1945، وكان عمره آنذاك 17 عامًا، ثم كان ظهوره الثاني في مشهد آخر صغير في فيلم "البيت الكبير"، تلَتهما رقصة في فيلم "ما كنش على البال" عام 1950.

ترك السينما.. وعمل بـ"بورصة القطن"

عمل أدهم في سوق بورصة القطن بعدما ابتعد عن السينما، وظل يمارسها إلى أن أصبح من أشهر خبراء القطن في بورصة الإسكندرية، ثم وقع تأميم قناة السويس في الخمسينيات، الذي جعله يترك سوق البورصة ويفكر في السفر، وفي أثناء إعداده أوراق السفر في عام 1964، تعرف على المخرج أحمد ضياء، الذي قدمه في فيلم "هل أنا مجنونة؟" بنفس العام.

قدّم 84 فيلمًا سطرَتْ اسمه بحروف من ذهب

انطلق بقوة في عالم الفن، ونجح في تقديم 84 فيلمًا، من خلال أدوار سطرت اسمه في تاريخ الفن المصري بحروف من ذهب؛ بسبب عبقرية أدائه وقدرته على فرض القسوة على ملامحه، ليصبح "شرير الشاشة" عن جدارة، إذ قدم دور (أدهم عتريس إبليس) في فيلم "المرأة التي غلبت الشيطان" عام 1973، و(رأفت) في فيلم "بذور الشيطان" عام 1980، وشخصية (عزيز بيه) الأقوى من بين كل أدواره في فيلمه الشهير "حافية على جسر الذهب"، كما قدم أفلامًا من كلاسيكيات السينما المصرية؛ مثل: "ثرثرة فوق النيل"، "الراقصة والطبال"، "جحيم تحت الماء"، "أقوى من الأيام"، وعدد آخر من الأفلام المتميزة في السينما المصرية، كان آخرها فيلم "علاقات مشبوهة"، الذي عُرض في سنة رحيله.

تزوج (لمياء السحراوي) التي تصغره بـ30 عامًا بسبب إصرارها عليه

كانت زوجته الراحلة لمياء في سن السابعة عشرة من عمرها عندما تعرف عليها في أحد الأماكن، حيث كانت تمارس رياضة السباحة، وحاول أن يتحدث معها، ولخوفها منه بسبب أدواره السينمائية الشريرة هربت من الحديث معه، ولكن صداقة (أدهم) لوالد (لمياء) ساعدت على تقليل الفجوة بينهما، فتعددت اللقاءات ولمست (لمياء) طيبة قلب ونبل (أدهم)؛ فأحبته ولكنه كان رافضًا للزواج بها بسبب فارق السن الذي يصل إلى الثلاثين عامًا، ولكنه رضخ لفكرة الزواج أمام إصرارها وتمسكها به، وطلبت منه شرطًا واحدًا لإتمام الزواج، وهو حضور حفل لنجمها المفضل (فرانك سيناترا)، فوافق (أدهم) وسافرا إلى أمريكا لحضور الحفل، ثم تزوجا عام 1982، وعاشت معه حتى فارق الحياة، ثم فارقت هي الحياة في 4 أبريل 2018.

توفي في هدوء بعد إصابته بالتهاب رئوي تطور إلى سرطان

جاءت وفاته هادئة وبعيدة عن الأضواء، إذ أصيب (أدهم) بماء على الرئتين إثر إصابته بالتهاب رئوي، وتدهورت حالته وسافر للعلاج في باريس على نفقة الدولة بصحبة الفنان (سمير صبري)، في مستشفى لعلاج الأمراض المستعصية، إذ أصيب بالسرطان الذي تمكن منه، ما أدى إلى رجوعه إلى مصر، ووافته المنية بمستشفى الجلاء العسكري بمصر الجديدة، عن عمر يناهز الـ67 عامًا، ونزل الخبر حينها كالصاعقة على كل زملائه بالوسط الفني، وجمهوره الذي عشق فنه.