فيلم I’M THINKING OF ENDING THINGS.. هوس النهايات

تعج الأدبيات الحديثة، اجتماعيًا وثقافيًا، بحديث وأطروحات وافرة حول النهاية؛ نهاية العولمة، نهاية الثقافة، نهاية الرأسمالية، بل وذهب البعض إلى القول بدنو نهاية الإنسان ذاته.

فيلم I’M THINKING OF ENDING THINGS المبني على الرواية الأكثر مبيعًا بنفس العنوان للكاتب آيان ريد، وصدرت الرواية في عام 2016م، والذي أخرجه وكتب السيناريو له المخرج والكاتب الكبير تشارلي كوفمان، عزف على لحن هذه المقطوعة وربما مغازلة لها من طرف خفيّ.

اللافت هنا أن تشارلي كوفمان يسحبنا من الفضاءات العامة إلى الخاص والشخصي جدًا؛ فموضوع الشعور بالنهاية، مسألة تخص «لوسي» الممثلة جيسي باكلي وحدها.

قصة الفيلم تبدو، للوهلة الأولى، بسيطة؛ حيث يصطحب جايك؛ الممثل جيسي بليمنز حبيبته لوسي في رحلة بسيارته عبر الثلج _ الذي أتصور أن له رمزية أو دلالة ما في هذا العمل _ إلى بيت والديه اللذين يقطنان في مكان ناء.

يقوم الجزء الأكبر من الفيلم في السيارة _ وهو قائم على الحوار وحركات الكاميرا بالأساس _، وذاك هو الحيز المكاني الثاني لتحفة تشارلي كوفمان، في بيت والدي جايك، وأخيرًا في رحلة العودة.

فيلم

دائرية الزمن ويبدو أن تشارلي كوفمان أراد أن يدلي بدلوة في ذاك الجدل القديم والمتجدد هو ماهية الزمن هو دائري أم خطي، فهو فهذا العلم يربكنا تمامًا، انظر مثلًا إلى والدي جايك اللذان ظهرا في أكثر من مرحلة عمرية، وكذلك إلى ذاك الرجل المسن؛ عامل نظافة في مدرسة نعلم لاحقًا أنها نفس مدرسة جايك، ويعيش هذا الرجل في منزله وحيدًا. نعلم لاحقًا أنه يعيش في نفس منزل عائلة جايك.

وقد يدفعنا التشابه الشديد بينه وبين جايك: التكوين الثقافي نفسه، نفس المسرحيات والأغاني المفضلة، متجر آيس كريم واحد يقصدناه، إلى الظن بأن هذا الرجل هو النسخة المستقبلية من جايك. طبعًا لا تثق بهذا الاستنتاج فسوف يهدمه تشارلي كوفمان في مشهد النهاية الذي يبدو وكأنه مقتبس جملة وبشكل متعمد عن فيلم BEAUTIFUL MIND.

المهم أن هذا اللعب بالزمن دفع كثيرين إلى اعتبار الفيلم سرياليًا أو عبثيًا، لكن لم يكن أمام تشارلي كوفمان من خيار آخر؛ نحن أمام امرأة مهوسة بفكرة النهاية، نهاية كل شيء، فهي لم تتعرف على جايك إلا منذ ست أو سبع أسابيع ومع ذلك تفكر في النهاية، بل تبدو لها نهاية علاقتها به محفوظة ككف يدها.

أما إذا آمنا أن هذه المرأة (لوسي) هي من صنع خيال جايك نفسه، ولا وجود حقيقي لها _ وهذه زاوية تأويلية أخرى للفيلم _ فنكون أمام خيال جامح، وليس بالإمكان إسقاط الخيال في فخ الزمان وقانونه.

فيلم

الخيال الجامح والقلق السرمدي حين تنظر إلى جايك ولوسي فستشعر أن ثمة خطب ما، ثمة أمر جلل يعتمل في نفسيهما، فهما (لو افترضنا أنهما شخصين وأن لوسي لم تكن من صنع خيال جايك) قليلي الثقة بنفسيهما، وهي لا تريد المحاولة؛ فقد صدها هوسها بالنهاية المحتومة وقناعتها بالطابع المؤقت للأشياء عن أية محاولة جادة، وهو، على الجانب الآخر، يحاول، إرضائها ما وسعه الجهد، حتى إنه يغير رأيه في فيلم، أغنية ما رغبة منه في كسب ثقتها؛ فهو متشبع بفكرة أنه ليس مؤهلًا لكسب قلب امرأة.

وثمة نقطة أخرى ميّزت هذين الشخصين _ ونحن نؤول الفيلم برمته اعتمادًا عليهما _ وهي جموح الخيال، فبينما تكون لوسي؛ الجالسة إلى جوار جايك في السيارة غارقة في خيالها وحديثها مع نفسها يقاطعها جايك (الذي يبدو وكأنه يسمع حديثها مع نفسها) قائلًا: ماذا قلت؟ أو هل قلت شيئًا؟.

وكلما تقدمت في المشاهدة؛ تقدم الفيلم في التعقيد والالتواء، فهو تجاوز قصدي لكل المواضعات المألوفة، من إيقاع الزمن المألوف إلى تبدلات الأشخاص أنفسهم.

وفي مشهد النهاية تظهر لوسي من بين جملة من المتفرجين على جايك الذي يبدو وكأنه يتلقى تكريمًا ما _ والمشهد كله اقتباس عمدي عن فيلم BEAUTIFUL MIND _ فيما نظل نحن المشاهدون في حيرة من أمرنا، هل واصلت لوسي علاقتها بجايك أو لا زالت غارقة في هوسها بالنهايات؟!.

اقرأ أيضًا: «ماجد».. حكاية الفتى الذي لم يعرف وجه والديه