صبحة بغورة تكتب: رمضـان طاقـة الإلهام والنور

الامتثال الإيماني للأمر الرباني "كتب عليكم الصيام"، هو في حد ذاته تأكيد من العبد بالخضوع التام لملك الخالق العظيم، وهو تثبيت الالتزام بصوم شهر رمضان الفضيل، وأيضًا استسلام طوعي لقدرته تعالى، فالحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته.

بارك الله تعالى في شهر رمضان من بين سائر الشهور الأخرى، وكان الرسول الكريم ﷺ يبشر أصحابه بدخول رمضان ويقول لهم: أتاكم شهر رمضان شهر بركة، ينزل الله فيه بالرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله.

ومن فضل الله تعالى على عبده الصائم في الشهر الكريم، أن يمسك على قلبه بمشاعر الغبطة في طاعته وبمحبة التقرب إليه، شاكرًا أن أمد سبحانه وتعالى في عمره وصحح بدنه ووسع رزقه وهداه إلى سواء السبيل إلى حيث يمكن أن يضاعف الجود، ويسارع إلى الخيرات ويغتنم فضيلة الوقت وشرف الزمان ليكون في مرتبة من يصدق عليهم نداء المنادي " يا باغي الخير أقبل" وليكن في زمرة المقبولين في ليال العتق من النار.

عندما تكون أبواب الخير مفتحة، وأبواب النار مغلقة والشياطين مصفدة؛ لا يكون هناك مجال إذن للتثاقل والتغافل أو التباطؤ والتجاهل لنيل فضل هذه الأيام، والفارق كبير بين أناس صدقوا النية لله تعالى فصاموا وأخلصوا العبادة وكان القرآن ربيع قلوبهم وقصروا أنفسهم على صالح الأعمال، وبين من استسلموا لغيهم ولهوهم وفضلوا المخالطة ولغو الحديث والخوض في صغائر الأمور، وضيعوا صيامهم نهارًا وصلاتهم ليلا في اللعب والمرح، المتعة في الصوم هي مشقة الطاعة، بينما لا يجد المفطر سوى شرًا يسوءه، إنها لذة المعصية المؤقتة الزائفة.

"أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن، علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم، فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ". وبهذا يتأكد أن الصوم وجاء لمن لا يستطيع الباءة، أي لا يملك القدرة المالية على الزواج والمعنى أن الصوم وجاء من حيث قدرته على إيقاف الانشغال الوسواسي بالشهوة الجنسية، ومن حيث أنه عبادة مستمرة من الفجر إلى غروب شمس اليوم التالي، فالله لم يخلق فينا الشهوة ليعذبنا بها لكنه أمر ألا نشبعها بالحرام، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.

هذا ديننا الحنيف الذي شملت أحكامه كل جوانب حياتنا، فأضاءت بأنوار ربنا طريق الهداية لنا والاستقامة في سلوكياتنا والهمتنا سواء السبيل، وشهر رمضان هو شهر الوحي والإلهام، وعندما تستسلم فيه النفوس للنفحات الربانية وهي مشدوهة عما حولها تراها تتلقى إلهاما من القيم يضيء فيها ولها طبيعة الروح الإيجابية الملهمة المحبة للخير، وينير أمامها سبل التضامن والتكافل والتعاون، ويفتح مجالات الجود والعطاء.

طاقة النور في رمضان، هي النور الإلهي الذي يتجلى عليها فيبعث فيها الحياة ويمنحها القوة ويزودها بالطاقة اللامحدودة، فتنتعش هذه الروح وتعيش سعادتها بأشواقها إلى عالمها العلوي المقدّس، إنها طاقة روحية، إيجابية ونورانية تغذي الطاقة الفكرية، والطاقة الحسية والروحية لفهم حقائق الكون وأسرار الكائنات وحكمة الخالق في طبيعة المخلوقات.

وتتعاظم هذه الطاقة الروحية لدى الصائم يوما بعد يوم في رمضان، وتبلغ ذروتها في العشر الأواخر من الشهر؛ إذ تتغذى هذه الطاقة من مواصلة انقطاع المؤمن للعبادات عن سائر شؤون معيشته وانصرافه بكل حواسه لله تعالى، لذا كان نمو هذه الطاقة مرتبط بمقدار ما اجتهد العبد في صلاته وتلاوته للقرآن الكريم والتكبير والتسبيح والدعاء وصالح الأعمال.

نور الإيمان لا حدود له، وباستطاعة المؤمن أن يزداد نورًا على نور عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته يتخلل بها ظلمة الحياة، والإنسان هو من يوسع مساحة النور في حياته حتى يصبح نورانيا في كل شيء، فالنور أجمل وألطف ما في العالم وهو مصدر لكل جمال ولطف، وشهر رمضان هو زمن نزول النور القرآني ونزول الملائكة النورانية،وكل عام وأنتم بخير.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: في رمضان.. لماذا السلوكيات في درجة الغليان؟