كسر الحاجز اللغوي: "لغة الإشارة".. فن التعامُل مع الصُم

فقط، بضم إصبعي الوُسطى والبنصر، قد أصبح لديك كلمة "أحبك" بلغة الإشارة؛ فهي اللسان الناطق لمن فقدوا حاسة السمع، سواء نتيجة لعوامل وراثية، أو تعرضوا لصدمة كبيرة أثرت على حاستهم السمعية. يحتفل العالم في الثالث والعشرين من سبتمبر في كل عام، باليوم العالمي للغة الإشارة، علمًا بأنه يتم استخدامها عن طريق حركات محددة، تستعين فيها باليد، والجسد، بالإضافة إلى تعابير الوجه، إلى جانب بعض الحركات التي تُعبّر عن حروف الأبجدية التي قد تختلف من دولة إلى أخرى. إن المصاب بالصمم غالبًا ما يعاني من جنون الاضطهاد؛ حيث يغلب على ذهنه اعتقاد بأن المحيطين به يسخرون منه، أو يريدون إيذائه بشكل أو بآخر، فالحرمان من حاسة ما شعور لا يُحتمل، كما أكدت اللبنانية لمى جوزيف؛ خبيرة الإتيكيت، في تصريحات خاصة لـ "الجوهرة"، على أهمية توفير الاحترام اللازم، والحفاظ على لباقة الأسلوب عند التعامُل مع الصُم، مع الحرص على كسر الحاجز اللغوي، سواء باستخدام لغة الإشارة في حالة إجادتها، أو إبداء الاهتمام بمعرفتها. قالت خبيرة الإتيكيت: "إن الغلطة الكبيرة التي يرتكبها الناس عند التعامل مع الصُم، هي إظهار بعض من الشفقة؛ فالإنسان لا يحب أن يكون مصدرًا لشفقة الآخرين، وخاصة إن كان يعاني من خطب ما، فالمريض لا يرحب بشفقة عائلته عليه، والحزين لا يقبل بشفقة أصدقائه، وهنا نجد أن الإنسان الذي كُتب له أن يفقد تلك الحاسة، يعيش بطريقة طبيعية للغاية، وربما يكون فاقدًا للسمع، إلا إنه ليس فاقدًا للإحساس، والوعي بنظرة المجتمع إليه".

وأضافت لمى جوزيف أن الشخص الذي يحاول التعامُل مع الصُم بطريقة مبتذلة، يُعرّض نفسه للإحراج، ويكون محط سخرية الآخرين، عند إظهار بعض المحاولات الفاشلة في استخدام لغة الإشارة؛ لذا يجب العلم أن الإنسان الطبيعي يستطيع اتقان هذه اللغة؛ خاصة عندما يتحدّث وسط ضوضاء. شددت خبيرة الإتيكيت على ضرورة احترام ثقافة مجتمع الصُم، التي تشمل عددًا من العادات، التقاليد، والخبرات التي تنتقل فيما بينهم من جيل إلى آخر، مشيرة إلى أن مجتمعهم يعتبر لغة الإشارة جزءًا لا يتجزأ منها، قائلة: "نجدهم يتبادلون النكات وسرد القصص أو القصائد عن طريق لغة الإشارة، وهو الأمر الذي يجب إبداء الاحترام له، ومع التقليل من علامات الفضول أو الدهشة التي قد تبدو على من يتعامل معهم". وأردفت قائلة: "إن الأصم يرفض _ في الكثير من الأحيان _ أن ينخرط في أحاديث المجتمع، بل يحرص على الابتعاد عن عالم المتحدثين، فلغته الإشارة التي لا يتقنها سوى رفاقه الذين يعرفون جيدًا تفاصيل ثقافة الصُم، وهو الأمر الذي يجهله الآخرين؛ لذا يجب أن يُعطي المتعامل معه _ أي الأصم _ المساحة الكافية له، واحترام خصوصيته، وفي حالة قراره بإدخالك إلى عالمه، يتحتم عليك العلم أنه يُمنع منعًا باتًا أن تُحكم قبضتك على يده أثناء حديثه بلغة الإشارة؛ فالأمر كأن يُغلق أحدهم فمك، وإعطائه الفرصة لإنهاء حديثه".

واختتمت خبيرة الإتيكيت كلامها قائلة: "لباقة الحديث واستيعاب لغة الآخر من أهم قواعد الإتيكيت في العالم، ومجتمعاتنا العربية تحتاج لأن تعرف العديد من لهجات بعضها البعض، فضلًا عن بعض اللغات المتداولة مثل: الأمازيغية، ولغة الإشارة التي يتحدث بها رفاقنا الصُم، حتى نستطيع أن ننخرط في عالمهم، ونرحب بهم معنا على متن رحلتنا في الحياة، وهذا هو مبدأ احترامنا للإنسانية". من جهتها، أوضحت أميرة رضوان؛ أخصائية التخاطب وتنمية المهارات، في تصريحاتها الخاصة لـ "الجوهرة"، أن لغة الإشارة تعتبر جسر التواصل بين الصُم، والناس؛ حيث تنقل المشاعر المتبادلة بينهم، كما تساعدهم على التعبير عن احتياجاتهم المختلفة، فضلًا عن قدرتها على تعزيز نموهم الذهني، والشفوي على حد سواء. وأكدت أخصائية التخاطب أن لغة الإشارة تساعد على الحد من الضغوط النفسية، والداخلية التي تصيب مجتمع الصُم؛ فهم الأكثر عرضة لمواجهة الاكتئاب، مع الإحساس المستمر بالخوف، والإحباط من نظرة المجتمع إليهم، موجهة بأهمية الانضمام إلى نوادي تعليم لغة الإشارة، قائلة: "لابد من تعليم هذه اللغة لجميع الأفراد، فهو أمر يقدرونه كثيرًا؛ حيث يشعرهم بالاندماج، وأنهم ليسوا الأقلية في المجتمع، كما إنك لا تعلم متى ستحتاج إليها، ربما يحتاج أحدهم المساعدة، وأنت لا تعلم لغته". واختتمت أخصائية التخاطب تصريحاتها قائلة: "إن الأصم يشعر دائمًا بأنه المنبوذ وسط عالم المتحدثين، إلا أن لغة الإشارة تساعده على تطوير وتوسعة دائرة علاقاته الاجتماعية، والثقافية أيضًا".