التعب المزمن.. لماذا تعاني النساء أكثر من الرجال؟

في السنوات الأخيرة، تصاعدت الدراسات التي تشير إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن من الرجال بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف. هذا التعب ليس مجرد إرهاق عابر أو إجهاد مؤقت؛ بل حالة مستمرة تؤثر على جودة الحياة والعمل والصحة النفسية والجسدية. فما الأسباب الكامنة وراء هذا الاختلاف بين الجنسين؟ وهل المسألة بيولوجية بحتة، أم أنها انعكاس لضغوط مجتمعية ونفسية متشابكة؟

الهرمونات ودورها في الشعور بالتعب

تعد الهرمونات الأنثوية أحد أهم المفاتيح لفهم هذه الظاهرة. فالمرأة تمر بتقلبات هرمونية متكررة خلال الدورة الشهرية، والحمل، وفترة ما بعد الولادة، ثم انقطاع الطمث.

في حين هذه التغيرات تؤثر مباشرة على مستويات الطاقة، والنوم، والمزاج، وحتى على طريقة استجابة الجسم للإجهاد.

فعلى سبيل المثال، انخفاض هرمون الإستروجين في بعض المراحل يؤدي إلى ضعف النوم وتقلب المزاج، بينما تؤثر اضطرابات الغدة الدرقية. وهي أكثر شيوعًا بين النساء، على حيوية الجسم ونشاطه اليومي. وفقا لما ذكرته “healthline”.

الضغط النفسي والاجتماعي المستمر

وتعيش كثير من النساء تحت عبء الأدوار المتعددة: أم، موظفة، زوجة، ابنة، وربما معيلة للأسرة. هذه الأدوار تتطلب طاقة بدنية ونفسية مضاعفة.

المرأة غالبًا لا تمنح نفسها حق الراحة الكافية، وتضع احتياجاتها في آخر القائمة، فتتراكم الضغوط دون تفريغ حقيقي لها، مما يؤدي إلى إرهاق دائم لا يرى بالعين لكنه ينهك الجسد من الداخل.

كما أن التوقعات المجتمعية العالية من المرأة؛ لتكون ناجحة في العمل ومثالية في البيت، تخلق شعورًا بالذنب المستمر عند التقصير. ما يزيد من التوتر النفسي والإنهاك الذهني.

الفروق البيولوجية بين الجنسين 

وتشير الأبحاث إلى أن النساء يمتلكن حساسية أعلى تجاه الألم مقارنة بالرجال، وأن أجسادهن تتفاعل مع الضغوط بطريقة مختلفة.

فعند التعرض للإجهاد، يفرز الجسم هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، الذي يكون أكثر نشاطًا وتأثيرًا لدى النساء. ومع الوقت، يؤدي هذا الارتفاع المزمن إلى اضطراب في النوم، وضعف في جهاز المناعة، وشعور مستمر بالتعب حتى دون بذل مجهود كبير.

قلة النوم ونوعية الراحة

من الأسباب الخفية لتعب النساء المزمن هو قلة جودة النوم. الكثير من النساء يعانين من الأرق، أو من نوم متقطع بسبب المسؤوليات الأسرية، خصوصًا الأمهات.

بينما النوم المتقطع لا يمنح الجسم فرصة كافية لإصلاح الخلايا أو تجديد الطاقة، مما ينعكس على الأداء البدني والعقلي في اليوم التالي.

العوامل النفسية والوجدانية

وتتأثر النساء بالعواطف والتجارب النفسية العميقة أكثر من الرجال في أغلب الأحيان، ما يجعل التعب العاطفي والنفسي ينعكس على الجسد بسرعة.

الاكتئاب والقلق واضطرابات المزاج ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمتلازمة التعب المزمن، وهي حالات تصيب النساء بمعدلات أعلى.

وعندما تتراكم المشاعر المكبوتة من ضغوط الحياة اليومية، يتحول الأمر إلى تعب داخلي دائم لا يعالج بالراحة الجسدية فقط، بل يحتاج إلى توازن نفسي ودعم اجتماعي.

نقص الفيتامينات والعناصر الغذائية

النظام الغذائي غير المتوازن، خصوصًا في ظل نمط الحياة السريع، يسهم في زيادة الشعور بالتعب. النساء أكثر عرضة لنقص الحديد بسبب الدورة الشهرية، إضافة إلى نقص فيتامين “د” و”ب12″ اللذين يؤثران على إنتاج الطاقة في الجسم. هذا النقص، وإن بدا بسيطًا، يسبب دوخة، خمولًا، وضعفًا عامًا يصعب تمييزه عن الإرهاق المزمن.

اقرأ أيضًا: تنظيم نوم الأطفال.. استثمار في الصحة والنمو

وفي النهاية، التعب المزمن لدى النساء ليس ضعفًا ولا ترفًا في الشكوى؛ بل إشارة تحذيرية من الجسد والعقل بضرورة التوقف وإعادة التوازن. إن فهم الأسباب، سواء كانت هرمونية أو نفسية أو اجتماعية، هو الخطوة الأولى نحو العلاج والوقاية.

ولأن النساء يشكّلن العمود الفقري للأسرة والمجتمع، فإن العناية بهن ليست رفاهية؛ بل استثمار في استقرار المجتمع وصحته. فالتعب المزمن لا يعالج بالصبر وحده، بل بالراحة، والدعم، والوعي، والاهتمام الحقيقي بصحة المرأة من الداخل قبل الخارج.

الرابط المختصر :