فيلم the power of the dog.. في مديح المُعَلّم ورثائه

ينبع أكثر سحر وعظمة فيلم the power of the dog، الذي هو من كتابة وإخراج جين كامبيون، و المبني على رواية تحمل نفس الاسم للكاتب توماس سافاج، من إرباكه، واستعصائه على التحديد، أو إسقاطه في فخ تأويلي واضح ومحدد.

فمن أي باب أتيته ألفيتَ نفسك تضرب على وتر حساس فيه؛ إن رأيت أن المخرجة تحاول تفكيك قضايا جندرية، وتضرب، وإن بشكل غير مباشر ومدروس ربما، عقلية راعي البقر في أفلام الغرب الأمريكي في مقتل، كنت على حق، وما شططتَ.

وإن قلتَ إن الفيلم، من حيث الأصل، ليس أكثر من إعادة عزف على لحن قديم أسرف الروائي الألماني هيرمان هيسه في اللحن عليه وهو لحن «الذئب والحَمَل» في الإنسان وتناقضاته وثنائياته الصلبة، كنتَ أيضًا محقًا، وما جاوزت الصواب.

يكفيك أن تنظر قليلًا إلى فيل بروبانك (الممثل بيندكت كامبرباتش)؛ بطل الفيلم؛ لتكتشف أنه، رعى طوال الفيلم، ليس أبقاره فحسب، وإنما الذئب والحَمَل بداخله أيضًا، فطوال الفيلم عهدناه صلبًا، قاسيًا، لا يأبه للمشاعر الإنسانية ولا يقيم لها وزنًا، يحتقر النساء، ولا يعيرهن التفاتًا، يكره الضعف، وكل ما يمت إليه بصله، ومع ذلك ألفيناه يهوي صريعًا في النهاية، محاولًا منح نفسه لفتى خجول رقيق هو بيتر (الممثل كودي سميت ماكفي)، وهو الوجه المقابل تمامًا لفيل بروبانك.

غاية القول: إن فيلم the power of the dog، حتى من جهة اسمه، الذي قد لا يحيل على شيء واضح وظاهري في الحكاية، عصيّ على التحديد، خارج عن إطار الإسقاط المسبق في الأشراك التأويلية المعروفة.

الفيلم من بطولة، كيرستين دانست، جيسي بليمنز، توماسن ماكنزي وكودي سميت-ماكفي. ورُشح هذا العمل السوداوي من نوع "الويسترن" للفوز بجوائز أوسكار في فئة أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل وأفضل أداء تمثيلي في دور ثانوي للنساء والرجال.

عشاء يقلب طاولة الحكايات

لكي تستبين الأمور في رأسك أكثر _ هذا إن لم تكن شاهدت الفيلم بالفعل _ يجدر بنا أن نقول: إننا الآن أمام شابين فيل وأخيه جورج (جيس بليمونز)، يرعيان، في السهول والفيافي، بعيدًا عن أسرتهما، قطيعًا من الأبقار. ولا يملك فيل هذا من العالم سوى أبقاره تلك، وذكرى آسرة من معلمه برونكن هنري (وهو مجرد اسم فقط، ولا وجود حقيقي في الفيلم)، فهذا المعلم الغائب الحاضر هو الذي علّم فيل كل شيء عن رعي الأبقار وركوب الخيل.. إلخ.

لكن العالم ليس مهيئًا للسير في الطرق التي رسمناها له؛ إذ تنقلب الأمور رأسًا على عقب، عندما يتناول الأخوان عشائهما، في أحد الأيام، في مطعم روز الصغير (الممثلة كريستن دانست). والتي يعاونها في العمل ابنها الخجول بيتر (الممثل كودي سميت ماكفي)، بعد هذا العشاء تنقلب الأمور رأسًا على عقب وحياة فيل تحديدًا؛ إذ يقع جورج في حب روز ويتزوجها.

تبدأ بعد ذلك، سلسلة مضايقات جمة من قبل فيل لروز وابنها، ولكن الأمور لا تتوقف عند هذا الحد؛ إذ يدرك فيل، هكذا بين عشية أو ضحاها، أن عليه واجب آخر أجدر به أن يتولاه، وهو: أن يصنع من بيتر رجلًا، على غرار ما صنع منه برونكن هنري رجلًا.

فيلم the power of the dog

مصالحة الذئب والحَمَل

منذ هذه اللحظة يأخذ الفيلم، ولأول مرة ملمحًا واضحًا أو على الأقل يتضح فيه مسلكًا تأويليًا يمكن الركون إليه؛ إذ يشرع فيل في تعليم فتاه الصغير بيتر كل شيء، ويبدو الفتى، الذي يخطط لكي يكون جراحًا، مستعدًا للتعلم.

وتلك أخصب بيئة للتلمذة والأساتذة: تلميذ منفتح الذهن شغوف وأستاذ مستعد للعطاء، ومن هنا بتنا نلمح تحولًات جمة (وعكسية) في حياة كل من فيل وبيتر، الأول يمسي أكثر رقة وحساسية، والآخر يمسي أكثر صلابة ورجولة، بل وإخلاصًا للمعلم الأول برونكن هنري!

ولأن فيلم the power of the dog مربك أصلًا، فقد كانت نهايته شبيهة به، وغير متوقعة بالمرة؛ إذ كان فيل عازمًا على صنع حبل من الجلد (هكذا فقط) ولما أعوزه الجلد؛ نظرًا لأن روز منحته طواعية وبالمجان لبعض المارين، من باب النكاية في فيل لا أكثر، منحه تلميذه الوفي (بيتر) جلدًا لماشية كان يشرحها بحكم رغبته في أن يكون جراحًا، ولكنه يتبين فيما بعد أن هذا الجلد كانت به عدوى قاتلة، وقد انتقلت إلى فيل، ومات على إثرها، وهكذا تسبب الحَمَل، وبحسن نية تمامًا، في موت راعيه الذئب.

اقرأ أيضًا: فيلم قوارير يشارك في مهرجان مالمو للسينما العربية ضمن برنامج ليال عربية