محاسن عرفة تقتفي أثر " نساء يجمعن ندى الفجر"

دائما ما تكون البدايات غير مكتملة لكن تثبت الكاتبة محاسن عرفة عكس ذلك في عملها الروائي الأول " نساء يجمعن ندى الفجر"، الصادر عن وكالة الصحافة العربية (ناشرون) ، إذ نجد أنفسنا أمام كاتبة لها مستقبل مبهج في عالم الرواية العربية، وتزداد سعادتنا كونها صوتًا نسائيًا مميزًا في ظل ما نحياه من ندرة في الأصوات النسوية المميزة.

وتبرز براعة الكاتبة في اختيارها أجواء وحكايا روايتها الأولى التي تتناول فيها حكايات مجموعة من النساء في مدينة بيروت، بعد انتهاء سنوات الحرب الأهلية، فنجد منى، يارا، ريم، مي، ومعهم فؤاد عزت، سهيل الضاوي، هم أبطال الرواية ، أما مكان لقائهم جميعا فهو استراحة صغيرة على شكل بستان صغير ألف بينهم في عقد صداقة امتدت لأعوام قبل أن تتبدل مصائرهم.

وتركز محاسن عرفة في سردها على التحولات النفسية والإجتماعية السريعة التي تحصل في حياة البشر، تتسلل بخفة إلى داخل النفوس لتكتب عنها بتجرد، وتحرر من أي تقييم أخلاقي لاختيارات الأبطال ومواقفهم الإنسانية.

وتتجلى الحبكة الدرامية للرواية رغم أن الزمن الروائي يبتعد عن الحروب بشكل مباشر إلا أن القارئ يتمكن من اقتفاء أثر الماضي عبر الأحداث المتداخلة بين الماضي والحاضر، وعبر حضور مواقف تساهم في تشكيل مصائر الأبطال وتحولها، كما حدث مع محسن الشاب الحزبي الذي انتهت حياته في أوج شبابه، وترك رحيله مرارا لا ينتهي في حياة أسرته، نرى أثر الحرب أيضا في العلاقة بين مي بدران ووسام الشاب الحزبي المراوغ، والذي يمثل الوجه المناقض لشخصية محسن. أما شخصية ريم حمدان فتعكس التحولات السريعة في عالم الصحافة والإعلام ، وتظل شخصية يارا وسهيل الضاوي من أكثر الشخصيات المؤثرة في هذا العمل الروائي، حيث كلاهما يقدم الجانب المضيئ في النفس الإنسانية، حين يكون اختيار العطاء من دون مقابل اختيارا نابعا عن وعي كبير بأهمية المحبة في انقاذ العالم.

ولعل أهم مايميز "محاسن عرفة" مهارتها في السرد الذي يتنوع بتعدد الأصوات الروائية، وتنوعها بين صوت المرأة وصوت الرجل، حيث يروي كل بطل حكايته من وجهة نظره، في مقابل الاضاءة على تلك الحكايات من وجهات نظر أخرى بحيث يبرز التناقض حسب مكان الرؤية، ومواقف الأبطال.

من أجواء الرواية :

ماذا نفعل هناك؟

كنا نحكي قصتنا، لكن قصتنا لم تكتمل. تفرقنا جميعاً، مضى كل منا في سبيله بحثاً عن نهاية تليق بأوهامه بأمنياته، ببحثه المحموم عن الغد.

الآن وأنا أجمع آخر الأشياء من هذه الاستراحة الأليفة التي جمعتنا لزمن، أدرك أن الجدران خزنت قصصنا كلها بين مساماتها، في زاوية الركن القصي لطالما انتظرت يارا أيمن، أين هي يارا الآن يا ترى؟ وأين هو أيمن، ربما مسافر في مكان ما؟ كلاهما غاب في عتمة السنين.

هنا على طاولتي المفضلة في منتصف المكان اعتادت مي الجلوس معي، نتحدث طويلاً وأنا أراقب بعيني كل الطاولات، الغرباء والأصدقاء. وفي الجانب الأيسر حيث البيانو العتيق، لطالما انتظرت ريم قدوم فؤاد عزت.

لا أعرف كم من السنوات مرت على هذه التفاصيل،كل ما على فعله الآن، جمع اللوحات عن الجدران، لملمة ما تبقى من أشياء لأتخلص منها قبل السفر.

لم يعد هناك مكان اسمه "استراحة الزمن الجميل"، كل شيء قابل للتغير، للتحول، البشر، الأشياء، الأماكن. هذا هو الأمر الثابت والوحيد في الحياة " التغيير".

تعلق عيناي عند اللوحة التي ضمنت بيتين من الشعر لأبي العتاهية، أقرأهما وأجهش بالبكاء:

ولعل ما تخشاه ليس بكائن

ولعل ما ترجوه سوف يكون

لعل ما هونت ليس بهين

لعل ما شددت سوف يهون