قصص ما قبل النوم.. دفء الحكاية بين ذاكرة الأمس وواقع اليوم

في زمنٍ غلبت فيه الأجهزة اللوحية وأصوات الشاشات على همسات الأمهات، بات السؤال يطرح نفسه بإلحاح: هل ما زالت قصص ما قبل النوم تروى؟

تلك اللحظات الهادئة التي كانت تجمع الطفل في حضن والده أو والدته ليست مجرد عادة قديمة؛ بل كانت طقسًا نفسيًا وتربويًا له أثر عميق في تكوين الشخصية وتنمية الخيال.

اليوم، تغيّر المشهد كثيرًا؛ فبدل الحكاية التي تقال بصوتٍ دافئ، صارت الشاشة تروي بالصوت والصورة، لكن دون روح. وفقًا لما ذكرته “healthline”.

قصة ما قبل النوم.. جذور تمتد في الذاكرة الإنسانية

الحكايات قبل النوم ليست اختراعًا حديثًا؛ بل تمتد جذورها إلى التاريخ الإنساني ذاته. من “كليلة ودمنة” و”ألف ليلة وليلة” إلى القصص الشعبية التي كانت الجدّات يروينها تحت ضوء القمر، كانت القصة وسيلة لنقل القيم، وتغذية الخيال، وبناء علاقة وجدانية بين الراوي والمستمع. ولم تكن القصة مجرد تسلية؛ بل كانت “مدرسة صغيرة” تعلّم الطفل مفاهيم الخير والشر، وتزرع بداخله الإيمان بالحلم والعدل والمثابرة.

تراجع عادة الحكاية.. صمت تربوي خلفه التكنولوجيا

مع تسارع وتيرة الحياة، وانشغال الأهل بالعمل ووسائل التواصل الاجتماعي، تراجعت عادة الحكاية تدريجيًا. أصبح الطفل يخلد للنوم وهو يمسك جهازه اللوحي، يشاهد رسومًا متحركة بلا تفاعل أو دفء إنساني.

ورغم وفرة المحتوى المرئي؛ إلا أن غياب صوت الأم أو الأب جعل الطفل يفقد ذلك الإحساس بالأمان العاطفي الذي تمنحه اللحظة القصصية، حين تمتزج الكلمة بالابتسامة واللمسة والاحتواء.

الأثر النفسي للقصة على الطفل

تشير دراسات نفسية حديثة إلى أن القصص قبل النوم تلعب دورًا مهمًا في تهدئة الجهاز العصبي للطفل، وتخفيف التوتر، وتنشيط الخيال الإبداعي.

كما أن تكرار طقس الحكاية يوميًا يعزز الإحساس بالروتين الإيجابي والأمان، ويقوي الروابط العاطفية داخل الأسرة.

بينما يؤكد علماء النفس أن الأطفال الذين يستمعون إلى القصص بانتظام يتمتعون بقدرات لغوية أفضل، وثقة أعلى بالنفس، واستقرار عاطفي أكبر مقارنةً بأقرانهم الذين يعتمدون على المحتوى الرقمي فقط.

حين تحكي الأم.. فهي تبني ذاكرة

صوت الأم وهي تروي ليس مجرد وسيلة لنوم الطفل؛ بل هو “ذاكرة حب” تترسخ في اللاوعي. الطفل لا يتذكر تفاصيل القصة دائمًا، لكنه يتذكر الشعور بالأمان الذي يرافقها.

وتشير دراسات إلى أن الأطفال الذين ينشأون على القصص يكونون أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم، وأقل عرضة للقلق الاجتماعي في المستقبل.

العودة إلى الحكاية.. مسؤولية تربوية وليست رفاهية

قد يظن البعض أن الحكاية عادة رومانسية من الماضي، لكن الحقيقة أنها أداة تربوية فعّالة. يمكن للأهل اليوم أن يعيدوا إحياءها بأسلوب عصري؛ يختارون قصصًا قصيرة تحمل قيماً إيجابية، أو حتى يبتكرون قصصًا مستوحاة من يوم الطفل ذاته. ليست الحكاية وقتًا ضائعًا؛ بل استثمارًا في بناء شخصيةٍ متوازنة، تعرف كيف تحلم، وتفكر، وتحب.

اقرأ أيضًا: قرار الأسرة.. الرعاية المنزلية أم دور المسنين؟

بين القصة والشاشة خيار يصنع الفرق

وفي النهاية، ربما لا نستطيع منع أطفالنا من التكنولوجيا، لكن يمكننا أن نمنحهم شيئًا لا تقدمه الشاشة؛ وهو الدفء الإنساني. فحين نحكي لهم قبل النوم، نحن لا نروي قصة فقط؛ بل نروي حنانًا، واهتمامًا، وذكرياتٍ ستبقى معهم حين نغيب.

الرابط المختصر :